ميسون صقر أول إماراتية تتوج بجائزة زايد للكتاب في فرع الآداب

الكاتبة تسرد حكايات القاهرة من خلال أشهر مقاهيها.
الأربعاء 2022/05/25
تتويج الكاتبة ميسون صقر بجائزة الشيخ زايد للكتاب

أبوظبي- أهدت الشاعرة والروائية والفنانة التشكيلية الإماراتية ميسون صقر جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب المتوجة بها عن كتابها “مقهى ريش”، الصادر عن دار نهضة مصر، إلى الإمارات “الوطن الأم ولمصر أم الدنيا حبيبة القلب، وللشارقة الذاكرة الأولى ولأبوظبي الاكتشاف والوعي والتعلم”.

وتشير ميسون صقر عقب تكريمها في حفل تكريم الفائزين بالجائزة، الذي احتضنه أخيرا متحف اللوفر أبوظبي، إلى أن هذه الجائزة لها وقعٌ مختلف كإماراتية، إذ تحمل اسما لشخصية عربية أصيلة لها دورها في إقامة دولة الإمارات العربية المتحدة. مضيفة “كما أنني أشعر بالامتنان والفخر، وأشرف بهذه الجائزة التي هي وسام على صدري كأول كاتبة إماراتية تنالها في فرع الرواية منذ نشأة هذه الجائزة وإن حاز ذلك الشرف ثمانية آخرون في الفروع الأخرى في شخصية العام، والنشر والتقنيات الثقافية، والتنمية وبناء الدولة، وفي أدب الطفل والناشئة، وأنظم إليهم الآن بفخر وفرح واعتزاز”.

وتؤكد ميسون صقر أن ما تقوم به الدول حين تكرم الكتاب والكتب هو “وضعنا ككتاب ومثقفين ومبدعين في مقدمة التنمية والتحضر والولوج إلى الآخر كثروة حقيقية من ثروات المجتمع عن طريق إصدار الكتب وإقامة المعارض لبيعها وتقديم الجوائز للمبدعين والناشرين. ودفعهم لإنتاج يوازي ما يكتب في الخارج ويولى الاهتمام به كما يولى الاهتمام بالفرد في كونه ثروة حقيقية مثل لاعب الكرة والممثل والإعلامي بل أكثر لأنه يؤدي عملا يستلزم أداة هي لغتنا التي نحافظ عليها ونودعها خزينة القيمة”.

وتضيف “أحسب أن ما يقوم به الكتّاب في كتابة الروايات والأدب والفن والشعر والنقد هو النظر إلى حياتنا من أبواب الإبداع وصقل التاريخ كسن قلم وتثبيت احترافية الحكي والنزول إلى الواقع وكشف المخفي في الحروب والمنازعات والأخطاء والتركيز عليها وعلى مشاعر إنسانية أخرى مثل الفرح والحب والنشأة والعنف والعلاقات والفن والألم واللعب الفني. أي التغلغل بين شرايين التخيل والأسطورة، والارتواء من الحكمة والثقافة، وترك العنان للخيال والتخييل، وإعمال العقل في الفكر والتفكر، والتخلص من شوائب الكراهية والتمييز والتعصب والجهل، ووضع الواقعي في إطاره الفني”.

◙ صقر توضح أن كتابها قام على اللعب على السرد كحكاية من خلالها تتفتح ألعاب كثيرة مثل البطولة، وعلى تعدد الأصوات، وأخذ المعلومة من أكثر من وسيط

وترى أن “الروايات هي أرشيف الحياة الواقعية ممزوجا بالحلم والشغف كإضافة أخرى للقدرة على الحياة، وأثرها الأهم في كونها وثيقة إبداعية بين الواقع والخيال ننشئ منها مكانة أخرى في واقع الكلمة التي انتخب منها أقل القليل منذ ترجمة ‘ألف ليلة وليلة‘ (كأسطورتنا في الحكي اللاواقعي) إلى نجيب محفوظ (كأسطورتنا في الحكي المرتبط بالواقع الحي)، ليقدم عنا خارجيا وننشئ مكانتنا الأدبية (التي غبنا عنها بقصد أو دون قصد)”.

وتتابع صقر “نكتب سيرنا وتاريخنا ونخلطه في أدبنا لا بشكل استشراقي كما يحدث من جانب الآخر عنا، لكن بشكل حريّ أن ننظر إليه في عمقه، نحتفي ونتألم ونحكي وننظر ونرى ونحلل وندين ونحب ونضحك من خلال عين تكحلت دوما بواقعية المكان وتاريخه في بؤرة نعرف خصوصيتها، وبين شخصيات لدينا مفاتيحهم وأسرارهم، سرياليتهم وواقعيتهم المغموسة بتاريخ حي ينبض من الانتقال البكر إلى عالم اللامحدود، ومن التفتت والانهيارات والأزمات مع الأفراح الصغيرة والعواطف الأجمل”.

تشدد الكاتبة على أن الحداثة تضمن للعالم الدخول إلى واقع آخر، يجمعنا مع التركيز على قيمة الإنسان الفرد في جماعته وفي وطنه بقيمه لا في هجرته وتشتته، وفي العالم لا على هامشه، في التداخل الحقيقي بالامتزاج لا بالتنافر، نألفهم باللين لا بالعنف والشجار والحروب، نحتاج الى نظرة أخرى ليست عطفا أو اندهاشا نحتاج إلى نظرة يحترم فيها حضورنا ووجودنا وإنجازاتنا وقيمنا وإبداعنا. لسنا بعيدا عن العالم ولسنا نمطا أقل ولكن الأزمة في نظرة في العين التي تتوجه لمنجزاتنا كأنها لم تكتمل. كأنها عين ميت (عين سمكة).

وتلفت صقر إلى أن كتاب “مقهى ريش” رحلة بحث عن الحضور الطاغي في تكوين المدينة وسيرتها وشخصيتها أيضا من خلال نقطة صغيرة فيها من خلال المقهى، عن ثقافة المقهى، لا كمكان للجلوس فقط لكنه كحاوية مكان وتاريخ وزمن وأحداث وعلاقات. يمكننا البدء من نقطة في المكان والزمان لكننا لا ننتهي منها إلا لهذا الاحتشاد العميق والكبير في السيرة أو في السير المتوالية والمتراكمة خلف بعضها كما وردة تتفتح وريقاتها بين أيدينا.

وتضيف “إنها لحظة أكثر سحرية من روايات الدهشة. يرتبط الكتاب فيها بما يهم كاتبه إذ وجدتني أقتفي أثر الشعر في لحظات التحول والإنشاء. فيكتب فؤاد حداد قصيدة في محبة كوبري إمبابة أو يكتب أمل دنقل قصيدة عن منصة تمثال ميدان التحرير التي لم يوضع عليها أبدا أيّ تمثال ليسميها الكعكة الحجرية، أو يكتب أحمد فؤاد نجم عن مثقف ريش أو يكتب أو يتظاهر المارة والسكان من أجل الموافقة على وجود مسرح وموسيقى في مقهى قد يؤثر على سكون ليل منطقتهم ويقض مضجعهم الهادئ. لكنها الحياة المعجونة بالتداخل والمحبة والوعي وإدراك لقيمة الفن. (أليست هذه مصر التي كانت تنتظر لحظة غناء أم كلثوم كل أول شهر في الراديو في البيوت والمقاهي وتتوقف الحياة لتستمع لها)”.

وتوضح الكاتبة الإماراتية “لم أكن أكتب سيرة من لحم ودم، لكنني كتبت سيرة بداخلها اللحم والدم والمواقف والأحداث والتغيرات سيرة مدينة (ليست أيّ مدينة لكنها القاهرة ويكفي اسمها القاهرة). ومن خلال مقهى تتداخل فيه سيرته الخاصة من بنيان، ومالكين، ووثائق، وأحداث، وسير الحاضرين، والمارين عليه، وسير بشر مروا وأقاموا واختلطوا وتفاعلوا. ومع فتح عدسة الرؤيا أوسع وأبعد من ذلك تتشكل سيرة المباني والشوارع والأمكنة بمن فيها وما فيها من حكايات”.

وتتابع “كلما ابتعدنا كلما كان وضوح صورة المدينة أكثر ارتكازا على اتساع الرؤية واشتمالها، وكلما اقتربنا كان المقهى النموذج المصغر للسيرة. تتداخل وتتبادل فيه الشخصيتان أو الموقعان موقع المقهى وهو داخل الموقع الأكبر والأشمل وهو المدينة التي ينبض قلبها. هي ليست صنفا، بل تتبعا للأصناف والأنساق المتعددة في سياق حضور الشخصية المركزية (المقهى في الظاهر المقدم كبطل للسيرة لكنه بطل لإظهار بطولة أخرى لشخصية أخرى) والشخصية المحورية وهي المدينة وهي التي تملك البطولة الحقيقية المطلقة في سياقها مع التاريخ والبشر والأحداث. نتلصص عليها من ثقب صغير في جدار الحداثة الضخم، ثم تتسع الرؤية وتتعمق في زمن يفوق المئة عام”.

وتوضح أن كتابها قام على اللعب على السرد كحكاية من خلالها تتفتح ألعاب كثيرة مثل البطولة، وعلى تعدد الأصوات، وأخذ المعلومة من أكثر من وسيط (تحليل الوثائق، وكتب التاريخ أو البحث عن التاريخ في السير والروايات والشعر، والحكايات المسرودة كتابة أو شفاهة من أكثر من وسيط باختلاف الرؤية أو اتفاقها)، ووضع أكثر من فكرة للبداية وللنهاية، وكيفية التقسيم الداخلي لتتبع شخصية المدينة في أحوال وتواريخ متفرّقة، وكذلك المقهى، واللعب بتقديم بطل محدد لتنتهي البطولة إلى آخر هو المدينة في النهاية.

وعملت صقر، كما تقول، على فكرة الحكي من نظرة من أعلى كنظرة الطائر المحلق وعند الشروع في الهبوط بتوسيع دائرة النظر ثم تركيزها وتضييقها على مكان ما من خلاله نعود ومن خلال عناصر أخرى للتحليق مرة أخرى. في العلوّ كانت المدينة بفسيفسائها الكبير وفي الهبوط كان المقهى تفصيلة له بتفاصيله ومنمنماته مقارنة بالمدينة. وبين دفتي كتاب، تبدأ فيه سيرة أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة حيث يجرّها كل شيء فيه لحكايات وسير وأحاديث لتنتهي بعالم أشبه بواقع الحياة المصرية فكلما فتحت حكاية ظهر بطل آخر لحكاية من خلال الحكاية الأولى. وكما يقال “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”.

13