نجلاء المنقوش كبش فداء لخيارات الدبيبة السياسية؟

بدت الخطوات التي اتخذها رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ضد وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش تملصا من المسؤولية بهدف امتصاص الغضب الداخلي على التقارب مع اسرائيل وقطع الطريق على الخصوم الذين يحاولون استثمار الأزمة لتسريع استبعاده من السلطة.
طرابلس - عادت الأوراق لتختلط من جديد في ليبيا بعد الإعلان الأحد عن اجتماع انعقد في العاصمة الإيطالية روما بين وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، لتجد المنقوش نفسها عرضة للتكفير والتخوين والتجريم من أغلب الفرقاء السياسيين في البلاد، بالإضافة إلى إقالتها بعد ساعات من قرار إيقافها عن العمل والدعوة إلى التحقيق معها من قبل الحكومة التي تمثلها، وهو ما يشير بوضوح إلى عدم قدرة سلطات طرابلس على تحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية وسعيها الدائم للبحث عن أكباش فداء لمواقفها التي تقابل بمعارضة المنافسين السياسيين أو الرأي العام.
ويرى مراقبون أن المنقوش كانت في كل تحركاتها وتصريحاتها السابقة تنفذ أوامر ورؤى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي استطاع السيطرة على مفاصل العمل الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، ولم يترك للمجلس الرئاسي غير الشكل البروتوكولي وبعض الملفات الهامشية، وأن السياسة الخارجية الليبية تدار داخل مطبخ يشرف عليه إبراهيم الدبيبة المستشار السياسي الذي يعتبر الرجل القوي والرقم الصعب في المعادلة السياسية بالتنسيق مع أطراف إقليمية ودولية.
وأقال رئيس حكومة الوحدة الوطنيّة الليبيّة وزيرة خارجيّته نجلاء المنقوش من منصبها بعد الإعلان الأحد عن لقاء بينها وبين نظيرها الإسرائيلي في روما الأسبوع الماضي.
ونقلت تقارير صحفية عن مسؤول إسرائيلي الأحد قوله إنه تم تنسيق الاجتماع على أعلى المستويات في ليبيا واستمر قرابة ساعتين، وإن رئيس الوزراء الليبي يرى أن إسرائيل هي جسر محتمل للغرب والإدارة الأميركية.
ويشير المراقبون إلى أن اجتماع المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي ما كان لينعقد لولا موافقة مسبقة من الدبيبة الذي تظاهر بعدم معرفته بلقاء روما وأصدر قرارا يقضي بوقف وزيرة الخارجية في حكومته عن العمل احتياطيا وإحالتها إلى التحقيق.
ونصت المادة الثانية من القرار على تشكيل لجنة للتحقيق برئاسة وزيرة العدل وعضوية وزير الحكم المحلي ومدير إدارة الشؤون القانونية والشكاوى بمجلس الوزراء، تكون مهمتها التحقيق إداريا مع وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بشأن ما ورد في التقرير المقدم إلى رئيس مجلس الوزراء فيما يخص الإجراءات المتخذة من قبلها، على أن تحيل اللجنة تقريرا بنتائج أعمالها إلى رئيس مجلس الوزراء في أجل أقصاه ثلاثة أيام.
وبمقتضى المادة الثالثة تم تكليف وزير الشباب فتح الله عبداللطيف الزني بتسيير العمل بوزارة الخارجية والتعاون الدولي مؤقتا، فيما أعلن جهاز الأمن الداخلي الليبي في طرابلس إدراج المنقوش في قائمة الممنوعين من السفر إلى حين امتثالها للتحقيقات.
وفي الوقت الذي تم التأكيد فيه على اضطرار المنقوش إلى مغادرة بلادها نحو إسطنبول التركية مخافة المساس بسلامتها الشخصية في ظل حالة الانفلات الأمني بالعاصمة طرابلس قال خبراء قضائيون إن عقوبة بالسجن تلاحقها، وفقا لنص القانون الليبي رقم 62 الصادر في العام 1957 بشأن مقاطعة إسرائيل، والذي تنص المادة 7 منه على “السجن لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تتجاوز 5 آلاف دينار كعقاب لكل من يعقد اتفاقا مع أي نوع من هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها”.
ويحظر القانون الليبي على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو مع من ينوب عنهم، كما يحظر شهر التصرفات العقارية المعقودة مع الهيئات أو الأشخاص المذكورين. ويحظر التعامل مع الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل.
وقالت خارجية الوحدة إن الوزيرة نجلاء المنقوش رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرفٍ ممثل للكيان الإسرائيلي ومازالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع، ووفقا لنهج حكومة الوحدة الوطنية الليبية والمواقف الراسخة في وجدان الشعب الليبي.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية كشفت الأحد أن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عقد لقاء سريا الأسبوع الماضي في العاصمة الإيطالية روما مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، وقالت إن هذا الاجتماع هو الأول على الإطلاق بين وزيري خارجية البلدين، بهدف بحث إمكانيات التعاون والعلاقات بين البلدين والحفاظ على تراث اليهود الليبيين.
وتابعت الصحيفة أن إسرائيل وليبيا أجريتا خلال العقد الماضي اتصالات سرية من خلال وزارة الخارجية والموساد، فيما اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أن “اللقاء التاريخي مع المنقوش خطوة أولى في العلاقة بين إسرائيل وليبيا”.
وأوضح كوهين أن “حجم ليبيا وموقعها الإستراتيجي يمنحان العلاقات معها أهمية كبيرة وإمكانات هائلة لدولة إسرائيل. لقد تحدثت مع وزيرة الخارجية حول الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن توفرها العلاقات بين البلدين، فضلاً عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، والذي يشمل تجديد المعابد اليهودية والمقابر اليهودية في البلاد”.
وشكر الوزير الإسرائيلي نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني على استضافة هذا الاجتماع التاريخي في روما، وقال “نحن نعمل مع سلسلة من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا بهدف توسيع دائرة السلام والتطبيع مع إسرائيل”.
وربطت أوساط ليبية بين الاجتماعات المتواترة لشخصيات ليبية وإسرائيلية وبين ملف التعويضات التي يطالب بها اليهود المتحدرون من ليبيا والذين يعتبرون من أنشط الجاليات داخل إسرائيل.
وأثار اللقاء ردود فعل محلية غاضبة، حيث قال الناشط المدني طلال وحيدة “موقفنا السياسي، بل والأخلاقي تجاه ما حصل من لقاء وزيرة الخارجية الليبية السيدة نجلاء المنقوش مع وزير خارجية الكيان الصهيوني، موقف ثابت لن يتغير بثبات قضيتنا الفلسطينية، وهي من الخطوط الحمراء التي لا يمكن المساس بها مهما حدث ومهما كانت المبررات”.
وأضاف في تصريح إعلامي “اجتماع الوزيرة مع ممثل عن الكيان الصهيوني اعتراف بالكيان وهذا الاعتراف لا يمثل إرادتنا ولا إرادة الشعب الليبي، بل ربما يمثل إرادة حكومة فاسدة منبطحة باعت الوطن وقضاياه من أجل بقائها في السلطة”.
ولفت إلى أن “تخلي الحكومة عن وزيرة الخارجية مسألة ليست مستغربة من حكومة امتهنت القفز من بين المراكب وتوريط الآخرين، فكل ما حدث هو مسؤولية الحكومة مجتمعة ولن يجري خداع الليبيين بتوقيف المنقوش عن العمل أو التحقيق معها، فإذا كان رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة حقاً لا يعلم باللقاء فتلك مصيبة وإن كان يعلم فالمصيبة أكبر”.
وبالعودة إلى الوراء قليلا كان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عرض في خطاب الفاتح من سبتمبر للعام 2004 دفع تعويضات لليهود الذين تركوا منازلهم بسبب الصراع العربي – الإسرائيلي، ليكون بذلك أول زعيم عربي يتخذ هذه الخطوة، التي اعتبرها البعض محاولة لدعم مشروعه السياسي في الانفتاح على الغرب، لكنه اشترط عدم استيلاء ذلك اليهودي المطالب بالتعويضات (أو إعادة منزله) على منزل يعود إلى فلسطيني. وبعد قيام دولة إسرائيل، هاجر حوالي 30 ألف يهودي ليبي إلى إسرائيل وغادر الباقون البالغ عددهم 7000 بعد حرب الأيام الستة. وفي عام 1970 تمت مصادرة ممتلكات اليهود والإيطاليين في ليبيا.
مراقبون أشاروا إلى أن اجتماع المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي ما كان لينعقد لولا موافقة مسبقة من الدبيبة
وفي مارس 2012 قامت إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية بإعداد مشروع قانون وطرحته على الكنيست الإسرائيلي، وهو يطالب ليبيا ومصر وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس والسودان وسوريا والعراق ولبنان والأردن والبحرين بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودي قيمتها 300 مليار دولار أميركي مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكاني الأخير لليهود منذ العام 1948.
وفي العام 2019 تم تحديد التعويضات التي يطالب بها يهود ليبيا بـ15 مليون دولار، وقال رفائيل لوزون، رئيس الجالية اليهودية الليبية في المهجر، إن يهود ليبيا يريدون أن تقبل الدولة الليبية فكرة أن لديها ليبيين عاشوا على أرضها في وقت ما، وهم يستحقون زيارتها والاستثمار فيها متى أرادوا، والاعتراف بتاريخهم، وأضاف “يجب تعويضهم عن الخسائر المعنوية والمادية التي تكبدوها، والاعتذار لهم عن الظلم والانتقام لخسارة مصر في حربها ضد إسرائيل عام 1967 بقتلهم ونهبهم وترحيلهم من بلادهم وفق هذا الرباط العنيف والظالم في جميع الأديان والقوانين والأعراف، تم تجاهل هذه الطلبات بالكامل من قبل الحكومات الليبية السابقة”.
وبينت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن لوزون هو من سهّل اللقاء بين وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ونجلاء المنقوش في إيطاليا الأسبوع الماضي، ونقلت عنه قوله إن “الاتصالات التي توسط فيها لوزون بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين، منذ ست سنوات مضت، هي من فتحت الطريق أمام الاجتماع المنعقد في إيطاليا الأسبوع الماضي”.
ومن تلك اللقاءات اجتماع جزيرة رودس اليونانية في يونيو من العام 2017، الذي ضم وفدي البلدين، حيث مثل الوفد الإسرائيلي وزير الاتصالات وقتها أيوب قرا، ووزيرة المساواة الاجتماعية غيلا غملئيل، التي تنحدر والدتها من ليبيا، إضافة إلى نائب رئيس الكنيست يحيئيل بار،
واللواء المتقاعد يوم توف سامية، وهو أيضا من أصل ليبي، فيما مثل الجانب الليبي كلّ من وزير الإعلام والثقافة والآثار في حكومة عبدالرحيم الكيب، عمر القويري. وورد وقتها أن خليفة الغويل، رئيس الحكومة المنافسة في طرابلس أرسل مباركته للاجتماع عبر جهاز الفاكس.
ومنذ ذلك اللقاء تعددت الاجتماعات بين شخصيات ليبية وإسرائيلية في عدد من عواصم المنطقة، وكان واضحا أن أغلب الفرقاء الليبيين سعوا إلى فتح جسور التواصل مع تل أبيب بما في ذلك قيادة الجيش في بنغازي، حيث تم الحديث عن ثلاث زيارات أداها صدام حفتر ابن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر وممثله السياسي إلى إسرائيل، أبرزها كانت قبيل أسابيع من الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية التي كانت ستنتظم في 25 يوليو 2021 حيث أكد تقرير لصحيفة “يسرائيل هيوم” أن حفتر أعرب عن اهتمامه بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وقال إنه سيعمل على تحقيق هذا الهدف إذا تم انتخابه رئيسا.
ويشير متابعون للشأن الليبي إلى أن الحالمين بالسيطرة طويلة المدى على مراكز القرار السياسي والاقتصادي في ليبيا من مختلف التوجهات الفكرية والعقائدية والحزبية والمناطقية، يعملون على التواصل مع الإسرائيليين والدخول معهم في توافقات بهدف ضمان الحصول على الدعم الغربي سواء كان أميركيا أو أوروبيا، مردفين أن حكومة الوحدة الوطنية تسير في نفس هذا الاتجاه، ورئيسها يمثل واجهة لتيار يطمح إلى التطبيع الكامل مع تل أبيب ويخشى في نفس الوقت ردة فعل الشارع الليبي الخاضع لتأثير أيديولوجيات دينية وقومية وسياسية متشددة في موقعها المعادي لإسرائيل.
نجلاء المنقوش رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرفٍ ممثل للكيان الإسرائيلي ومازالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع، ووفقا لنهج حكومة الوحدة الوطنية الليبية
وسبق أن أثارت زيارة علي العابد وزير العمل في حكومة الدبيبة إلى رام الله عددا من الأسئلة، لاسيما أنه دخل القدس وقام بالتقاط صورة على خلفية الأقصى ونشر الصورة، واعتبرت بعض أصوات المعارضة أن تلك الزيارة كانت غطاء للمحادثات مع إسرائيل.
وأشارت تقارير عدة إلى أن الدبيبة كان يعمل على تسريع التطبيع، بل وناقش ذلك مع مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز الذي زار طرابلس في يناير الماضي، كما أعطى الضوء الأخضر لصهره سفيان الشيباني سفير ليبيا في أبوظبي لفتح أبواب الحوار مع ممثلين عن الموساد.
وبحسب أوساط ليبية مطلعة فإن الفريق السياسي للدبيبة اعتاد على طرح ملف التطبيع مع إسرائيل وتمكين اليهود الليبيين من تعويضات عن أملاكهم التي تم تأميمها سواء في العهد الملكي أو الجماهيري، كواحدة من الوسائل المعتمدة لكسب تعاطف ومساندة العواصم الغربية وخاصة واشنطن التي يرى أنها قادرة على تأمين بقائه في السلطة.
وكان واضحا أن الطرف الإسرائيلي فاجأ الدبيبة بالإعلان عن اجتماع روما مع الوزيرة المنقوش التي واجهت منذ توليها حقيبة الخارجية والتعاون الدولي في مارس 2021 تهما بالخروج عن الأعراف الدبلوماسية أو بالتبعية لأطراف خارجية أو بتجاوز صلاحياتها، وفي مايو 2021 أكد محمد حمودة، الناطق الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عدم صحة ما تم تداوله من أنباء عن قرار حكومي مزيف ينص على إحالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إلى التحقيق.