نزار شهيد الفدعم يبحث التجريب والتأويل في الفن السابع

أي علاقة بين الصورة التشكيلية والصورة السينمائية؟ وما مدى تأثير التشكيل في الفن السابع؟ سؤالان يحاول الناقد والمخرج العراقي نزار شهيد الفدعم الإجابة عنهما في أحدث كتبه الذي عنونه بـ”الفيلم السينمائي بين التجريب والتأويل”، والذي يستعرض فيه أشهر الأفلام والتطورات التي شهدتها السينما.
الرباط - يعتبر كتاب “الفيلم السينمائي بين التجريب والتأويل” للناقد والمخرج السينمائي العراقي نزار شهيد الفدعم من الأعمال الثقافية في مجال السينما، فعلى مدى العقدين الماضيين شهدت السينما تحولًا جذريًا من حيث التقنية والتكنولوجيا، حيث انتقلت من التصوير التقليدي إلى التقنية الرقمية التي فتحت آفاقًا جديدة للتجريب في الأشكال والمواضيع والتقنيات السينمائية. وفي هذا السياق يقدم لنا الكتاب رؤية فريدة ومثيرة للتطورات التي شهدتها السينما، ويستعرض الكاتب كيف يمكن للتجريب والتأويل أن يؤثرا بشكل عميق على تجربة المشاهد وتقدير الأعمال السينمائية.
يشير العنوان “الفيلم السينمائي بين التجريب والتأويل” إلى جوانب هامة في دراسة الأفلام السينمائية، حيث يركز على التجريب في صناعة الأفلام، لافتا إلى الإبداعات والابتكارات التي قد تشمل تقنيات جديدة في التصوير والسرد القصصي واستخدام التكنولوجيا، إذ يعكس التجريب استكشاف الأساليب غير التقليدية والطرق السردية المبتكرة، أما التأويل فيشير إلى كيفية فهم وتفسير الأفلام، بما في ذلك تفسير الرموز والرسائل والمعاني الكامنة فيها، كما يتناول التأويل التفاعل بين الجمهور والنقاد مع النصوص السينمائية وطرق تحليلها من زوايا مختلفة.
ويُقدّم الكتاب رؤية شاملة لعلاقة السينما بالفنون الأخرى، حيث يتناول في قسمه الأول السينما والتشكيل، ويستعرض فيه المؤلف كيف تُعدّ السينما فنًا بصريًا وسمعيًا يتداخل فيه التكوين واللون والضوء والظل لتخلق تجربة بصرية غنية ومؤثرة. وتشير مقدمة الكتاب إلى أن السينما رغم كونها فنًا حديثًا نسبيا، نشأت من تضافر الفنون الستة التي عرفتها الإنسانية، وهي العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص، ثم تضاف السينما إلى هذه الفنون لتصبح الفن السابع.
في هذا السياق يسلط الناقد العراقي الضوء على كيفية استفادة السينما من مفردات الفنون التشكيلية، حيث تعرض اللوحة التشكيلية حدثًا واحدًا في زمن محدد، بينما تمتد اللقطة السينمائية لتعرض متوالية من الصور التي يسيل فيها الزمن. ويناقش الكتاب كيف يرى بعض النقاد أن السينما يمكن أن تُعتبر لونًا من ألوان الفنون التشكيلية، كما يتضح من قول المخرج الأميركي ديفيد لينش “إنّ فهمي للسينما ينبع من خلفية تشكيلية”، ويستعرض المؤلف أيضًا تأثير المدرسة التعبيرية الألمانية على السينما، مستشهدا بأمثلة لأفلام بارزة مثل “الكنز” و”فاوست” و”متروبولس” التي تجسد الأسلوب التعبيري في السينما.
ويركز الكتاب على تأثير الفن السريالي في السينما، مستشهدا بفنانين مثل سلفادور دالي وماكس إرنست، وكيف أن بعض المخرجين مثل سيرجي آيزنشتاين وفيدريكو فيلّيني استمدوا إلهامهم من الرسم لخلق أعمال سينمائية مميزة، ويوضح كيف كان آيزنشتاين يرسم شخصيات ومناظر أفلامه قبل تنفيذها، كما في فيلم “إيفان الرهيب”، وكيف أن فيلّيني دخل إلى عالم السينما من خلفية فنية تشكيلية، ما جعل أفلامه مثل “ران” من بين المواد الغنية التي جذبت اهتمام الباحثين والدارسين.
وفي القسم الثاني من كتاب “الفيلم السينمائي بين التجريب والتأويل” يناقش الناقد نزار شهيد الفدعم "فيلم الحرب"، ويقدم تحليلًا شاملا لقوى الإنتاج التي شكلت صورة الحرب في السينما، إذ ينقسم هذا التحليل إلى معسكرين رئيسيين: الأول هو المعسكر الرأسمالي الذي تُمثله هوليوود والشركات الأوروبية الكبرى، والثاني هو المعسكر الاشتراكي الذي يشمل الاتحاد السوفييتي والأنظمة الدكتاتورية التي تُدار من قبل حزب واحد أو حاكم واحد.
ويستعرض الكاتب العراقي 65 فيلمًا من دول مختلفة، منها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا التي قدمت رؤى متنوعة حول الحرب، من بينها “معركة سان بيترو” لجون هيوستن، و”صائد الغزلان” لمايكل تشيمنو، و”جسر على نهر كواي” لديفيد لين، و”روما مدينة مفتوحة” لروسلّيني، و”معركة السكك الحديد” لرينوار، ويعكس هذا التنوع في الأفلام كيف تم تصوير الحرب من زوايا متعددة تعبر عن رؤى وأيديولوجيات مختلفة.
ويتناول الكاتب الحرب الفيتنامية موضحًا كيف أن الإنتاج الأميركي قدم قرابة 500 فيلم تروج للتدخل الأميركي في فيتنام، مُستعرضًا عشرة أفلام مهمة في هذا السياق، مع التركيز على فيلمين أساسيين مثل “العودة إلى الوطن” لهال آشبي و”القيامة الآن” لكوبولا، حيث يبين فيهما كيف أن هذه الأفلام تسهم في توثيق وتحليل دوافع الحرب وتعبّر عن الهموم الإنسانية في أوقات الحرب وبعدها.
ويوضح الناقد الفدعم في القسم الثالث الشخصية السينمائية وكيف أن بعض الممثلين نمّطوا شخصياتهم بكلمات أو عبارات خاصة تظل عالقة في أذهان الجمهور، ويذكر مثالين من السينما العربية، وبعض الفنانين الأجانب الذين تقمصوا أدوارهم بعناية فائقة، مثل نيكول كيدمان في “حفرة أرنب”، وبن كنغسلي في “غاندي”، وأنتوني كوين في دور حمزة في فيلم “الرسالة”، وكيف أن أداءهم المتميز وصل إلى أعماق الشخصيات وأثر في ذاكرة الجمهور.
ويستند المؤلف في كتابه إلى نظرية أرسطو حول الفكرة والشخصية والحدث والحبكة والذروة، ويعتبر أن أي خروج عن هذه النظرية يمكن اعتباره جزءًا من التجريب والتغريب، إذ يشدد على أهمية الشخصية في تجسيد الدور وتأثيرها على المشاهد من خلال الأداء والحوار والحركة، فالمشاهد لا يمكنه أن يتخيل شخصية ويلارد في فيلم “القيامة الآن” دون أن يتذكر أداء مارتن شين، ولا يمكن أن يتذكر فيلم “الشيخ والبحر” دون استحضار أداء سبنسر تراسي، ويقسم الشخصيات إلى خمسة أنواع من خلال منظور نفسي واجتماعي، وهي الشخصية البسيطة والمركبة والمسطحة والدائرية والشخصية الخلفية، مع تقديم أمثلة توضيحية من أفلام مختلفة.
ويختم الناقد العراقي نزار شهيد الفدعم كتابه بسياسة الغلاسنوست وتأثيرها على السينما السوفييتية، مشيرًا إلى أن السينما السوفييتية عانت من الأيديولوجيا المنغلقة رغم تقديمها أفلاما هامة مثل “المدرّعة بوتمكن” و”الحرب والسلام” و”أنشودة الحياة”، ويبين كيف أن أفلامًا أخرى مثل “القومسيار” و”وداعات طويلة” و”عشرون يومًا بدون حب” قد مُنعت من العرض رغم أنها لم تكن بخطورة أفلام مثل “أندريه روبلوف” لتاركوفسكي و”حبّات الرمّان” لبارداجانوف، ويشير إلى أن السينما يجب أن تتوفر لها مساحة كبيرة من الحرية لتجاوز هيمنة مقص الرقيب، باستثناءات نادرة.
ويعمل نزار شهيد فدعم كإعلامي ومخرج سينمائي وتلفزيوني ومنتج، ويكتب في مجال السينما والتلفزيون، حيث يقوم بكتابة أفلام وبرامج سهرات درامية ومنوعة تلفزيونية. وهو عراقي ورئيس تحرير مجلة “سومر السينمائي”، كما أخرج العديد من الأفلام في مجال السينما منها الفيلم الروائي “العملية 911” الذي تولى كتابته وإخراجه، والفيلم التسجيلي “الباب”، بالإضافة إلى “أغنية الطين” و”الجزاء” الذي يتولى إخراجه، كما يشارك في إنتاج عدة مسلسلات درامية تلفزيونية، منها “آلام وآمال” و”الشطرنج” و”نفوس مهشمة” و”أزاهير” و”حذار من اليأس”، إلى جانب أفلام تلفزيونية مثل “المياه الدافئة” و”قطار”، والبرامج التلفزيونية، من بينها “تعلولة بغدادية” و”الحياة في العمل”، فضلا عن أفلام وثائقية مثل “الحضر” و”القدس”، وأيضاً أكثر من مئة وعشرين برنامجاً في التنمية والاقتصاد والثقافة والفنون والسياسة. كما يخرج ثلاثين رسالة تلفزيونية درامية بعنوان "لنكدح من أجل عمان"، ويعد ويخرج برنامجا تسجيليا بعنوان "في ربوع بلادي".