نانسي بيلوسي صديقة الدالاي لاما التي حفرت حفرتها لتغيير العالم

رئيسة مجلس النواب الأميركي في مهمة استدراج الصين في تايوان بعد روسيا في أوكرانيا
الخميس 2022/08/11
ما الذي يختبئ خلف تحرّك بيلوسي

ماذا فعلت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في رحلتها المثيرة للجدل إلى تايوان، والتي اختتمتها الأسبوع الماضي؟

الزيارة الاستفزازية التي تم الترتيب لها كأنما كانت نوعا من العتب الأميركي على الصين؛ لماذا لم تفعل مثلما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتجتاج تايوان كما اجتاح هو أوكرانيا؟

الصين الغاضبة اليوم من زيارة بيلوسي لتايبيه تدرك أن للولايات المتحدة استراتيجيات خاصة ومعقدة وطويلة الأمد، وتعبير بيكين عن رفض الزيارة والتلويح بالقوة وغير ذلك، كله كان من باب تنظيم الخلاف الصيني مع العالم وتثبيت حقها في الجزيرة التي زارتها بيلوسي كأعلى منصب حكومي أميركي يطأ أرضها خلال ربع القرن الماضي.

الديمقراطيون لديهم أجندة لخارطة العالم، بغض النظر عن الرئيس الأميركي المنهك صحيا والذي بات إظهاره في صورة العجوز السقيم جزءا من البروباغاندا الأميركية لتسويق شيء ما يتوارى خلف ذلك.

حتى روسيا التقطت الإشارة الأميركية، وقرنتها على الفور بموقفها من أوكرانيا ودعمها لها بالسلاح، ومع أن واشنطن تعترف بحكومة صينية واحدة، إلا أنها تدعم تايوان أيضا بما هو أكثر من الاعتراف، تقول روسيا إن الولايات المتحدة تستخدم أوراقا بعينها لزعزعة استقرار العالم.

رد الصين غير المباشر

الخبراء يتخوفون من نتائج مروّعة لزيارة بيلوسي لتايوان، فرد فعل الصين قد يسرّع فصل أكبر اقتصادين عالميين
الخبراء يتخوفون من نتائج مروّعة لزيارة بيلوسي لتايوان، فرد فعل الصين قد يسرّع فصل أكبر اقتصادين عالميين

ليس فقط روسيا، الغارديان البريطانية أيضا اعتبرت أن التحرّك الذي قامت به بيلوسي من شأنه أن يخلّف عواقب وخيمة على مستوى آخر، وكتب لاري إليوت أن الاقتصاد العالمي سيكون أكبر المتأثرين بتلك الزيارة، وأنه وعلى الرغم من محاولة الأسواق احتواء انعكاسات ذلك على الأسواق، إلا أن الصين سيكون لديها رد آخر، فالرئيس الصيني شي جين بينغ يملك أسلحة اقتصادية ومالية تحت تصرفه وقد يختار استخدامها بدلا من الرد السياسي المباشر، والصين يمكن أن تعرقل عمل الشركات الأميركية الراغبة بالوصول إلى أسواقها، على سبيل المثال شركة بوينغ التي تنتظر السماح باستئناف مبيعات طائرات ماكس 737.

الرؤية التي يتخوف منها خبراء الاقتصاد لنتائج زيارة بيلوسي مروعة، لأن الإجراءات التي قد تتخذها الصين، ستزيد من الشرخ الاقتصادي العالمي، وتسرّع فصل أكبر اقتصادين في العالم، وقد تقوم الصين بمحاصرة تايوان فتضرب في ملف الوقود ما سيحدث أضرارا غير قليلة على أسواق النفط، فيؤدي إلى شلل في مجال التصنيع التايواني قد تصل ارتداداته إلى العالم كله، فتايوان تصنع بالفعل ما يقرب من 50 في المئة من الموصلات في العالم، والتي ”تستخدم في كل شيء من الهواتف المحمولة إلى السيارات“.

تحليل رد الفعل الصيني لم يتوقف على الخبراء والسياسيين في دول العالم، حتى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي توقع أن تواصل الصين "الرد على مدى أفق أطول أجلا"

إدارة بايدن تريد تحريك الشعور القومي في الصين حيال قضية تايوان، والرد الصيني المتعقل لن يكون مرضيا للشخصية الصينية التي تم إعدادها بصبر طويل طيلة العقود الماضية، في ظل معاناة اقتصادية واضحة، لا ينقصها سوى توتير الداخل، وبيكين تعرف ما الذي يختبئ خلف تحرّك بيلوسي التي كانت رأس حربة لخط توتر زلزالي كبير يذهب بعيدا نحو الشرق الأقصى.

سرعان ما أعلنت الصين عن عقوبات اتخذتها بحق بيلوسي وأفراد أسرتها، وعن وقف التعاون مع الولايات المتحدة على صعيد عدد من القضايا الرئيسية، بعد العمليات العسكرية التي قامت بها حول تايوان. حتى المحادثات الخاصة بالمناخ هددت الصين بتعليقها، إضافة إلى اتفاقيات التعاون حول الجريمة والمخدرات والهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة.

بيلوسي الكاثوليكية الإيطالية المهاجرة، كانت قد انتخبت في الكونغرس لأول مرة أواسط ثمانينات القرن الماضي، وهي أول امرأة تتولى منصب رئيس مجلس النواب في تاريخ الولايات المتحدة، وفي هرم السلطة يجعلها موقعها كرئيسة لمجلس النواب في المرتبة الثانية مباشرة بعد نائب الرئيس كامالا هاريس.

في العام 1995 نشبت أزمة مضيق تايوان بعدما أطلقت الصين صواريخ فوق تايوان وأرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات للتلويح بحماية تايوان التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة. واليوم لم تذهب بيلوسي إلى تايوان للسياحة، ولم تتحرك المقاتلات الأميركية والقطع العسكرية المرافقة لها لاستعراض القوة وحسب، كان هذا تمهيدا لعهد جديد في العلاقة مع آسيا، و”كان الأميركيون يلعبون بالنار وسيهلكون بها“، حسب وصف الخارجية الصينية.

هل احتاجت واشنطن للزيارة؟

تحجيم روسيا فتح المجال أمام الصين لملء الفراغ، وواشنطن تريد معالجة هذا الوضع قبل أن يتفاقم
تحجيم روسيا فتح المجال أمام الصين لملء الفراغ، وواشنطن تريد معالجة هذا الوضع قبل أن يتفاقم

القوة الناعمة للولايات المتحدة وضعت لمستها السحرية على آسيا، ما أثار قلق اليابان التي أعلنت عن قلقها من التحركات العسكرية التي قامت بها الصين، باعتبار أن بعضها يقع داخل المنطقة الاقتصادية الحصرية اليابانية، وفق وصف المتحدث باسم الحكومة اليابانية هيروكازو ماتسونو الذي قال إن “السلام والاستقرار في مضيق تايوان مهمان ليس فقط لأمن بلادنا ولكن أيضا لاستقرار المجتمع الدولي“. ووجدت كوريا الشمالية أن خطوة بيلوسي ”تدخل وقح“، معلنة عن دعمها للصين دعما كاملا.

الولايات المتحدة أرادت من خلال إرسال بيلوسي قطع الطريق على مطامع الصين، قبل أن تتطور أكثر، فمواجهة التنين وهو نائم أفضل من انتظاره حتى يستيقظ

بيلوسي أكدت خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعها مع رئيسة تايوان أن العالم “اليوم يواجه خيارا بين الديمقراطية والاستبداد“، مضيفة “إن تضامن الولايات المتحدة مع تايوان أمر حاسم. وهذه هي الرسالة التي نحملها هنا اليوم“، وتساءل كثيرون حول العالم عندها، عن تضامن واشنطن مع أوكرانيا الذي تم التعبير عنه باللغة نفسها قبل الغزو الروسي لها، وبعده.

لم يتوقف تحليل رد الفعل الصيني على الخبراء والسياسيين في دول العالم، حتى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي توقع أن تواصل الصين “الرد على مدى أفق أطول أجلا“. وهذا يعني أن من اتخذ قرار الزيارة كان يرى رد الفعل الصيني ويحسب حسابا دقيقا لكيفيته وأمده الزمني. يقول كيربي إن ”رد فعل الصين للأسف، يتماشى تماما مع ما كنا نتوقعه”.

بالطبع كان الرد الصيني متوقعا، فقد قامت الصين على الفور بإلغاء برنامج التنسيق بين قادة المسارح العسكرية الصينية والأميركية، وقطعت التواصل بين الجيشين في المنطقة. كما قامت بالانسحاب من اجتماع العمل بين وزارتَي الدفاع الصينية والأميركية، وكذلك اجتماع المشاورات الأمنية العسكرية البحرية بين البلدين على صعيد تبادل المعلومات.

قراءة أخرى ترى أن الولايات المتحدة أرادت من خلال إرسال بيلوسي قطع الطريق على مطامع الصين، قبل أن تتطور أكثر، فمواجهة التنين وهو نائم أفضل من انتظاره حتى يستيقظ.

هاجس الحزام الصيني

استفزاز مدروس للشعور القومي داخل الصين حيال تايوان
استفزاز مدروس للشعور القومي داخل الصين حيال تايوان

تحجيم روسيا والرقعة الجديدة من الشطرنج التي فرضتها العقوبات الأميركية والدولية عليها، فتح المجال أمام الصين لتكون بديلا يملأ الفراغ، وهذا أيضا من وجهة النظر الأميركية بحاجة إلى معالجة قبل أن يتنامى، فالدور الصيني آخذٌ في التوسّع بشكل يومي، والصين تقترب أكثر وأكثر من المناطق المحرّمة في العالم.

هل كانت زيارة بيلوسي لتايوان حاجة ماسة للولايات المتحدة؟ لاسيما وأن نظاما عالميا جديدا قد نشأ بالفعل، ويحتاج إلى المزيد من الترتيبات. نظام عالمي جديد للصين فيه دور محوري، ترى واشنطن أنه يجب الإسراع بضبطه قبل أن يتفاقم، وهي على أبواب تدشين الحزام الصيني؛ أكبر مشروع اقتصادي في التاريخ يشمل 150 كيانا سياسيا حول العالم. يقول الخبراء إن مجرد إطلاق هذا المشروع خلق قرابة مئتي منظمة دولية جميعها تدور في فلك الصين، وكلّها ستتعامل مع بنك الاستثمار الآسيوي الذي تخشى الولايات المتحدة أن يحلّ محل صندوق النقد الدولي، ويضربون مثلا على ذلك بما أعلنته الصين مؤخرا من أنها ستقدّم لكل من باكستان وسيريلانكا قروضا بحوالي 26 مليار دولار. عوامل عديدة ليس آخرها تأسيس الصين لمنظمة شنغهاي إزاء مجموعة السبعة الكبار بقيادة الولايات المتحدة.

تأثير الاقتصاد على السياسات أمرٌ برعت بيلوسي في التدخل في ثناياه، فقد درست العلوم السياسية في جامعة ترينيتي كوليدج في واشنطن، وتزوجت الخبير المالي بول بيلوسي، ولذلك فهي تعرف جيدا ما الذي تفعله ومتى تفعله.

ظلّت صديقة الدالاي لاما، طيلة العقود الماضية أكثر أعداء الصين في الولايات المتحدة، على الرغم من أنها قامت بالخرق ذاته الذي أقدمت عليه اليوم، حين زارت بكين عام 1991. وقد أغضبت تلك الزيارة الصينيين خاصة حين رفعت بيلوسي لافتة وسط ساحة  تيانانمن إحياء لذكرى الضحايا الذين قتلوا في “مذبحة تيانانمن“، عندما واجهت الدبابات الصينية متظاهرين طالبوا بالديمقراطية، وكانت من بين من أصروا على استصدار الولايات المتحدة السنة الماضية لوثيقة تعترف بأن بكين ارتكبت “إبادة جماعية” ضد الإيغور والشعوب المسلمة على أراضيها.

لم يزد تصريح بيلوسي عن الحفرة التي كانوا يقولون لها إنها لو حفرتها على الشاطئ في الولايات المتحدة فسوف توصلها إلى الصين، المشهد إلا إثارة، فقد حفرت بالفعل حفرة إلى الصين على مرأى ومسمع العالم، والرد الصيني يتدفق بهدوء الآن.

12