نجاح "أنستونا" يمهد لانتعاش المسرح الخاص في مصر

أسهم اتجاه الفنانين المصريين إلى المشاركة في أعمال مسرحية أجنبية، في تشجيع المسارح الخاصة في مصر على العودة إلى الإنتاج وضخ الأموال في أعمال جديدة سواء كانت بطولة جماعية أو فردية تراهن عليها لمنافسة الأسواق الناشئة وتشجيع الجمهور على العودة إلى ارتياد المسارح.
القاهرة - حققت المسرحية الاستعراضية الكوميدية “أنستونا” نجاحاً جماهيريا منذ بدْء عرضها في القاهرة مؤخرا، وحظيت بتقديرات نقدية جيدة، وأوجدت نقاشا حول ضرورة عودة العروض المسحرية التي كان يقدمها القطاع الخاص في مصر.
تدور قصة المسرحية حول فتاة من حارة شعبية تجسدها الفنانة المصرية دنيا سمير غانم، تمتلك صوتاً جميلاً وتحلم بأن تكون نجمة وتسعى لتحقيق حلمها، ويقوم الفنان بيومي فؤاد (المايسترو) في العرض باكتشاف موهبتها وتمهيد طريق النجومية لها.
ويمكن وصف المسرحية بأنها استعراضية غنائية كوميدية، حيث تقدم دنيا سمير غائم خلالها خمس أغان من كلمات الشاعر أيمن بهجت قمر، وألحان عمرو مصطفى، تظهر فيها إمكانياتها الفنية الشاملة وتستثمر خفة ظلها في العرض، خاصة أن المسرحية أول عمل فني تقدمه منذ وفاة والدها الفنان سمير غانم ثم والدتها النجمة دلال عبدالعزيز منذ حوالي عامين.
وحققت المسرحية مزجًا غائبًا عن المسرح الخاص المصري عندما ربطت بين جودة المحتوى الذي قدمه المخرج خالد جلال رئيس مركز الإبداع الفني التابع لوزارة الثقافة، والمنتج محمد السبكي المعروف بإنتاج أعمال خفيفة، في محاولة للوصول إلى صيغة وسطى تضمن تحقيق النجاح التجاري والجماهيري وتضمن أيضا تقديم ألوان فنية يمكن أن تمهد لانطلاقة جديدة لمسرح القطاع الخاص بعيدا عن الأعمال الكوميدية.
وتشكل المسرحية إضافة إلى مسرح القطاع الخاص الذي ركز من قبل على النجم الأوحد وشباك التذاكر الذي يضمن تحقيق الجماهيرية، ويشتغل عليه الجميع داخل المسرحية، على عكس “أنستونا” التي استعانت بدنيا سمير غانم التي تقدم أولى تجاربها المسرحية، وتتعاون مع كل المشاركين في العرض وتمنحهم الفرصة لإظهار مواهبهم، في شكل يعيد البريق للمسرح الجماعي الذي بات سمة سائدة في الأعمال التي يقدمها مسرح الدولة ويعتمد فيها على الفعل ورد الفعل بين المشاركين في العرض.
ولم يقدم المسرح المصري الخاص أعمالا جديدة في الفترة الماضية، باستثناء تجربة “مسرح مصر” بقيادة الفنان أشرف عبدالباقي، ولقيت انتقادات فنية لاذعة بسبب مضمونها وتركيزها على كوميديا الموقف، وهي الأكثر جذبًا للجمهور، بجانب عروض حققت جماهيرية طفيفة، كما هو الحال في مسرحية “نجم الظل” التي افتتح بها الفنان محمد صبحي مسرحه الخاص وتمت إذاعتها على فضائية “سي بي سي” ومنصة “واتش إت”.
ومنذ أن توقف الفنان عادل إمام عن تقديم مسرحياته على مسرحه الخاص (الزعيم) لم يحقق المسرح التجاري جذبًا جماهيريا، وبدأت أزمات المسرح الخاص تظهر منذ العام 2011 الذي شهد اندلاع ثورة أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وثورة أخرى عام 2013 أسقطت نظام جماعة الإخوان.
وتأثر القطاع المسرحي سلبًا بالأحداث السياسية التي شهدتها البلاد بعد ذلك، وأفقدت المسرحيات التجارية جمهورها العربي الذي كان يأتي خصيصًا لمشاهدتها.
ولدى العديد من النقاد قناعة بأن ما تعرض له مسرح القطاع الخاص في العقد الأخير يرجع إلى التضييق الحاصل في الفضاء العام، وطغيان الجوانب التجارية على الأبعاد الفنية، ولم يستطع المنتجون تحمل النفقات لضمان استمرار العروض فترة طويلة، مع تراجع إقبال الجمهور الذي تأثر بضعف المحتوى الفني والأزمة الاقتصادية.
ويقتنع هؤلاء النقاد بأن بعض الإجراءات الحكومية دفعت الكثير من منتجي المسرحيات إلى التوقف عن تقديم أعمال جديدة، مع زيادة معدل الضرائب على العروض المسرحية التي تسببت في زيادة أسعار التذاكر بقيمة لا يستطيع الجمهور تحملها، والذي بدأ بالفعل يعزف عن حضور المسرحيات ويتجه على نحو أكبر إلى الأعمال الدرامية والسينمائية التي تضمنت جرعات كوميدية مماثلة لما يقدمه المسرح.
وقالت المخرجة المسرحية عبير علي “إن تدشين مركز الإبداع الفني وتفريغ المواهب يمكن الاعتماد عليه في تشكيل بديل عن الأجيال السابقة التي حققت نجاحات في التمثيل والتأليف والإخراج المسرحي، وهو ما ساعد على عودة الجمهور إلى المسارح الحكومية التي تقدم عروضها بأسعار مخفضة تتماشى مع فئات عديدة”.
وأضافت لـ”العرب” أن “الظواهر التي انتشرت في سنوات سابقة وتمثلت في حضور عدد ضئيل من الجمهور للعرض المسرحي الواحد قد تراجعت، ما شجع البعض من كبار النجوم على خوض تجارب لتقديم أعمال عبر مسرح الدولة ثم الانتقال إلى المسرح الخاص، ويعد الفنانان محمد صبحي ويحيى الفخراني نموذجين يمكن القياس عليهما من خلال أعمالهما المبتكرة في القطاع الخاص”.
وأشارت إلى أن تقديم أعمال مسرحية كوميدية مثل “مسرح مصر” أشبه بعودة الصلة بين الجمهور والمسرح الخاص، وبرهنت التجربة على وجود شباب صاعدين يملكون الموهبة ويستطيعون جذب الجمهور، ودفع ذلك بعض المنتجين إلى إعادة التفكير في خوض غمار الاستثمار في الإنتاج المسرحي الذي زاد خلال العامين الماضيين، لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الانتشار والنجاح الذي يؤسس لانطلاقة قوية لمسرح القطاع الخاص.
وتعرض المسارح المصرية الخاصة حاليا خمسة أعمال جديدة، أبرزها “أنستونا” و”عيلة اتعملها بلوك”، من بطولة الفنان محمد صبحي ووفاء صادق ومن إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ومسرحية “سيدتي الجميلة” التي تم عرضها في موسم الرياض، ويستمر عرضها بأحد المسارح الخاصة في القاهرة، وهي من بطولة أحمد السقا وريم مصطفى.
وعادت الفنانة سمية الخشاب إلى المسرح بمسرحية “كازينو بديعة”، ويُشاركها البطولة كل من إدوارد وأحمد فتحي. كما يقدم الفنان يحيى الفخراني مسرحية “ياما في الجراب ياحاوي” للعام الثاني على التوالي، وهي من تأليف الشاعر الراحل بيرم التونسي وإخراج مجدي الهواري، ويشارك في بطولتها محمد الشرنوبي وكارمن سليمان.
◙ المسرحية إضافة إلى مسرح القطاع الخاص الذي ركز من قبل على النجم الأوحد وشباك التذاكر الذي يضمن تحقيق الجماهيرية
ويصعب الفصل بين عودة المسرح الخاص وبين اتجاه النجوم المصريين إلى تقديم مسرحياتهم في موسم الرياض الذي فسح المجال أمام عودة عدد من الأسماء إلى المسرح منذ عام ونصف العام تقريبًا، من بينهم هاني رمزي الذي قدم مسرحية “أبوالفنون” من خلال شخصية “أبوالعربي” ضمن فعاليات موسم الرياض، واستكمل عرضها في القاهرة، وقدم الفنان أشرف عبدالباقي مسرحية “شمسية وأربع كراسي” ضمن فعاليات موسم الرياض، واستكملها على مسرح الساحل الشمالي في مصر خلال الصيف الماضي.
وقدم الفنان محمد هنيدي مسرحية “سلام مربع” ضمن موسم الرياض، وأحمد زاهر قدم مسرحية “عيلة لاسعة جداً”، جمعته بابنتيه ملك وليلى، وشارك الفنان محمد سعد ضمن فعاليات موسم الرياض في العام قبل الماضي بمسرحية “اللمبي في الجاهلية”.
وأوضحت عبير علي في حديثها لـ”العرب” أن نجاح المسرح الخاص يتطلب ميزانية ضخمة تضمن تقديم أعمال ذات قيمة فنية وترفيهية وتستمر في العرض لفترات طويلة تمتد لسنوات وليس بضعة أشهر، وأن القطاع الخاص قادر على ذلك من خلال الميزانيات التي يتيحها، على عكس الإنتاج الحكومي الشحيح ماديا، لكن شريطة أن يرتبط ذلك بخطط تسويقية متطورة وآليات متنوعة لترويج العمل تختلف عن السائد حاليًا.
وتشكل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون في مصر عائقًا أمام تحقيق عودة قوية للمسرح الخاص، وبات الأمر مقتصرا على فئات محددة غير قادرة على دفع المنتجين إلى الصمود فترات طويلة تساعدهم على البقاء وتطوير إنتاجهم، في ظل غياب الجمهور العام الذي يشكل قاعدة لنجاح المسرح مع عرض المسرحيات في موسم الرياض بصورة مستمرة، والذي يمكن أن يستوعب قطاعا كبيرا من السياح العرب الذين يحرصون على مشاهدة المسرحيات.