نرجس الطاهري لـ"العرب": سينما المرأة الموجهة للشباب تشكل مستقبل المغرب

ترأس المخرجة المغربية نرجس الطاهري لجنة تحكيم جائزة الجمهور الشاب في الدورة الـ17 من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، بعد خبرة سنوات طويلة بين المسرح والتمثيل والإخراج، مكنتها من تكوين أسلوب خاص. وهي في لقاء مع "العرب" توضح ملامح تجربتها ورأيها في سينما المرأة وخاصة تلك الموجهة للشباب، ومدى حضور المرأة في الفن السابع.
سلا (المغرب) - انطلقت مساء الاثنين الدورة السابعة عشرة من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، والذي يستمر حتى الـ28 من الشهر نفسه. ويعتبر هذا المهرجان منصة متميزة للاحتفاء بإبداعات المرأة في السينما، وينظم تحت إشراف العاهل المغربي الملك محمد السادس وبمبادرة من جمعية أبي رقراق.
منذ تأسيسه في عام 2004 أصبح المهرجان رمزًا للاهتمام بدور المرأة في الفن السابع، مُبرزًا قصصها وتجاربها المميزة في صناعة السينما، ويسعى لتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء في هذا المجال.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع المخرجة والمنتجة المغربية نرجس الطاهري رئيسة لجنة تحكيم جائزة الجمهور الشاب بالدورة السابعة عشرة من المهرجان.
عن قبول الدعوة للمشاركة في المهرجان كرئيسة لجنة تحكيم جائزة الجمهور الشاب، تقول المخرجة المغربية “عندما طُلب مني ترؤّس لجنة التحكيم الخاصة بالسينما الموجهة للجمهور الشاب، ضمن فعاليات مهرجان فيلم المرأة بسلا، شعرت بفرحة كبيرة ومسؤولية عظيمة، لأن الفيلم الموجه للشباب بعيد عن كونه فئة ثانوية في السينما، يحمل رسالة جوهرية في تشكيل خيال الأطفال والمراهقين الذين هم مواطنو المستقبل في بلدنا الجميل، لذلك فإن هذه المهمة التي أضطلع بها أنا وزملائي في لجنة التحكيم ستكون على قدر كبير من الأهمية والجدية”.
وتوضح الطاهري أن تقييمها للأفلام المعروضة في الدورة السابعة عشرة من المهرجان تخضع لضوابط معيارية منها “جودة الإخراج وجمالية الصورة وكثافة الشخصيات وأهمية وأصالة السيناريو. وهناك أيضا الرؤية الشخصية لأعضاء لجنة التحكيم، وهي دائما ذاتية، وهذا ما يجعل مسؤوليتنا دقيقة، فكل فرد ينظر إلى الفيلم من زاوية مختلفة بناءً على خلفيته الثقافية وتجربته الشخصية. لن يشاهد الجميع الفيلم بنفس الطريقة، أما بالنسبة إلي فأنا أميل أكثر إلى عمق الرسالة أكثر من الجانب التقني، خصوصا في هذا الوقت الذي نحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى أعمال تحمل قيمًا إنسانية عالمية إيجابية”.
المهرجانات الدولية تسلط الضوء على السينما الموجهة لتثقيف الشباب بصريا ولتربيتهم دون الوقوع في التلقين
أما عن الجوانب التي تركز عليها لتقييم الأفلام داخل لجنة التحكيم وكيف تساهم جائزة الجمهور الشاب في دعم السينما والفنانين الصاعدين، فترى المخرجة أنه “يُعتقد خطأً أن السينما الموجهة للجمهور الشاب هي نوع من الاختبار أو تمهيد لـمسيرة حقيقية، هذا غير صحيح تماما، صحيح أن هذا النوع من السينما قد يكون نقطة انطلاق، لكنه نوع مستقل بذاته كرّس له العديد من المخرجين الكبار جزءا كبيرا من مسيرتهم المهنية”.
وتشير إلى أن “هذا التصور المسبق يجعل هذا النوع من السينما مهمشا إلى حد ما. وهنا يكمن دور المهرجانات الدولية، ومن بينها مهرجان فيلم المرأة بسلا، التي تسلط الضوء على السينما الموجهة ليس فقط لتثقيف الشباب بصريا، بل أيضا لتربيتهم بشكل عام دون الوقوع في التلقين، وهذا يمثل تحديا حقيقيا للمخرجين الذين يتم تكريمهم في هذا المهرجان في سلا”.
وبالعودة إلى شغفها بالمسرح وتأثيره في مسيرتها كمنتجة ومخرجة سينمائية، تقول نرجس الطاهري “في الواقع كانت أولى اهتماماتي هي المسرح والإخراج والأداء، فمنذ صغري مارست هذا الفن الذي كان شبه إلزامي في المدارس المغربية لأن المسرح يساعد على تطوير الخيال والذاكرة والثقة بالنفس والتحدث أمام الجمهور، وبالطبع يطور الرصيد الثقافي والعديد من المهارات. من خلال هذا المجال اتجهت نحو السينما، حيث أن الحيل المسرحية تصبح أكثر تطورا وتعقيدا، الوهم يصبح أكثر واقعية من الحقيقة، حتى وإن كانت متعة الممثل المسرحي أكبر بكثير بالنسبة إلى الفنان. هذا الانتقال سمح لي أيضًا بفهم أهمية توجيه الممثل في الإخراج السينمائي، وفيما بعد في التلفزيون، وأفادني في إجراء المقابلات وفي الإخراج التقني للتقارير والبرامج، والتي كانت في حالتي تحتوي على قدر بسيط من السيناريو”.
انتقلت نرجس الطاهري إلى باريس بعد إنهاء دراستها الثانوية، متبعة شغفها الكبير بالإخراج والمسرح، وهناك درست في جامعة باريس قبل أن تلتحق بالمدرسة العليا للإخراج السمعي – البصري، وبدأت مسيرتها بإخراج فيلم قصير تلاه إنتاج أفلام مؤسساتية ومقابلات حصرية، قبل انضمامها إلى القناة المغربية الثانية.
المهرجان أصبح رمزًا للاهتمام بدور المرأة في الفن السابع، مُبرزًا قصصها وتجاربها المميزة في صناعة السينما
ولاحقا أسست شركتها الخاصة للإنتاج وأخرجت ثلاثة أفلام قصيرة إضافية، وقد حصلت نرجس أيضًا على المرتبة الأولى في القمة الثانية للشباب القياديين الأفارقة، حيث مثلت جمعية “فضاء نقطة الانطلاق”، التي تركز على تعزيز ريادة الأعمال لدى النساء والشباب.
وعن التحديات التي واجهتها في بداية مسيرتها المهنية، تقول المخرجة “لقد كنت محظوظة بوصولي في وقت بدأت فيه الساحة تفتح أبوابها للنساء في المجال السينمائي في المغرب. كانت المؤسسات تشجع المخرجات بشدة، لكنني كنت لا أزال صغيرة السن، ولم يكن من السهل عليّ أن أفرض نفسي بين التقنيين الذين كانوا دائمًا مترددين في منح الثقة لشابة. كان هناك نوع من التناقض في ذلك”.
وتشيد المخرجة المغربية نرجس الطاهري بتطور سينما المرأة العربية، حيث تقول “لحسن الحظ تغيرت الأمور بشكل كبير اليوم؛ تحظى النساء المغربيات والعربيات بالاحترام والدعم في العديد من البلدان، والمغرب يُعد مثالا يحتذى به في هذا المجال، والدليل على المساواة الكاملة هو أنه لم يعد يتم تكريمهن فقط بسبب نوعهن، بل يتنافسن على قدم المساواة مع زملائهن الرجال. إنه تطور جميل جدا!”.
وتضيف “في ظل التحديات التي تواجه العالم اليوم، أجد نفسي في موقع مميز كمنتجة لبرامج على الويب، تهدف إلى نشر الامتنان والإيجابية بين الأفراد والمجتمعات، حيث تأتي هذه البرامج في وقتٍ نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى تعزيز الروح الإيجابية وتقوية الروابط الإنسانية، خاصة في ظل الأوقات غير المؤكدة التي نعيشها. وبرنامجي “شكرا، كبسولات سلسة!” كان بداية هذه الرحلة، إذ يسلط الضوء على لحظات الامتنان، من خلال لقاءات إنسانية مؤثرة ومثرية مع أشخاص من مختلف المجالات، حيث نسعى لتقديم قصص ملهمة تتحدث عن التحديات والانتصارات، وهو ما يمنح المشاهدين شعورا بالأمل والارتباط”.
وتقول المخرجة “في غضون 15 يوما سأطلق برنامج ‘نظرة خاصة’، الذي سيحافظ على نفس الروح الإيجابية ولكن بمفهوم أكثر تطوراً ومحتوى أكثر غنى. سيتيح البرنامج منصة لمناقشة مواضيع أعمق تتعلق بالفن والثقافة، مع استضافة فنانين ومفكرين لمشاركة تجاربهم ورؤاهم. نهدف إلى استكشاف كيف يمكن للفن أن يكون أداة للتغيير الإيجابي في المجتمع، وكيف يمكن أن يسهم في نشر ثقافة الامتنان والإيجابية. إنّ هذه البرامج ليست مجرد وسائل ترفيهية، بل هي دعوة للجميع إلى التفاعل والمشاركة في تعزيز الوعي الإيجابي. من خلال كل حلقة، نأمل أن نزرع بذور التفاؤل ونلهم الآخرين للبحث عن الجمال في حياتهم اليومية، مهما كانت التحديات، فمن خلال هذه المشاريع نسعى لأن نكون جزءًا من حركة أكبر تهدف إلى إعادة بناء الروابط الإنسانية وتعزيز التفاهم، وهو ما يسهم في تحسين جودة الحياة للجميع”.