نحالو المغرب يخوضون معركة النهوض بصناعة العسل

تعالت أصوات النحالين في المغرب محذرين من الصعوبات في طريق استعادة نشاط إنتاج العسل وتسويقه لاسيما وأن هذا المجال يشكل في الغالب المصدر الوحيد للكثير من الأسر في الأرياف رغم الدعم الذي تقدمه الحكومة للمتضررين من اختفاء أنواع من النحل.
الرباط- سارعت الحكومة المغربية إلى تقديم دعم مالي عاجل إلى المربين والعاملين بإنتاج العسل وبيعه بعدما أثار اختفاء بعض الأنواع من النحل خلال الفترة الأخيرة في ظاهرة غير مسبوقة قلقا كبيرا في أوساط القطاع.
وتأتي الخطوة وسط تصاعد الجدل بين العاملين في المهنة حول الأسباب التي أدّت إلى بروز هذه الوضعية، فبينما ربط شق الأمر بوجود مرض غير معروف أصاب ملكات النحل، فإن شقا آخر أن يرى أن ظروف المناخ أثرت على المراعي.
ولتدارك الأزمة أعلنت وزارة الفلاحة عن برنامج خاص لدعم المربين المتضررين جراء اختفاء طوائف النحل ببعض المناطق. وقالت في بيان تلقت “العرب” نسخة منه إنها “خصصت نحو 130 مليون دولار لتنفيذ الخطة”.

عبدالسلام بن لمديني: إنتاج العسل يلعب دورا اقتصاديا كبيرا في معيشة عدة أسر
وأوضحت أن المبلغ المرصود سيخصص “لاتخاذ إجراءات آنية من بينها دعم المربين لإعادة إعمار خلايا النحل المصابة عبر توزيع طوائف نحل جديدة والقيام بحملة لمعالجة خلايا ضد داء الفارواز والقيام بحملات توعوية في ما يتعلق بالممارسات الجيدة لتربية النحل”.
ولوحظت ظاهرة اختفاء النحل التي تعرف باسم “انهيار خلايا النحل” أيضا خلال الفترة الأخيرة في دول أخرى في أوروبا والأميركيتين وأفريقيا.
وتتكون سلسلة تربية النحل من حلقات مترابطة ومتكاملة، يمثل فيها النحل الحلقة الأقوى والحاملة لكل السلسلة، وانهيار طوائف النحل هو انهيار للسلسلة بكاملها.
ويرى النحالون المغاربة أن مستقبل المهنة رهين باهتمام الحكومة أكثر وتقديم الدعم اللازم للنهوض بهذه الصناعة مع توفير التأمين الصحي والتدخل سريعا لمعالجة ارتفاع أسعار خلايا النحل.
وحذروا من تسرب الدعم لأشخاص وتعاونيات لا تنشط واقعيا في القطاع، الأمر الذي يفقد أهل المهنة حصتهم في سوق ينتج نحو 5.3 ألف طن سنويا في المتوسط.
وأكد لحسن الميسوري أحد مربي النحل بمدينة ميسور لـ”العرب” أن هذه الظاهرة الغريبة تسببت في أضرار مادية كبيرة في المناطق المغربية التي تكثر فيها المناحل.
وقال “ثمة أسباب متعددة منها دواء طفيل الفارواز فضلا عن اكتضاض المناحل ما يؤدي إلى انتشار الأمراض في الخلايا”.
لكن ذلك ليس السبب الوحيد، إذ يرى الميسوري أن تضاءل مساحة المراعي خلال السنوات الأخيرة في بعض المناطق جراء موجة الجفاف والتغذية المفرطة عند بعض النحالين أدت إلى ضعف مناعة النحل.
ورجح كذلك أن تكون “عجينة الكاندي” مجهولة المصدر والمستوردة لتغذية النحل إضافة إلى استخدام بعض المبيدات في المزارع وراء اختفاء النحل.
وكانت النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل قد أطلقت حملة مؤخرا لمكافحة هذه الظاهرة عبر تدابير من أهمها العمل على تعقيم أدوات فحص الخلايا، والإبقاء على المصابة منها في أماكنها إلى حين معالجتها.
وأكد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) التابع لوزارة الفلاحة مؤخرا أنه قام بالتعاون مع الفيدرالية البيومهنية المغربية لتربية النحل بالتحري في المسببات لظاهرة اختفاء النحل.

وخلصت النتائج الأولية التي قامت بها المصالح البيطرية في نحو 23 ألف خلية منتشرة في العديد من المناطق في البلاد إلى أن “اختفاء النحل ظاهرة جديدة تشمل بعض المناطق بدرجات متفاوتة”.
واستبعدت نتائج التحاليل المخبرية التي أجريت على الخلايا بأن يكون مرض مّا يصيب النحل هو الذي تسبب في حدوث ذلك.
ولكن مكتب أونسا ربط الأمر من خلال الأبحاث والدراسات “بالظروف المناخية كقلة تساط الأمطار وكذلك بالظروف البيئية كقلة المراعي والظروف المتعلقة بالحالة الصحية للمناحل، والطرق الوقائية المتبعة”.
وقال خبراء المكتب إنهم سيواصلون القيام بالتحريات والدراسات الميدانية اللازمة بتنسيق مع مختلف المتدخلين لمعرفة الأسباب، والعوامل المساعدة للتعامل مع هذه الظاهرة.
معطيات عن القطاع
- 36 ألف وظيفة يوفرها مجال إنتاج العسل
- 5.3 ألف طن يتم إنتاجها سنويا
- 16 ألف طن تطمح الحكومة إلى إنتاجها
- 20 ألف دولار خسائر بعض التعاونيات بسبب تقلص الخلايا
ومنذ نوفمبر الماضي تكبدت بعض التعاونيات خسائر تصل إلى 20 ألف دولار بعدما تراجعت عدد الخلايا إلى 50 فقط بعدما كانت عند مئتي خلية لكل تعاونية في السابق.
ويعد عبدالسلام بن لمديني الكاتب العام لاتحاد التعاونيات بإقليم سيدي سليمان بجهة الرباط – سلا – القنيطرة، والذي ينشط في هذا القطاع، أحد المتضررين من هذه الظاهرة.
وقال لمديني، العضو بجمعية النحالين في المغرب لـ”العرب” إن “مرض تكيس الحاضنات سبب من الأسباب ولكن السبب الرئيسي حسب معرفتي بالنحل هو مرض الفارواز لأن النحال لا يعالجه في الوقت المناسب”.
وأضاف “حتى مكتب أونسا يتحمل المسؤولية لأنه لا يعطي الأدوية اللازمة لكل النحالين”، مستبعدا أن تكون أغذية النحل المستوردة لها دور في ما يحصل.
ولطالما حذر النحالون من قصور التدابير التي تتبعها وزارة الفلاحة عبر إسناد بعض الأعمال إلى الدخلاء عن غير قصد وهو ما تجلّى في تصاعد مشاكل القطاع وباتوا يحصدون ثمار القرارات الخاطئة وغير المدروسة.
ويؤكد لمديني أن النحل يلعب دورا اقتصاديا كبيرا حيث أن هناك أسرا وقطاعات كثيرة تعتمد في الدخل أو المعيشة اليومية على إنتاج العسل. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن القطاع يوفر حاليا أكثر من 36 ألف فرصة عمل ويحقق دخلا للكثير من الأسر والمجالات المرتبطة به. أما الدور البيئي فالنحل يساهم بنحو 40 في المئة من إنتاج المحاصيل الزراعية خصوصا الفواكه.
وقال لمديني “في السنوات الأخيرة عانينا من العديد من الأضرار منها الجفاف وكورونا ومشكلة تسويق منتجاتنا في ظل منافسة العسل المستورد الذي يأتي بأسعار رخيصة وبجدوى أقل”.
وبحسب البيانات الرسمية ينتج المغرب أنواعا مختلفة من العسل مثل الخروب والسدرة الزقوم والزعتر والحرمل والليمون، لكن البلد ما يزال بعيدا عن بلوغ هدف إنتاج 16 ألف طن بسبب الجفاف.