نشاط أميركي حثيث في ليبيا من أجل التصدي للتمدد الروسي

واشنطن تسعى بقوة لتكريس نفوذها في المنطقة الغربية دون قطع جسور التواصل مع بنغازي.
السبت 2024/05/25
خوري أمام تحديات سياسية وأمنية صعبة في ليبيا

طرابلس - تشهد الساحة الليبية حراكا دبلوماسيا دوليا يتمحور بالأساس حول الانتخابات والمصالحة، فيما يرى مراقبون أن واشنطن تسعى بقوة لتكريس نفوذها في المنطقة الغربية دون قطع جسور التواصل مع بنغازي رغم موقفها المناهض للدور الروسي المتنامي في شرق وجنوب ليبيا.

واجتمع القائم بالأعمال الأميركي جريمي برنت مع الأميركية ستيفاني خوري، نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة والقائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم  المتحدة للدعم في ليبيا، ووصف المناقشة التي جرت خلال اللقاء بالممتازة، موضحا أنهما تناولا في حديثهما التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا.

وأكد برنت دعم الولايات المتحدة للدور الحيوي للبعثة الأممية في ليبيا في مساعدة الشعب الليبي على تحقيق الوحدة الوطنية، والسلام والاستقرار الدائمين.

وحثت خوري على التوجّه نحو “عملية سياسية شاملة وجامعة يقودها ويملكها الليبيون”، بحسب منشور البعثة الأممية، ونادت بضرورة اتخاذ موقف دولي منسق لدعم الليبيين في تحقيق السلام والاستقرار الدائمين.

وترجح أوساط ليبية مطلعة، أن تسعى خوري إلى تنفيذ خطتها لحلحلة الأزمة في ليبيا، بالتنسيق التام مع الجانب الأميركي الذي كان وراء الدفع بها إلى منصبها الحالي، لاسيما بعد استقالة المبعوث الأممي السابق عبدالله باتيلي منذ 17 أبريل الماضي.

مصادر ليبية تعتقد أن واشنطن تحاول تشكيل أكبر تحالف سياسي وعسكري في الداخل الليبي لمواجهة التمدد الروسي

والأسبوع المنقضي، أكدت خوري أن البعثة ملتزمة بأداء دورها في ليبيا، وقالت “تبقى بعثة الأمم المتحدة ملتزمة بمساندة الليبيين على تجنيب البلاد مخاطر الانقسام والعنف وهدر الموارد، وذلك من خلال تيسير عملية سياسية شاملة، يملكها ويقودها الليبيون أنفسهم، بمن فيهم النساء والشباب ومختلف المكونات”.

وتابعت “كما أننا ملتزمون بالعمل على دعم إجراء انتخابات وطنية شاملة حرة ونزيهة لإعادة الشرعية للمؤسسات الليبية”، مشيرة إلى أن “البعثة سوف تواصل دعم عملية مصالحة وطنية شاملة مع كل الشركاء، والعمل مع الليبيين على التنفيذ الكامل والمستدام لاتفاق وقف إطلاق النار، ومعالجة انتشار الأسلحة، وتحسين وضع حقوق الإنسان وسيادة القانون”.

وخلال لقائه رئيس الأركان العامة لقوات حكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، شدد القائم بالأعمال الأميركي على دعم بلاده للجهود التي تبذلها من أجل حماية سيادتها وتأمين حدودها في ظل التحديات والاضطرابات التي تواجه الاستقرار الإقليمي، وعلى تشجيع الولايات المتحدة توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية.

وأعرب برنت عن استعداد بلاده لدعم الاقتصاد الليبي، وناقش مع وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج أهداف تنويع الاقتصاد في ليبيا، وكيف يمكن للولايات المتحدة والشركات الأميركية دعم التطلعات الاقتصادية لليبيا، بحسبِ تدوينة على حساب السفارة الأميركية.

من المرجح أن تكثف واشنطن خلال الفترة القادمة من تحركاتها في طرابلس، بهدف ضمان التوازن السياسي والإستراتيجي مع الحضور الروسي

وبحسب المراقبين، فإن القائم بالأعمال الأميركي، سعى إلى الاجتماع بشخصيات ليبية من مختلف القطاعات والميادين، بما يشير إلى الأهمية القصوى التي باتت حكومة بلاده توليها للملف الليبي، ولضرورة التواصل مع مختلف الفرقاء لضمان دور تعتقد واشنطن أن الواقع حان لتضطلع به في مواجهة التمدد الروسي سواء في ليبيا أو في دول الساحل والصحراء.

وتعتقد مصادر ليبية، أن واشنطن تحاول تشكيل أكبر تحالف سياسي وعسكري في الداخل الليبي لمواجهة التمدد الروسي، ولديها قناعة كما لدى عدد من العواصم الغربية، بضرورة إخراج الروس من الجغرافيا الليبية ذات الأهمية الإستراتيجية الاستثنائية على الضفة الجنوبية للمتوسط وكبوابة للصحراء الأفريقية الكبرى.

وفي سياق متصل، بحث القائم بأعمال السفارة الأميركية، مع النائب العام المستشار الصديق الصور، سبل تعميق التعاون الثنائي في مجالات سيادة القانون ومؤسسات العدالة الجنائية، وقال في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي ”إكس” : “لقد ناقشنا اليوم أنا والنائب العام الصديق الصور أهمية سيادة القانون ومؤسسات العدالة الجنائية القوية، كما بحثنا سبل تعميق التعاون الثنائي في هذه المجالات”.

وتسعى واشنطن لاستعمال سيف القضاء في قطع الطريق أمام من تعتقد أنهم غير ملائمين لخدمة مصالحها في ليبيا، وخاصة من رموز النظام السابق، حيث لاتزال تتمسك بضرورة تسليم المرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي لمحكمة الجنايات الدولية.

إلى ذلك، كان لبرنت لقاء مع النائب الأول لرئيس مجلس الدولة مسعود عبيد حيث ناقش الطرفان آخر المستجدات في الملف السياسي الليبي، وأكدا على ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين، كما تطرقا إلى سبل إرساء الاستقرار والأمن في ليبيا وفي الجنوب الليبي بشكل خاص، والتأكيد على ضرورة المحافظة على استقرار البلاد ووحدتها وسيادتها، وبذل الجهود لتحقيق المصالحة الوطنية. وبحث الطرفان التحديات التنموية في المنطقة وفرص النجاح بأن تكون مدينة مرزق أنموذجًا للتنمية المستدامة.

القائم بالأعمال الأميركي سعى إلى الاجتماع بشخصيات ليبية من مختلف القطاعات والميادين، بما يشير إلى الأهمية القصوى التي باتت حكومة بلاده توليها للملف الليبي

ولم يقف الدبلوماسي الأميركي عند لقاءاته بالشخصيات الليبية، وإنما التقى كذلك مع نظيره المصري تامر الحنفي، حيث ناقشا مسألة الدعم الدولي لتحقيق الاستقرار في ليبيا.

وقال برنت عبر تغريدة للسفارة الأميركية على “إكس”، إنهما ناقشا أهمية الدعم الدولي الموحد للمساعدة في تحقيق الاستقرار في ليبيا، والمضي قدمًا في العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة، كما أنهما ناقشا وضع خارطة طريق ذات مصداقية لإجراء انتخابات وطنية ناجحة.

وكان القائم بالأعمال الأميركي زار بنغازي الإثنين الماضي، واجتمع مع نائب رئيس مجلس النواب الليبي فوزي النويري، وتناول معه مستجدات الأوضاع السياسية وسبل الدفع بالعملية السياسية في البلاد، كما تناول اللقاء عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وقال برنت إنه ناقش مع النويري، أفضل السبل لدعم العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة، وتعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وليبيا، وتعزيز استقرار وازدهار ‎ليبيا.

كما أعرب عن قلقه بشأن اختفاء النائب البرلماني إبراهيم الدرسي معبرا عن أمله في عودته السريعة والآمنة إلى أسرته.

وبحث برنت مع المدير العام لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بلقاسم خليفة حفتر “سبل تعزيز التعاون مع المؤسسات والشركات الأميركية، ضمن برامج الإعمار المستهدفة من قبل إدارة الصندوق، والمشاريع القائمة في بنغازي، ودرنة والمدن المتضررة ومدن ومناطق الجنوب”، وأعرب “عن استعداد الولايات المتحدة الأميركية لدعم جهود إدارة الصندوق، لتحقيق الإعمار والتنمية في ليبيا وفق نهج العمل والأولويات المعتمدة”.

ويرجح متابعون للشأن الليبي، أن تكثف واشنطن خلال الفترة القادمة من تحركاتها في طرابلس، بهدف ضمان التوازن السياسي والإستراتيجي مع الحضور الروسي، كما ستعمل على تكريس دورها في غرب ليبيا لتعويض خسارتها في منطقة الساحل بقبولها مغادرة قواتها لجمهورية النيجر.

4