ميسرة صلاح الدين لـ"العرب": المسرح له جمهور خاص وسط تحديات كبيرة

يميل الكاتب والشاعر المصري ميسرة صلاح الدين للمسرح كنص شعري يعبر عن أفكاره ويؤرخ به لحقبات زمنية مهمة من تاريخ مصر، رغم كل العوائق التي تواجه النشر في هذا المجال، وقد نشرت له العديد من المؤلفات وعرضت على الخشبة، وهو يؤكد أن تجربته الإبداعية دائما في حالة تطور ومنفتحة على تجربة كل الأصناف الأدبية.
القاهرة - لماذا نكتب؟ سؤال كثيرا ما يطرح نفسه على الأدباء، ومهما تتفاوت الإجابات تبقى المتعة الشخصية للكاتب هي الإجابة الأولى عن السؤال، تدل على ذلك حالات بعينها لكُتاب قرروا أن يختاروا لأنفسهم طرقا محددة في الكتابة مهما بدت تضاريسها وعرة وكان السير فيها شاقا.
الأديب المصري ميسرة صلاح الدين شاعر وكاتب مسرحي ومترجم، صدرت له دواوين ومسرحيات شعرية وغنائية، اختار طريق الكتابة للمسرح وتعلق بأستاره، رغم مصاعب النشر التي تواجهها النصوص المسرحية وقلة إقبال القراء عليها وصعوبة العرض على المسرح، وإن كان قد تم تقديم عدد من نصوصه المسرحية بالفعل على خشبة المسرح.
يفسر ميسرة في حواره لـ”العرب” إقباله على الكتابة المسرحية بأنه منذ البداية كان يرى أن المسرح هو الامتداد الطبيعي للشعر، فالعلاقة بينهما علاقة جوهرية لا يمكن فصلها، قائلا إن الشعر والمسرح كلاهما يقوم على الإيقاع والصورة، والتأثير العاطفي العميق، وكلاهما يتطلب قدرة على خلق عوالم متخيلة تنبض بالحياة، “لهذا، لم يكن انتقالي إلى الكتابة المسرحية تجربة جانبية، بل تطورا طبيعيا لرؤيتي الفنية.”
أكثر الفنون تكاملا
استعرض ميسرة عبر التاريخ أسماء عديدة من الشعراء الذين كتبوا للمسرح وتركوا بصماتهم الراسخة، مثل صلاح عبدالصبور الذي طور مفهوم المسرح الشعري في العالم العربي، وأضاف بيرانديللو أبعادا فلسفية جديدة للمسرح، وشكسبير الذي صاغ أعماله بلغة شعرية جعلتها خالدة.
ويرى أن هذه الأسماء وغيرها تؤكد أن المسرح ليس مجرد فن مستقل، بل هو ساحة تجمع بين النصوص الأدبية والموسيقى والأداء البصري والتفاعل الحي مع الجمهور، وهو ما يجعله أكثر الفنون تكاملا وتأثيرا.
نال ميسرة صلاح الدين عددا من الجوائز والتكريمات المحلية والعربية، وشارك في عدة مهرجانات وفعاليات ثقافية وفنية، منها مؤتمر الأدب السنوي الذي تنظمه جامعة كليفلاند الأميركية، ومهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي بالشارقة، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وتُرجمت بعض قصائده إلى اللغات الإنجليزية والإيطالية والإسبانية.
ويعتبر أنه كان محظوظا برؤية أعماله تُعرض، حيث تم تقديم “أحوال شخصية” من إنتاج البيت الفني للمسرح، و”قليل البخت” في قصر الإبداع الفني، بينما قُدِّمت “كفر عزيز” ضمن تجارب الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي عروض تمثل تأكيدا على أن المسرح قادر على خلق تواصل حقيقي مع الجمهور في ظل التحديات التي تواجهه.
ويقول صلاح الدين لـ”العرب” إن المشهد الثقافي اليوم يواجه تحولات كبيرة، أثّرت بشكل مباشر على المسرح، فمع انتشار الوسائط الرقمية، وتراجع معدلات القراءة، أصبح المسرح يواجه تحديات في جذب الجمهور، خاصة النصوص المسرحية المكتوبة. مع ذلك هناك اهتمام متجدد بالمسرح من الفرق المستقلة والجهات الثقافية الرسمية، حيث يسعى المسرح إلى إيجاد لغة جديدة للتواصل مع الجمهور، مستفيدا من الوسائط الحديثة والتقنيات المتاحة.
يقول ميسرة إن المسرح، رغم هذه التحديات يحظى بجمهوره الخاص، في ظل الحراك المسرحي الذي تشهده الفرق الشابة، التي تحاول تقديم نصوص جريئة ومختلفة، وهناك عودة إلى الاهتمام بالمسرح كوسيلة للتعبير عن القضايا المجتمعية، ما يمنح الأمل في استمرارية هذا الفن.
نشر للكاتب المصري العام الحالي مسرحية “مسك الليل” عن دار يسطرون للنشر، و"بير مسعود" ثلاثية مسرحية، عن دار المحرر للنشر والتوزيع العام الماضي، و"جراج الأوبرا" مسرحيتان عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 2019، و"الورد البلدي" مسرحية شعرية، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في 2012، فضلا عن مسرحيات ودواوين شعرية كثيرة.
◙ المسرح فن يتسع للآخرين، يتيح لهم التعبير عن أفكارهم وهواجسهم من خلال قلم الكاتب
يؤكد ميسرة صلاح الدين لـ”العرب” أن النشر المسرحي يواجه تحديات أكثر تعقيدا مقارنة بالنشر الأدبي التقليدي، فمعظم دور النشر تتردد في نشر النصوص المسرحية، نظرا لضعف الإقبال عليها مقارنة بالرواية أو الشعر. كما أن طبيعة المسرح كنص يعتمد على التفاعل الحي تجعله أقل انتشارا كنصوص مقروءة، ورغم ذلك تمكن من نشر العديد من النصوص المسرحية، مثل ثلاثية "بير مسعود" التي تعكس تاريخ الإسكندرية الشعبي والشفاهي.
ويشير إلى أن التحدي الأكبر يبقى في إيجاد مساحة لهذه النصوص على خشبة المسرح، حيث يعتمد المسرح بشكل كبير على الإنتاج والدعم، وهو ما يجعل الكثير من النصوص القوية تظل حبيسة الأدراج في انتظار فرصة للعرض. لذلك، يرى أن الحل يكمن في البحث عن طرق جديدة للنشر والتوزيع، مثل النشر الإلكتروني، أو التعاون مع الفرق المسرحية المستقلة التي تسعى لتقديم تجارب جديدة.
ويقول “المسرح بالنسبة لي ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو مساحة للتفاعل الحي مع الجمهور، واختبار الأفكار والمشاعر في فضاء مشترك. ورغم التحديات، لا يزال المسرح قادرا على تقديم تجارب فنية مؤثرة، سواء من خلال النصوص المكتوبة أو العروض الحية، ما دام هناك شغف لدى المبدعين، ورغبة لدى الجمهور في اكتشاف عوالم جديدة.”
حدود غير صارمة
اختيار القالب الفني للتعبير هو عملية شخصية تماما، وفي نظر ميسرة صلاح الدين، تعتمد على فهم الكاتب لوسائل التعبير المختلفة وقدرته على توظيفها لخدمة رؤيته الإبداعية. فالشعر بالنسبة له تعبير شخصي مكثف، يعتمد بشكل كبير على المشاعر والانفعالات المستلهمة من تجارب ذاتية أو قريبة منه، فهو مساحة حرة للتأمل والتعبير الذاتي، ما يظهر بوضوح في أعمال مثل “أرقام سرية” و”ابن الصبح”.
أما المسرح، فهو فن يتسع للآخرين، يتيح لهم التعبير عن أفكارهم وهواجسهم من خلال قلم الكاتب، دون أن يكون ذلك مرتبطا بشكل مباشر بتجاربه أو قناعاته الشخصية. فالمسرح عنده سياق درامي يعكس قضايا أكبر من الذات الفردية. لهذا، يميل إلى استخدامه عندما يريد استكشاف عوالم متعددة والتعبير عن قضايا اجتماعية أو تاريخية.
ويعتقد ميسرة أن الحدود بين الشعر والمسرح ليست صارمة، “والمسرح يمكن أن يكون شعريا في لغته وإيقاعه، كما في بعض الأعمال التي تمزج بين الشعر والحوار المسرحي، والشعر يمكن أن يحمل بعدا دراميا يعكس هموما جماعية، متجاوزا الذاتية المطلقة، وسواء اخترت الشعر أو المسرح، فكل منهما طريق مختلف يؤدي إلى الهدف ذاته، وهو التعبير عن الإنسان في أعمق حالاته.”
وصدر للأديب المصري هذا العام أيضا كتاب “الأسطوات” عن دار ريشة للنشر والتوزيع، حول سيرة شعراء الأغنية في العصر الحديث، إذ يسعى إلى إعادة قراءة أعمالهم في سياقها التاريخي والفني، وتحليل أثرهم في الأغنية العربية.
وقدم للمكتبة العربية، في مجال الترجمة، أعمالا لاقت اهتماما واسعا من القراء والنقاد، منها ترجمة رواية “شوجي بين” للكاتب الأسكتلندي دوجلاس ستيورات، الحاصلة على جائزة البوكر العالمية، و”رسائل ستيفان زفايج خلال الحرب العالمية الثانية”، و”فتاة السر” مذكرات شيماء هال، ورواية “العودة” للكاتبة البرتغالية دولسي ماريا كاردوسا، التي تعد أول أعمالها المترجمة إلى العربية، ورواية "الناقوس الزجاجي” للشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث، وغيرها.
وسألت "العرب" صلاح الدين عن أسباب عدم اتجاهه إلى كتابة السرد القصصي أو الروائي وهو من قام بترجمة عدد من الروايات المهمة، فعبر عن فخره بمساهمته في إثراء حركة الترجمة، ويعتبر أن المساهمة في نقل الأدب العالمي إلى العربية مسؤولية إبداعية تسهم في توسيع آفاق القارئ العربي وتعريفه بتجارب إنسانية متنوعة.
وأضاف "رغم تجربتي في ترجمة الروايات، لم أجد دافعا كافيا حتى الآن لكتابتها"، وقال "ربما لأن المسرح يحقق لي ما أبحث عنه، مع قربه من فن السيناريو، وهو بخلاف الرواية، يتيح التواصل المباشر مع الجمهور، حيث تتجسد الكلمات على خشبته في تجربة حية تتفاعل مع اللحظة، بينما الرواية تعتمد على التأمل الداخلي والتواصل الفردي مع القارئ.”
ولا يغلق الكاتب ميسرة صلاح الدين الباب تماما أمام أي فن أو شكل تعبيري فيقول في ختام حواره لـ”العرب” إنه برغم كل ذلك “تبقى التجربة الإبداعية دائما في حالة تطور، وربما يأتي يوم يجد فيه أن الرواية هي الوسيلة الأنسب للتعبير عن فكرة أو تجربة معينة.”