نبيلة عبيد تستعد لكتابة مذكراتها في عالم السينما

تمثل قضية توجهات الجمهور واحدة من القضايا التي أثّرت على نجومية بعض الفنانات الأكبر سنا، بل وتراجع البطولة النسائية في العقد الأخير، وترى الفنانة المصرية نبيلة عبيد، إحدى أشهر من اعتلوا أدوار البطولة في السينما، في حوارها مع “العرب” أن سيطرة الرجل على أدوار البطولة لا تعود إلى مسائل تخص المرأة وحدها، لكنها تتعلق بأزمة غياب الرؤية الفنية والإبداعية في الكتابة والإخراج، والتي أبعدت ممثلات كبيرات إلى خارج الصورة الفنية.
القاهرة – إعلان كبير لفيلم سينمائي تزيّنه صورة فنانة ثلاثينية، تنظر في الكاميرا بعيون تملؤها الثقة وكأنها تقول: هل من منافس؟ تكتفي هذه الفنانة في بعض الأحيان بالوقوف بمفردها في “الأفيش” (الإعلان) الذي يتضمن صورا صغيرة لباقي المشاركين بالفيلم، يدُوّن على الإعلان عبارة، “نجمة مصر الأولى”.
أسفل إعلان الفيلم زحام من الجمهور أمام شباك التذاكر يتصارعون نحو دار العرض، البعض يبحث عن القصة وآخرون يسألون عن المناظر، يدخل الفريقان سباقا للحصول على تذكرة الفيلم، من حصل عليها كأنه حقق انتصارا عظيما.
هكذا كان حال نجمات مصر خلال الثمانينات والتسعينات، بداية من سعاد حسني وميرفت أمين وبوسي مرورا بنادية الجندي ونبيلة عبيد ويسرا، جميعهن حصدن المراتب الأولى لأبطال السينما، وكن روادا على حساب الرجال في اعتلاء أدوار البطولة، تغير المشهد الآن، وأفل نجم ممثلات كثيرات، وتدهور بهن الحال، اختفين من دور العرض، أو أصبحن ممثلات ثانويات لأبطال رجال.
وشغل ذلك التحول الكبير أذهان البعض بحثا عن أسباب التراجع، لكن أعيد طرح السؤال بقوة مع حلول العام الجديد الذي اختارته المهرجانات العالمية، عاما للمرأة الفنانة.
الفنانة المخضرمة ترى أن نجمات الجيل الحالي تفرغن للإعلانات والبحث عن الأموال وانشغلن بالأمومة فاختفى التألق
وتؤكد الممثلة المصرية نبيلة عبيد في حوار مع “العرب”، أن البطولة النسائية في زمانها كانت عنصرا أساسيا منافسا لأبطال من الرجال، بل إن بعضهم لم يتمكن من تحقيق نصف ما كانت تحققه أفلام البطولات النسائية، ومنها أعمالها التي حققت نجاحا باهرا.
وتشير إلى أن دور المرأة تغير تدريجيا، قبل أن يختفي تماما من السينما، ليصبح دور المرأة له شكل آخر على حساب الاهتمام بعناصر يراها صناع السينما أهم.
واختارت نبيلة عبيد الطريق الصعب، والذي لم تنجح فيه أي فنانة مصرية إلاّ القليلات، فتصدرت بطولة أكثر من فيلم، بينما حل الرجل أمامها في أدوار ثانوية.
الخيال والواقع
قدمت نبيلة عبيد العديد من الأفلام المهمة، أبرزها فيلم “الراقصة والسياسي” الذي تدور أحداثه حول قيام راقصة بكتابة مذكراتها لتفضح مسؤولين وساسة كبار تعاملوا معها، لتصطدم بحرب شرسة، ولم تكن تعلم عبيد أنها بعد ما يقرب من 19 عاما ستعيد إنتاج الفيلم ذاته في الحقيقة، بعد أن أعلنت كتابة جانب من مذكراتها.
وتكشف لـ”العرب”، أنها أسندت مهمة كتابة المذكرات إلى الناقد الفني محمود قاسم، ومن المقرر أن تحمل اسم “سينما نبيلة عبيد”، وسوف تكون فكرة المذكرات قائمة على البحث عن نفسها، من خلال تناول حياتها الفنية فقط وعلاقتها بالمخرجين والمؤلفين وأفلامها، وليست مذكرات شخصية تتعلق بحياتها الخاصة التي لم تفكر في الكشف عنها، على الأقل في الفترة الحالية.
وتؤكد النجمة السينمائية لـ”العرب” أنها جلست كثيرا تتذكر المشوار الطويل والصعب الذي واجهته، ومع أن طعم النجاح الكبير كان ينسيها أي مجهود بُذل، إلاّ أن هذه الصعاب بقيت دروسا تتعلم منها في مشوار حياتها، وتقول “لأن لكل شيء ثمن، ومن يريد أن يصل إلى مكانة معينة عليه أن يدفع ثمن ذلك”.
يبقى تراجع البطولة النسائية بشكل ملحوظ في السينما المصرية أزمة أكبر من اجتهاد الممثلات، وتحولت المرأة في السينما إلى مساند، أو تلك الفتاة الجميلة التي يحبها البطل ولا تتجاوز مساحتها في الفيلم نصف مساحة البطل، ليصبح الأمر قاصرا في السينما على الرجال فقط، وهو ما عكس غياب ما يسمى بمدرسة “الفن الجميل”، بحسب نبيلة عبيد، التي اتبعتها طوال تاريخها الفني وكانت سببا في حرصها لأن تكون ندا لأي فنان، مستندة على عمل قوي وجماهيرية عريضة.
وتقول عبيد لـ”العرب” إن جزءا من ذلك التحول لا تتحمله النجمات اللاتي لم تجدن من يكتب لهن أدوارا وموضوعات لأفلام تحقق لهن النجومية، في وقت بات التركيز فيه منصب على النجوم الرجال، بينما انشغلت أغلب النجمات باهتمامات أخرى، بعيدة عن التمثيل، مثل الإعلانات والبحث عن الأموال وأحيانا إنجاب الأطفال لتبتعدن فترة ثم تعدن بفيلم أو مسلسل، وهذا ما يشتت تركيزهن، وتقول “أنا وجيلي كنّا نرفض أي شيء غير التمثيل، ولهذا لقّبت نادية الجندي بنجمة الجماهير، وأنا بنجمة مصر الأولى”.
وتربط نبيلة عبيد بين أسباب غياب البطولة النسائية واختفاء بطلات الأفلام، بسبب تقدمهن في العمر، وتقول “بعدما ملأن العالم بالنجاح تحولن في النهاية إلى دور هامشي في فيلم أو مسلسل يلعب بطولته نجم شاب”.
الجيل القديم يُعد ثروة قومية لا ينبغي إهمالها أو التفريط فيها، فعناصره نجوم الزمن الجميل ومن الصعب تعويضهم
وترى أن السبب في ذلك يرجع إلى المؤلفين الذين لا يعيرون النجمات كبار السن اهتماما من خلال كتابة أعمال تتناسب معهم، والأعمال التلفزيونية والسينمائية التي يجرى كتابتها للجيل الجديد من النجوم تكون لبطل العمل.
وتابعت حديثها مع “العرب”، قائلة “قبول البعض من النجوم كبار سنا الظهور في دور أب أو أم دون تسليط الضوء عليهم يرجع إلى حاجتهم للعمل أو المال، وهذا لا يعني تهميشهم بشكل لا يليق بهم، لأن هناك أدوارا سينمائية وتلفزيونية جمعت الجيلين القديم والجديد وكتبت باحتراف شديد وحققت نجاحا كبيرا، وهو ما ينبغي التركيز عليه حتى يشعر النجوم الكبار بشيء من التقدير”.
وتنظر نبيلة عبيد إلى الجيل القديم باعتباره “ثروة قومية لا ينبغي إهمالها أو التفريط فيها، فعناصر هذا الجيل هم نجوم الزمن الجميل ومن الصعب تعويضهم، لما يتمتعون به من خبرة طويلة وموهبة كبيرة، هم مكسب كبير لأي عمل فني”.
وتلفت إلى أن الزمن الذي بدأت فيه أولى خطواتها التمثيلية كان النجوم مميزين فيه بدرجة جعلتها على يقين أنه لن يستطيع أحد أن يحل مكانهم، مهما حمل من النجاح الكبير والموهبة الفذة التي تؤهله لذلك.
رقم واحد
اختلفت معايير النجومية، بما في ذلك مقاييس طبيعة اختيار هؤلاء النجوم لأعمالهم، حتى شباك التذاكر اليوم غير الأمس، وبات هناك إقبال على أعمال تجارية تحقق أرباحا كبيرة تتصدر المركز الأول في بعض الأحيان، وما كان لهذه الأعمال أن تنجح، بل ويتم انتقادها إذا عرضت قديما، لذلك تقول نبيلة عبيد “كل زمن له الأعمال التي يقدمها نجومه بما يليق بهم، ويتسق معهم وعصرهم ولهذا يتقبلها الجمهور”.
وتشير إلى أن اختلاف المجتمع وتغير جيل كامل أدى في النهاية إلى الخلاف حول من هو أو من هي رقم واحد في الفن؟ ويلقى ذلك مساندة من جمهور كل فنانة أو فنان لنجد تزاحما على شباك التذاكر، رغبة في مساندة الجمهور لنجمتهم أو نجمهم المفضل، بينما قديما “كنا جيلا مختلفا بثقافة وفكر مختلفين، حتى الجمهور كان مختلفا”.
وتوضح أن اختلاف الأذواق لم يتوقف عند السينما، بل شمل التلفزيون أيضا، حيث باتت هناك فجوة كبيرة اليوم عن الماضي، والمسلسلات يتم روايتها وكأنها قصة بشكل مميز وتتضافر كل العناصر لخلق هذا الشكل من تأليف وإخراج وديكور وإضاءة.
وتختم الفنانة المخضرمة حوارها مع “العرب” بقولها “تباين مفهوم نقل الواقع بين الجيل الحالي والقديم، فالأخير كان يرى أن نقل الواقع للمشاهد يتمثل في طرح القضايا التي تؤرقه ومحاولة حلها، بينما يرى أبناء الجيل الحالي أن نقل الواقع يتمثل في نقل كل ما يدور في الشارع كما هو دون تنقية، فانتشرت الألفاظ الخارجة عن الآداب، ما جعل فئة من الجمهور تهجر هذه الأعمال”.