ميناء رجائي الإيراني على مفترق الممرّين

أصدرت اللجنة المسؤولة عن التحقيق في الانفجار الذي حدث السبت 26 أبريل، بميناء الشهيد رجائي في مدينة بندر عباس بجنوب إيران، بيانًا الاثنين 28 أبريل، أرجعت فيه الحادث إلى "عدم مراعاة مبادئ السلامة العامة."
قد يكون البيان يستند إلى تحقيقات جديّة، حول الانفجار الذي أسفر عن مقتل أكثر من 70 قتيلا إضافة إلى ما يزيد عن 1000 جريح البعض منهم في حالة خطرة. ولكن يبقى لفرضية الحادث “الافتعالي” الذي يدخل ضمن خانة “التعمد” في تفجير هذا الميناء قائمة ومتقدمة، وسط أصابع اتهامية تشير إلى ضلوع الاستخبارات الإسرائيلية في العملية، لاسيما أنه بعد التفجير بساعات ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية أن الأجهزة أحبطت أكبر هجوم سيبراني طال كافة المؤسسات والمنشآت الحكومية والحيوية.
"عدم مراعاة السلامة العامة"، تقرير ضعيف في ضوء مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني، مشددا على أن أيّ اتفاق مع طهران يجب أن يحرمها من الصواريخ الباليستية.
في ترتيب الأحداث "الافتعالية" لا وجود للصدف، بل تسير الأمور باتجاه التخطيط والتنفيذ. لهذا فإن حصول الانفجار بينما كانت تجري إيران والولايات المتحدة الجولة الثالثة من المفاوضات، بشأن البرنامج النووي لطهران بات يطرح الإشكالية التالية “ما الهدف من تفجير هذا الميناء بالتزامن مع تنفيذ الولايات المتحدة ضربات ممنهجة على ميناء الحديدة في اليمن، وهل الأمر يرتبط بحرب الممرات الصينية الهندية؟ أم إنه يتوقف عند الأهداف الإسرائيلية بمنع إيران من إنتاج صواريخ باليستية إضافة إلى منعها من امتلاك القنبلة النووية؟
كثرت التقارير وتقاطعت التحليلات حول مفتعلي الانفجار، وما إذا كان للموساد ضلع في العملية التي ترتبط بإصرار نتنياهو على عدم امتلاك إيران القنبلة النووية حتى لو كانت المفاوضات الإيرانية – الأميركية "إيجابية وبناءة." للوهلة الأولى يشعر المتابع أن نتنياهو ذهب بعيدًا في خياراته عن القرار الأميركي، ليصل إلى تنفيذ ضربات على إيران. لكنّ التحليلات في واد، والرابط بين تفجير ميناء الشهيد رجائي وبين ما يحدث بين باكستان والهند من توترات والتي باتت تنزلق نحو الحرب النووية بين البلدين في واد آخر.
في 22 مايو 2015 نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تفاصيل حول عملية تحايل إيرانية لنقل الأسلحة إلى جماعة الحوثيين في اليمن، حصلت عليها من قبل شركة بحرية أسسها ضابطان إسرائيليان سابقان. توضح هذه التفاصيل عملية ملاحقة لسفينة انطلقت من جنوب شرق آسيا، ووصلت إلى ميناء كراتشي في باكستان، لتغادر بعد أسبوعين الميناء، إلا أنها اختفت في البحر لمدة تسعة أيام بعدما أطفأت أجهزة التعقب عبر الأقمار الاصطناعية، لتظهر مجددًا في ميناء الحديدة في اليمن.
◙ كثرت التقارير وتقاطعت التحليلات حول مفتعلي الانفجار، وما إذا كان للموساد ضلع في العملية التي ترتبط بإصرار نتنياهو على عدم امتلاك إيران القنبلة النووية
من هنا تبدأ عملية الربط بين مسار السفينة وبين ما يحدث اليوم من صراع الممرين العالميين، الممر الصيني والمتمثل في مشروع "الحزام والطريق"، والممر الاقتصادي الهندي المدعوم إسرائيليًا وطبعًا أميركيًا. وتشير تلك الحادثة إلى أنّ عدم التحرّك لضرب المسار الذي سارت عليه السفينة، وتعطيل العمل في الموانئ الثلاثة، كراتشي والشهيد رجائي والحديدة، يعني أن مشروع “الممر الاقتصادي الهندي” الذي يربط نيودلهي بالشرق الأوسط وأوروبا الذي تدعمه الولايات المتحدة هو مهدد لصالح الممر الصيني الذي تمّ افتتاحه على يد الرئيس شي جينبينغ عام 2013.
توسعت الحرب الأميركية على اليمن، وأخذت أبعادها الدولية مع دعم روسيا لجماعة الحوثي في وجه تهديد المصالح الأميركية في المنطقة. هذا التلاقي الروسي – الحوثي، وضع الأميركي أمام إستراتيجية دبلوماسية مع روسيا لإبعادها عن مدّها الحركة الحوثية. هذا وكانت قد علّقت روسيا في أكتوبر من عام 2024، على اتهامات وتقارير صحفية بشأن تزويدها جماعة أنصارالله، بأسلحة ردًا على الدعم الأميركي المتواصل لأوكرانيا.
لم تعد مفاجئة مواقف ترامب الانفتاحية تجاه روسيا على حساب أوكرانيا، من خلال الإصرار على اعتراف رسمي لكييف بضم جزيرة القرم رسميًا إلى الأراضي الروسية، وغير رسمي لما تمّ تحقيقه من إنجازات عسكرية روسية ميدانيًا في المقاطعات الأربع. هي حرب التسويات القادمة بين موسكو وواشنطن، حيث تجد فيها الأخيرة فرصة لإبعاد روسيا عن تقديم الدعم لجماعة الحوثي التي بات وجودها وسلاحها يهدد ليس أمن إسرائيل، بل أمن الممر الاقتصادي الهندي.
كراتشي عنوان آخر في باكستان، يقع ضمن دائرة التهديد الحقيقي للممر الاقتصادي الهندي، وهذا ما يتطلب الكثير من الجهد لإيجاد السبل لتعطيله. لهذا يؤكد وزير الداخلية الباكستاني خواجة محمد آصف بأن العملية الإجرامية التي نفذت بحق السياح الهنود، عملية "مدبّرة" بهدف تفعيل النزاع بين البلدين. وما تمّ الكشف عنه من قبل نتنياهو من اتصال مع نظيره الهندي ناريندا مودي شكّل مفاجئة، لكن ليس بما يتعلق بالإعراب عن "تعازيه" ولكن بالنقاش الذي دار بينهما حول مبادرة ممر التجارة والنقل الذي من شأنه المرور بالسعودية وإسرائيل نحو أوروبا.
لهذا فإن التهديدات الهندية، هي أبعد من تعليق معاهدة "نهر السند" في سبيل حرمان إسلام أباد من المياه. بل من أجل تمرير الممر الهندي بسلام، وهذا الأمر يتطلب توجيهن، الأول يتطلب تعطيل الممر الصيني عبر ضرب "موانئ الارتكاز" التي سيمرّ عبرها. بينما يتوجب الثاني القيام بضرب القدرات الصاروخية (تحديدًا الباليستية منها) لدى الجماعات والدول التي تدخل من ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، فهذا ما يبرر الضربات الأميركية على الحوثي، والحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة بهدف تعبيد الممر الاقتصادي الهندي.
وسط تصعيد التوتير في الحرب الباكستانية – الهندية، ومع استكمال العمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة على جماعة الحوثي، يأتي انفجار بندر عباس الإيراني ليكمل المشهدية التي رسمها الضابطان الإسرائيليان عام 2015. لهذا فالأمر اليوم في المرمى الصيني تحديدًا الذي عليه العمل بوتيرة سريعة لإنقاذ ممرها الاقتصادي، في ظلّ حرب تجارية كبيرة نفذها الأميركي عليها، ويبقى السؤال “هل ستتخلى الصين عن ممرها؟ أم ستتحرك عسكريًا بدءًا من ضمن شبه جزيرة تايوان وصولا إلى حماية حلفائها في الشرق الأوسط؟