موقف إيجابي أميركي من محمد علاوي يقفز على رفضه شعبيا

التوافق الضمني بين الولايات المتحدة وإيران على حماية النظام العراقي لم يتبدّد.
الثلاثاء 2020/02/25
مرفوض في التحرير.. مقبول في واشنطن

تنافس الولايات المتّحدة الأميركية وإيران على النفوذ في العراق، لا يلغي مهما بلغ من الحدّة والشراسة، وجود نقطة التقاء بين الطرفين، تتمثّل في حماية النظام العراقي الذي نتج عن توافق ضمني بينهما. وذلك ما يجسّده الموقف الأميركي الإيجابي من رئيس الوزراء العراقي المكلّف المدعوم إيرانيا، رغم الرفض الشعبي القاطع له. فالمهم لواشنطن كما لطهران ضمان وجود حكّام عراقيين ضعفاء وطيّعين.

بغداد - لم تنتظر الولايات المتّحدة الأميركية عرض حكومة رئيس الوزراء العراقي المكلّف محمد توفيق علاوي على البرلمان الخميس لنيل الثقة. وشرعت في التعامل مع الرجل كما لو أنّه استلم بالفعل قيادة السلطة التنفيذية في العراق وبدأ بممارسة مهامه كرئيس للحكومة.

وأعطى ذلك انطباعا بأنّ واشنطن غير معترضة على تكليف علاوي تشكيل الحكومة العراقية على الرغم من أنّه محسوب على المعسكر الموالي لإيران ومدعوم من قبله، فيما هو مرفوض بشكل قطعي من قبل الشارع المنتفض منذ حوالي خمسة أشهر، والمصرّ على إجراء تغييرات سياسية جذرية من ضمنها إزاحة الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ سبعة عشر عاما والمتّهمة بالفساد والفشل في إدارة شؤون الدولة.

وحض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو علاوي على حماية الجنود الأميركيين الموجودين على الأراضي العراقية والذين تتعرّض قواعدهم من حين لآخر لهجمات صاروخية تنسب المسؤولية عنها في الغالب لميليشيات شيعية ذات صلة بإيران، فيما تطالب الأحزاب الشيعية بإخراجهم من البلاد بعد أن أصدرت تشريعا في البرلمان يجبر حكومة بغداد على القيام بذلك.

ويكرّس الموقف الأميركي من حكومة توفيق علاوي ظاهرة أساسية في العملية السياسية الجارية في العراق منذ 2003. وتتمثّل تلك الظاهرة في التوافق الضمني بين الولايات المتحدة وإيران على دعم تلك العملية وحماية نظام المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية الذي نتج عنها، وذلك على الرغم من التنافس الشديد بين الطرفين على النفوذ في العراق، وحالة العداء المعلنة بينهما والتي بلغت مداها مؤخّرا وكادت تتحوّل إلى صدام مسلّح بعد أن أقدمت القوات الأميركية في يناير الماضي على اغتيال القائد السابق لفيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية قرب مطار بغداد، وقد ردّت إيران على ذلك بقصف صاروخي على قاعدتين أميركيتين داخل الأراضي العراقية.

الأهم لدى واشنطن نهج رئيس الوزراء العراقي الجديد في إدارة ملف وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية

ويعتبر النظام العراقي الحالي وليد ذلك التوافق بين طهران وواشنطن اللتين التقت مصلحتهما على إسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين وإرساء نظام يقوم على توزيع السلطة وفق مبدأ المحاصصة بين تيارات سياسية وشخصيات ذات انتماءات سياسية وأيديولوجية وطائفية وعرقية مختلفة ومتصارعة.

وتتنافس إيران وواشنطن على الهيمنة على القرار العراقي وتجييره لمصلحة كلّ منهما، لكنّها تلتقيان دون اتفاق معلن على حماية النظام، الذي لاحت مؤخّرا إمكانية سقوطه تحت ضغط غير مسبوق من الشارع.

فمع انطلاق أعتى انتفاضة شعبية في العراق واستمرارها منذ أكتوبر الماضي، أصبح النظام العراقي يواجه مأزقا خطيرا.

ونجح المحتجّون في إسقاط حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وتم تكليف محمد توفيق علاوي تشكيل حكومة جديدة. ورغم أنّ الرجل يعلن استقلاله عن الأحزاب السياسية، إلاّ أنّه في الواقع مدعوم من قبل أهم الكتل الشيعية وعدد من الكتل السنية.

وهو في الحقيقة مكلّف بمهمة أساسية تتمثّل في ضمان تواصل النظام وإبعاد شبح السقوط عنه، وهو ما تدعمه إيران بقوّة، وتعيه الولايات المتّحدة ولا تعترض عليه.

وفي أول تعليق أميركي بخصوص علاوي منذ تعيينه في الأول من فبراير الجاري مرشحا لتشكيل حكومة عراقية جديدة، قال بومبيو إنه أبلغه في اتصال هاتفي بأن الولايات المتحدة تدعم أن يكون العراق “قويا وسياديا ومزدهرا”.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتيغوس في بيان إن بومبيو “شدد على واجب العراق حماية قوات الولايات المتحدة ودبلوماسيي التحالف الدولي ضد داعش وعناصره ومنشآته”.

وتحدث بومبيو مع علاوي بشأن “ضرورة أن تضع الحكومة العراقية المقبلة حدا لقتل المتظاهرين وتحقيق العدالة للذين قتلوا وجرحوا وتلبية المطالب المشروعة للمحتجين”.

ويبدو هذا الكلام شكليا إلى أبعد الحدود على اعتبار أنّه لا يتضمّن إجراءات تنفيذية من شأنها أن تضغط على السلطات العراقية لوقف القمع الشديد الذي تواجه به المحتجّين. وقد اتخذت واشنطن بالفعل مثل تلك الإجراءات في حالات كثيرة تتعلق بدول أخرى.

ومن الجانب العراقي وصف مكتب رئيس الوزراء المكلّف المحادثة مع بومبيو بأنها اتصال للتهنئة. غير أنّ وزارة الخارجية الأميركية لم تعبّر عن التهاني بشكل صريح لكنّها وصفت علاوي بأنه “رئيس الوزراء الجديد”، بينما كان التعبير السليم أن تصفه برئيس الوزراء المكلّف طالما لم تنل حكومته ثقة البرلمان.

وسيكون من المهمّ جدا للولايات المتحدة أن تنظر كيف سيدير توفيق علاوي بعد أن يشكّل حكومته ملفّ وجود القوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية. وقد ورث معضلة تتمثّل في قرار البرلمان إخراج تلك القوات، ومن المستبعد جدّا أن يكون قادرا على وضعه موضع التنفيذ.

دعم مهم لحكومته
دعم هام 

وسبق للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن هدد بفرض عقوبات اقتصادية في حال قامت بغداد بإخراج الجنود الأميركيين البالغ عددهم 5200 عنصر من البلاد التي تشهد فوضى منذ غزو الولايات المتحدة في 2003 والإطاحة بنظام حزب البعث.

ورفض بومبيو طلبا من رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي إرسال وفد لمناقشة سحب القوات. وقال علنا إن العديد من القادة العراقيين طلبوا في مجالس خاصة أن تبقى القوات الأميركية.

وتمثّل الموافقة الأميركية الضمنية على تولي محمّد علاوي رئاسة الحكومة العراقية دعما مهمّا لحكومته التي ستكون في مواجهة كمّ هائل من المشاكل والصعوبات أوّلها طريقة إخماد الاحتجاجات الشعبية العارمة، والاستجابة للمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمحتجّين.

ويواجه علاوي هذا الأسبوع اختبارا حاسما حين يعرض حكومته على البرلمان لمنحها الثقة. وأعلنت رئاسة مجلس النواب العراقي، الإثنين، أن الجلسة الاستثنائية للتصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة ستعقد الخميس.

ويواجه علاوي اعتراضات من القوى السياسية الكردية والسنية البارزة، فضلا عن الحراك الشعبي الذي يطالب بشخصية مستقلة بعيدة عن التبعية للأحزاب وللخارج، لكنّه في المقابل مدعوم من أهمّ مكونين سياسيين شيعيين هما تحالف الفتح الممثل السياسي لفصائل الحشد الشعبي، وتحالف سائرون المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

3