نذر مواجهة جديدة بين البرلمان الليبي والمجلس الرئاسي

توقعات بعرض المجلس الرئاسي قرار حل البرلمان على الاستفتاء.
الاثنين 2024/09/30
الخلاف السياسي يتجاوز أزمة المصرف المركزي

رجحت أوساط سياسية في ليبيا تواصل الخلاف بين مجلسي النواب والرئاسي، وسط توقعات بالذهاب نحو عرض مقترح حلّ البرلمان على الاستفتاء، في وقت تراهن فيه أطراف سياسية على توسيع حالة الانقسام في البلاد في ظلّ التمسك بالسلطة السياسية والنفوذ الميداني.

من المتوقع أن يعقد مجلس النواب الليبي اليوم الاثنين جلسة عامة للتصويت على اتفاق حلحلة أزمة المصرف المركزي، الذي تم توقيعه الخميس بينه وبين مجلس الدولة الاستشاري برعاية الأمم المتحدة، بينما تلوح معركة جديدة بين البرلمان ومجلس الدولة عنوانها الاستفتاء على حله. وترى أوساط مطلعة أن معركة كسر العظم بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب ستتواصل، فيما لا يزال هناك من يراهن على حصول انقسام حقيقي داخل مجلس الدولة بين فريقي الرئيس المنتخب خالد المشري ومنافسه على المنصب الرئاسي محمد تكالة المعروف بقربه من رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة.

وفي سياقات الخلاف، أعلن المجلس الرئاسي دعمه اتفاق مجلسي النواب والدولة على تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي، لكنه تمسك بحقه في تعيين مجلس الإدارة للمصرف بناء على الاتفاق السياسي.

وتشير أوساط ليبية مطلعة إلى أن أطرافا عدة في العاصمة طرابلس تسعى إلى الدفع بالمجلس الرئاسي إلى اتخاذ قرار بعرض قرار حل مجلس النواب على الاستفتاء الشعبي العام، وهو ما لمح إليه ممثل رئيس المجلس الرئاسي في مشاورات المصرف المركزي زياد دغيم، وذلك بالاعتماد على المؤسسة الجديدة التي قام بتأسيسها رسميا وتعيين رئيسها وهيئتها الإدارية وهي المفوضية العامة للاستفتاء والاستعلام الوطني التي رفض مجلس النواب الاعتراف بها، وقابلها بالإعلان رسميا عن تعيين هيئة المحكمة الدستورية.

ودعا المجلس الرئاسي في بيان له مجلس النواب إلى إلغاء مشروع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، وشدد على ضرورة التشاور مع باقي المؤسسات الوطنية بما في ذلك المجلس الأعلى للدولة كونه يسري على المحكمة الدستورية ما يسري على المناصب السيادية العليا بالبلاد وذلك وفقا لما نص عليه اتفاق الصخيرات.

وأكد المجلس أن مشروع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا كما هو مطروح حاليا يؤدي إلى تغير النظام القضائي الليبي السائد لأنه لم يعرض على الدائرة الدستورية للمحكمة العليا ولا يوجد نص بالإعلان الدستوري يستند إليه، معتبرا أن توقيت إصدار هذا القانون في هذه المرحلة الدقيقة يثير القلق حيث من شأنه أن يعمق حالة الانسداد السياسي القائم ويزيد من تعقيد المشهد الوطني، منوها بأن المشروع كما هو مطروح يمنح مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، مما يعزز من نفوذ المجلس على القضاء ويضعف من توازن السلطات في البلاد.

عبدالمنعم العرفي: جلسة الاثنين سيتم فيها اعتماد ومصادقة الاتفاق بشأن تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة للمصرف المركزي
عبدالمنعم العرفي: جلسة الاثنين سيتم فيها اعتماد ومصادقة الاتفاق بشأن تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة للمصرف المركزي

وشدد زياد دغيم في رسالة إلى القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية ستيفاني خوري، على أن “تعيين مجلس الإدارة للمصرف المركزي هو اختصاص أصيل للمجلس الرئاسي، وفق المادة 8 فقرة 2 من الاتفاق السياسي بتعيين كبار الموظفين، وذلك في ظل استمرار عدم وجود تشريع من البرلمان يحدد الوظائف المقصودة".

وأشار إلى أن “الاتفاق السياسي المضمن بالإعلان الدستوري بموجب التعديل الحادي عشر سنة 2018 نسخ ما يخالفه بالخصوص، بما في ذلك قانون المصارف وتعديلاته 1 السنة 2005 التي منحت الاختصاص للبرلمان بموجب اقتراح من المحافظ المنتخب".

ورد الهادي الصغير، ممثل مجلس النواب في مشاورات المصرف المركزي، بأن زياد دغيم مستشار المجلس الرئاسي مواطن عادي من حقه أن يدلي بأي تصريح، ولكن لا يعني مجلس النواب في شيء، وتابع: أن الاتفاق الموقع بشأن المصرف المركزي ألغى كل الإجراءات التي صدرت عن الرئاسي، وبالتالي أي قرار سابق يعتبر ملغيا، مردفا “سنعمل على إتمام عملية الاستلام والتسليم بين الصديق الكبير وناجي عيسى عندما تتوافر الضمانات الأمنية لعودة الكبير”.

وفي موقف لافت، قال عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، خلال جلسة حوارية مع عدد من الشخصيات القيادية والاجتماعية ببلدية طرابلس المركز ضمت نخبا من السياسيين والأكاديميين والمفكرين، وأعيان طرابلس، إن للمجلس الرئاسي صلاحيات استصدار مراسيم رئاسية، تهدف إلى إنقاذ البلاد من الانزلاق في الفوضى، موضحا أن قرارات المجلس الرئاسي تؤخذ بإجماع أعضائه وليس منفردة.

وقال النائب عبدالمنعم العرفي الذي كان قد مثّل المجلس في المشاورات مع مجلس الدولة، إن جلسة الاثنين سيتم فيها اعتماد ومصادقة الاتفاق بشأن تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة للمصرف المركزي. وأضاف "سأعمل خلال الجلسة بصفة عضو في لجنة المناصب السيادية، للمطالبة بالنظر في ملف المناصب السيادية السبعة الأخرى”، مشيرا إلى أن المشكلة الحقيقية التي ستواجه النواب، بخصوص تحريك ملف المناصب السيادية، هي كيف سيتعامل البرلمان مع حالة الانقسام بمجلس الدولة بين فريقي خالد المشري ومحمد تكالة.

وفي الأثناء، طالب عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة بسرعة تنفيذ الاتفاق الخاص بمصرف ليبيا المركزي وتشكيل إدارته من أجل العمل بالشكل الصحيح. وقال بن شرادة، عبر حسابه على موقع فيسبوك، إن اتفاق ممثلي مجلس النواب والدولة بخصوص المحافظ والنائب يجب اتباعه بتشكيل لجنة إدارة للمصرف من قبل المجلسين بأسرع وقت ممكن حتى يتسنى لهذه المؤسسة المهمة العمل بالشكل الصحيح.

ويتكون الاتفاق بين المجلسين من سبعة بنود تحدد إجراءات تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه ومجلس الإدارة، وينص على ترشيح ناجي محمد عيسى بلقاسم لمنصب المحافظ، ومرعي مفتاح رحيل البرعصي كنائب للمحافظ. وبحسب الاتفاق، يتوجب على مجلس النواب إصدار قرار تعيينهما خلال أسبوع من تاريخ توقيع الاتفاق، وفقا للمادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي، وفق الاتفاق.

كما يتعين على المحافظ الجديد ترشيح أعضاء مجلس الإدارة بالتشاور مع السلطة التشريعية خلال فترة لا تتجاوز أسبوعين من استلامه لمهامه. ويجب أن يتم تعيين الأعضاء وفقا للتشريعات الليبية المعمول بها والمعايير المحددة في الملحق رقم 1 من الاتفاق، مع تعليق عضوية وكيل وزارة المالية في مجلس الإدارة.

ويحظر الاتفاق على محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه ممارسة أي صلاحيات لمجلس الإدارة في حال غيابهما، وفقا للمادة 16 من قانون رقم 1 لسنة 2005 بشأن المصارف وتعديلاته. كما يلغى أي قرار صادر عن إدارة مصرف ليبيا المركزي يتعارض مع ما ورد في الاتفاق السياسي الليبي وهذا الاتفاق.

وستقوم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية لإلغاء أي قرارات أو إجراءات تتعارض مع تنفيذ هذا الاتفاق، الذي يصبح نافذا فور توقيعه من قبل ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. 

◙ متابعون للشأن الليبي يرون أن الوضع الحالي مرشح للاستمرار نتيجة رفض الفرقاء الأساسيين التنازل عن غنيمة الامتيازات

وأعربت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري عن تطلعها إلى سحب أو إلغاء جميع القرارات أحادية الجانب التي لا تزال آثارها السلبية مستمرة أو قد تنشأ في المستقبل، وقالت إن أزمة المركزي “أظهرت ضرورة امتناع جميع الأطراف عن اتخاذ قرارات أحادية الجانب"، لافتة إلى أن "مثل هذه القرارات لا تؤدي إلى تصعيد التوترات فحسب، بل تعمق الانقسامات المؤسسية أيضا".

وأوضحت أن الخلاف حول قيادة المصرف المركزي “هدد بشكل خطير الاستقرار المالي والاقتصادي في ليبيا، والأمن الهش وسبل عيش جميع الليبيين". وفي الأثناء، أصدرت الرئاسة المشتركة لحكومتي الولايات المتحدة وإيطاليا بيانا مشتركا يدعو إلى إنهاء الجمود السياسي في ليبيا والتقدم نحو الاستقرار المستدام، في أعقاب اجتماع رفيع المستوى على هامش أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحضر الاجتماع كبار المسؤولين من الجزائر، مصر، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، المغرب، قطر، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ووفقا للبيان، رحب الرؤساء المشاركون بالإحاطة التي قدمتها القائمة بأعمال البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري، التي اطلعت على الجهود الجارية لتسهيل الحوار بين الأطراف الليبية، وأشادوا بالتقدم الذي أحرزته بعثة الأمم المتحدة في تمكين الأطراف الليبية من التوصل إلى حل وسط بشأن تعيين قيادة جديدة للبنك المركزي الليبي، مؤكدا الحاجة إلى تنفيذ هذا الاتفاق لضمان الشفافية والمساءلة.

وقال ‏المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند إنه ناقش خلال لقاء مع المكلف بتسيير وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الطاهر الباعور، كيفية أن يسهم التنفيذ الناجح للاتفاق الذي تم التوصل إليه الخميس بشأن قيادة مصرف ‎ليبيا المركزي في تعزيز التقدم في العملية السياسية في وقت حرج بالنسبة لليبيا.

وأعلنت السفارة البريطانية لدى ليبيا ترحيبها بالاتفاق الذي أشرفت عليه بعثة الأمم المتحدة لحل أزمة المصرف المركزي، وقالت في بيان نشرته عبر صفحتها على منصة إكس “القيادة الموثوقة والخاضعة للمساءلة في مصرف ليبيا المركزي، والحكم الرشيد والشفافية كلها ضرورية لاستعادة الثقة الدولية اللازمة لاستقرار ليبيا وازدهارها".

وفي السادس من ديسمبر 2022 أقر مجلس النواب قانون المحكمة الدستورية. وفي السادس والعشرين من يونيو 2023، قال الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق إن "المجلس صوت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية". ونشر مجلس النواب قانون إنشاء المحكمة الدستورية في العدد الخامس من الجريدة الرسمية التي صدرت في السابع من أبريل 2023، رغم الجدل المثار حول القانون ومعارضة المجلس الأعلى للدولة لهذا التشريع القضائي.

وفي التاسع عشر من سبتمبر الجاري، افتتحت في مدينة بنغازي المحكمة الدستورية العليا، بحضور وزراء من الحكومة المكلفة من مجلس النواب، ووصف أكبر أعضائها سنا المستشار محمد الحضيري افتتاح المحكمة بـ"الإنجاز التاريخي الأول من نوعه في ليبيا، إذ ستتولى مراقبة دستورية القوانين وستقف على مسافة واحدة من الجميع، مراعية في أعمالها".

ويرى المتابعون للشأن الليبي أن الوضع الحالي مرشح للاستمرار نتيجة رفض الفرقاء الأساسيين التنازل عن غنيمة الامتيازات التي تتحقق لهم من وراء السلطة السياسية أو النفوذ الميداني، واستناد كل فريق إلى القوى الداخلية والخارجية التي يمكن أن تساعده على البقاء مقابل أن تقاسمه الغنيمة التي يحصل عليها.

4