نتائج البكالوريا تفجر غضبا جديدا ضد الحكومة المصرية

القاهرة – تواجه الحكومة المصرية غضبا غير مستبعد أن تتصاعد حدته الأيام المقبلة بسبب انخفاض نسبة النجاح في شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) بعد تطبيق نظام تقويم جديد ترتب عليه هبوط النسب العامة للدرجات المعتادة كل عام.
وتجمهر العشرات من طلاب الثانوية العامة وأولياء أمورهم الخميس، لليوم الثاني على التوالي، أمام مقر وزارة التربية والتعليم بوسط القاهرة اعتراضا على نتيجتهم في الامتحانات التي وصفوها بالمتدنية وسط حالة غضب ظهرت تجلياتها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن النتيجة ظهر الثلاثاء، وهو ما دفع لتقديم تسهيلات جديدة لعملية التظلمات على الدرجات.
وتشكل احتجاجات الطلاب وأولياء أمورهم جرس إنذار بأن اتخاذ قرارات حكومية بشأن مصير الأبناء لن يكون عملا من السهل تمريره مقارنة بقرارات أخرى اقتصادية واجتماعية، وأن التقشف وتدبير النفقات مقدور عليهما، لكنّ هناك خطوطا حمراء إذا ارتبطت بمستقبل الطلاب وأوضاعهم بوجه عام، لأن انخفاض معدلات المجاميع العليا يقلل فرصهم في تلقي تعليم حكومي مجاني.

جمال زهران: المساس بالتعليم مثل المساس برغيف الخبز
وتخشى دوائر حكومية أن تكون المظاهرات المحدودة مقدمة لاحتجاجات أخرى على قراراتها قد تعرقل خططها الاقتصادية الساعية لرفع الدعم التدريجي عن السلع والخدمات الرئيسية، وفي الوقت ذاته فإنها تسعى لاستيعاب غضب الطلاب لعدم توظيفه سياسيا من قبل قوى معارضة قد تجد في اعتراض البعض على نتيجة البكالوريا منفذا تتسلل منه لتوجيه سهام نقدها إلى الحكومة.
ودخل البرلمان المصري على خط الأزمة وتقدم النائب إيهاب رموز بطلب إحاطة إلى وزير التعليم بسبب الآثار المترتبة على النتيجة، مطالبا ببحث مصير 160 ألف طالب سيدخلون امتحانات الدور الثاني ومنحهم الدرجات الحقيقية التي يستحقونها لعلاج سوء نتائج امتحانات الدور الأول، بدلا من منحهم نصف الدرجة.
وأشار إلى وجود يأس وإحباط شديدين أصابا الطلاب جراء ما حدث في الامتحانات هذا العام، وأن كابوس الثانوية العامة لا يزال مستمرا ويسبب آلاما نفسية للطلاب وأولياء أمورهم رغم التحديث والتطوير اللذين أدخلتهما الحكومة على نظام الامتحانات.
وقالت أماني إبراهيم، أم لأحد الطلاب، إن الإقدام على اتخاذ خطوات تستهدف تطوير التعليم من دون أن تحظى برضاء المجتمع يؤدي إلى اعتراضات كثيرة على نتائج التطوير الذي تسبب في مضاعفة أعباء الأسر، لأن الاعتماد على طريقة جديدة للتقويم ولم يتدرب عليها الطلاب والطالبات جيدا بسبب الأوضاع الصحية التي فرضها فايروس كورونا أدى إلى تدنّ غير مسبوق في النتيجة النهائية.
وأوضحت لـ”العرب” أنه جرى التقدم باستغاثات عديدة إلى رئيس الجمهورية وتنتظر صدور قرارات تخفف من وقع الصدمة، فلم تعد هناك قدرة على إنفاق المزيد من الأموال على التعليم الجامعي الخاص، مع زيادة أسعار غالبية السلع والخدمات.
ويبدو أن ارتكان الحكومة المصرية على سياسة تمهيد الأجواء لتقبل قراراتها والأوضاع الجديدة الناجمة عنها لم يأت بنتائجه المرجوة هذه المرة، لأن انتقال الغضب الذي يظل مكتوما وتظهر بصماته على مواقع التواصل إلى احتجاجات صاخبة في الشارع يبرهن على وجود أزمات بحاجة إلى تدخلات عاجلة لمنع انفلاتها.

ويحظى تطوير نظام امتحانات شهادة البكالوريا بانقسام، فهناك من يرون أن إفراز مستويات الفهم والتفكير العليا للطلاب وإلحاق من يستحقون بما يُعرف بـ”كليات القمة” يشكل نقلة نوعية ستأتي بنتائج إيجابية على المدى البعيد وهي مسألة يجب دعمها.
وفي المقابل، تتعامل فئة أخرى مع هذه الخطوات على أنها أولى خطوات التخلي عن التعليم الجامعي المجاني لصالح الجامعات الخاصة والأهلية التي سوف يضطر إليها الطلاب وأولياء أمورهم للحصول على شهادة معتمدة.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس جمال زهران إلى أن المساس بالتعليم مثل المساس برغيف الخبز، ويعتبر الآلية الوحيدة للحراك الاجتماعي لأنه في ظل تقلص فرص التعليم الجامعي العليا فإن ذلك يتيح فرصا أوفر للطلاب الأغنياء للتعلم على حساب الفقراء، ما يسبب خللا في المبادئ الرئيسية التي قامت عليها ثورة الثالث والعشرين من يوليو في العام 1952.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن دفاع الحكومة المستمر عن وزير التعليم يضعها أمام نيران الغضب من جانب فئة عريضة من المواطنين، وحديثها المتكرر عن أن هناك انخفاضا في الدرجات قبل الإعلان عن النتيجة أعطى انطباعا بوجود تدخلات سياسية في النتيجة، وأن ما حدث جرى بصورة عمدية من دون إتاحة الفرصة لمبدأ التنافسية والشفافية بين الطلاب.
وبحسب متابعين فإن نتيجة المرحلة الأولى من تنسيق القبول بالجامعات سوف تكون حاسمة لأهداف الحكومة من التطوير، وفي حال انخفضت معدلات التحاق الطلاب بما يسمى بـ”كليات القمة” فالغضب متوقع أن يتصاعد.
وفي تلك الحالة سيتأكد الرافضون لنتيجة الامتحانات من وجود اتجاه لدى الحكومة لتشجيع التعليم الخاص على العام، وهو ما يقود إلى أزمات مجتمعية أكبر، لأن الفئات المتوسطة والفقيرة ستشعر أنها غير قادرة على توفير تعليم مجاني لأبنائها.