"نساء الجناح ج" يضيء على الكفاح للتحرر من الأمراض النفسية

دراما فيلمية عن التحول الكرونولوجي للمجتمع النسائي في المغرب.
الثلاثاء 2023/10/17
فيلم عن الصراع الطبقي

انطلاقا من قصة نساء يعانين أمراضا نفسية ويكافحن للتحرر منها، يرصد المخرج محمد نظيف تطورات المجتمع النسائي في المغرب، وقدرته على التآزر والتكاتف من أجل مناصرة القضايا والأهداف الذاتية والجماعية.

الرباط - يعالج فيلم “نساء الجناح ج” قضايا ثلاث نساء مصابات نفسيا وممرضة في جناح للطب النفسي بالدار البيضاء، ومغامرة ليلية تجمعهن في تجربة فريدة من نوعها.

والفيلم هو عمل سينمائي مميز يضم مجموعة من ألمع النجوم والفنانين في المغرب. وتأتي القصة تحت إخراج المبدع محمد نظيف، الذي يعد واحدًا من أبرز المخرجين في السينما المغربية.

ويتميز الفيلم بطاقم ممثلين استثنائيين إذ يضم أسماء الحضرمي، جليلة التلمسي، إيمان مشرافي، ريم فتحي، فاطمة عاطف، نسرين الراضي وكنزة فريدو. وتمثل هذه الأسماء البارزة تركيبة فنية استثنائية تجمع بين الموهبة والتميز.

ويُعتبر الفيلم ثاني أفلام المخرج نظيف في عالم الروائي الطويل، بعد نجاحه البارز في فيلم “الأندلس مونامور” عام 2012. “نساء الجناح ج” يسهم دون ريب في توريث التراث السينمائي المغربي وإثراء الساحة الثقافية بأعماله الاستثنائية.

z

تأتي نساء الفيلم من خلفيات اجتماعية مختلفة، ولكن تجمعهن روابط صداقة قوية تساعدهن على التغلب على تحدياتهن واكتشاف أنفسهن.

يفتتح الفيلم بمشهد ليلي ساحر في المدينة الجميلة ويُعرض المكان الذي تدور فيه الأحداث، وهو مستشفى نفسي. وعلى الرغم من بعض المشاهد الغامضة في البداية، يتبين لاحقًا أن بطلات الفيلم لسن مجانين، بل يعانين اكتئابا شديدا بسبب حادثة صدمتهن والتي تُكتشف تدريجيًا في أثناء الاتحاد والتعاون القوي بين هؤلاء النساء الأربع، على الرغم من اختلاف أوضاعهن وأعمارهن.

تبدأ المشاهد متتالية بلمحة سريعة تعكس رغبة النساء الشديدة في الحرية والاستقلال، حيث يتبين أنهن على استعداد للقيام بأي شيء من أجل تحقيق هذا الهدف، حتى وإن كانت الحرية محدودة بشكل واضح في بيئتهن.

تم استخدام الإضاءة بشكل جيد لإلقاء الضوء على المشاهد الحيوية وإضفاء تأثيرات بصرية تعزز من الأجواء المشحونة عاطفيًا. وقد تم تطبيق ذلك على نحو خاص في المشهد الليلي في المتنزه حيث استخدمت الإضاءة بمهارة لإضافة لمسات من الغموض والتشويق إلى الفيلم.

وفي ما يتعلق بتصوير الأماكن، تم التصوير داخل المستشفى النفسي بطريقة تبرز البيئة المحيطة بالشخصيات وتعكس حالتهن النفسية. استُخدمت الأماكن المغلقة بشكل متقن لتحقيق انغماس في العالم الداخلي للشخصيات ولتسليط الضوء على تفاصيل مهمة من السرد، مما أضاف قيمة إلى التصوير وساهم في تعزيز فهم المشاهدين للشخصيات والقصة بشكل أعمق.

تظهر اللقطات نظرة عميقة ومؤثرة على واقع النساء في المغرب المعاصر. ويعكس الفيلم الصراع الذي يمررن به بين التقدم الظاهري والالتزام بالقيم والتقاليد الاجتماعية التي تسيطر على حياتهن الأسرية.

الفيل يُعتبر م ثاني أفلام المخرج نظيف في عالم الروائي الطويل، بعد نجاحه البارز في فيلم "الأندلس مونامور" عام 2012

وتبرز الحبكة الدرامية التركيز في تضامن النساء وقوتهن كوسيلة لتحقيق التحرر وتغيير الأوضاع بشكل واضح وكيف يمكن للتكاتف النسائي أن يكون له دور كبير في تحقيق التقدم والتغيير في البلاد.

وتم التنسيق بين اللقطات على نحو سلس ومتجانس، مما ساهم في جذب انتباه الجمهور وجعلهم مشدودين ومتفاعلين مع تطورات الأحداث على نحو مستمر. ويبرز الفيلم توازنًا مثاليًا بين المشاهد الهادئة وتلك التي تحمل الكثير من التوتر والإثارة، مما يخلق إيقاعًا سرديًا مثاليًا يبقي الجمهور مشدودًا ومهتمًا طوال زمن الفيلم.

إحدى اللقطات البارزة هي تقديم الشخصيات الرئيسية في “الجناح ج”، حيث نلتقي ثلاث نساء يعشن تجارب قاسية في مشاهد متتالية تحمل في طياتها مشاعر الألم والصراع النفسي والاجتماعي. ونجد لقطات تعكس تطور العلاقات بين هؤلاء النساء وكيف تنمو صداقتهن على مر الزمن. تلك اللحظات الدقيقة تجسد التحول الكرونولوجي للمجتمع النسائي في المغرب.

جمع المخرج نظيف بين لقطات مؤثرة وقصة معقدة بشكل مدهش، مع استخدامه للحظات التوترية على نحو بارع لإضافة عمق إلى القصة. لكن في بعض الأحيان، يبدو أنه يتجاوز الحدود في استخدام نمط فيلم الإثارة الذي يمكن أن يبدو قليلاً نمطيًا. والقوة الرئيسية للفيلم تكمن في تناغمه السردي الرائع، حيث يروي أربع قصص على نحو متزامن دون أن يفقد التسلسل الزمني للأحداث.

ويتميز الفيلم بأسلوب حساس يجنب تثقيل الأجواء رغم وجود أحداث مأساوية متعلقة بالشخصيات الرئيسية. ويقدم لحظات مرحة وأخرى قاسية، مع تقديم لمحات تتيح للمشاهد التفكير في الإيجابية.

نساء من خلفيات اجتماعية مختلفة تجمعهن روابط صداقة قوية تساعدهن في التغلب على تحدياتهن واكتشاف أنفسهن

وقدم المخرج نظيف عملا استثنائيا في الفيلم من خلال رؤيته الإخراجية الفريدة والتي جمعت بين عناصر الدراما والإثارة والرومانسية في تناغم. كما تمكن من توجيه القصة بمهارة وضبط إيقاعها بشكل يثير اهتمام المشاهدين.

وبالنسبة إلى الاستخدام الفعّال للصوت، تم توظيف الموسيقى والتأثيرات الصوتية بشكل مؤثر لتعزيز الأجواء وتعزيز تأثير المشاهد. تلك العناصر الصوتية أضافت عمقًا إلى تجربة المشاهدين وساهمت في نقل العواطف والمشاعر بشكل أفضل، مما زاد قوة الفيلم وجاذبيته.

جاء إيقاع الأحداث متسارعا في لقطات الشرطة وبطيئا في مشاهد الألم والحسرة بشكل يواكب إيقاع الحياة والضغوط الاجتماعية والأسرية على النساء، ويسلط الضوء على تأثيرها النفسي والجسدي. وتنسجم أوتار الإيقاع بشكل جيد مع الموضوعات الصعبة مثل الشذوذ الجنسي والاعتداء الجنسي، وتتناغم معها بحساسية وعمق.

يعتبر الأداء المذهل للممثلات وإرشادهن بمهارة من قِبل المخرج من أبرز ملامح الفيلم. فقد تمكنّ من نقل تفاصيل مشاعر الشخصيات وتطورها على مر الزمن على نحو استثنائي. وتم التوجيه الجيد للأداء العاطفي والتفاعل بين الشخصيات بمهارة، وهو ما ساهم إلى حد بعيد في توصيل الرسالة والمشاعر بشكل فعّال للجمهور.

من خلال تفرغ الممثلات لأدوارهن وفهمهن العميق للشخصيات، تمكن من إيصال تجاربهن الشخصية وعواطفهن بشكل مؤثر، مما جعل الشخصيات أكثر قربًا للمشاهدين وساهم في جعل تجربة مشاهدة الفيلم ممتعة ومؤثرة. إن الأداء المميز للممثلات يضيف قيمة كبيرة إلى قصة الفيلم ويساعد على تحقيق تواصل فعّال مع الجمهور.

14