موسكو: حكومة تكنوقراط في لبنان غير واقعية

تصريحات وزير الخارجية الروسي تعكس توجه عن دخول موسكو بثقلها في الساحة السياسية اللبنانية.
الأربعاء 2019/11/13
هندسة روسية مرتقبة في أزمة لبنان

بيروت - يفتح استمرار الأزمة الحكومية في لبنان وتواصل الاحتجاجات الشعبية التي شارفت على دخول شهرها الثاني الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية، وهو ما تعكسه تصريحات لموسكو قد أعربت فيها بشكل واضح عن رفضها لحكومة تكنوقراط.

ويتناقض هذا المستجد مع السياسة الروسية المعهودة في لبنان، فلطالما فضلت موسكو النأي بنفسها عن الأزمات في تلك الساحة، مع الحرص في الآن ذاته على ربط علاقات صداقة مع جميع مؤثثي المشهد السياسي في ذلك البلد على اختلاف توجهاتهم.

وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الثلاثاء تأييد بلاده لمحاولات رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، تشكيل حكومة، لكن فكرة إرساء حكومة تكنوقرط هي أمر غير واقعي.

وقال لافروف خلال منتدى السلام في باريس “بالنسبة للبنان، ندعم محاولات الحريري لتشكيل الحكومة، وحسبما أفهم، فإن الفكرة تتمحور في تشكيل حكومة تكنوقراط، أعتقد أن هذا أمر غير واقعي في لبنان”.

وتقول أوساط سياسية لبنانية إن تصريح لافروف اللافت والذي نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية يعكس توجه موسكو للدخول بثقلها في الساحة اللبنانية، بما يعنيه ذلك من التخندق خلف واجهة سياسية معينة، من المرجح أن تكون التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله الذي تقاتل معه في ذات المحور بسوريا.

وتلفت الأوساط إلى أن الموقف الذي أعرب عنه وزير الخارجية الروسي يتماهى وموقف كلا الطرفين اللبنانيين، ما يعني خروج روسيا عن حيادها وعن موقفها المعلن والرافض للتدخل الخارجي في أزمة لبنان.

واستقبلت موسكو قبل أيام مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية أمل أبوزيد، الأمر الذي طرح حينها العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف اختيار الرئيس عون لموسكو كوجهة لمستشاره بدل العواصم الغربية التي لطالما كان لها تأثير على الساحة اللبنانية (وخاصة باريس وواشنطن).

وصرح حينها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، عقب لقائه أبوزيد، بأن الاجتماع هدفه بحث “الأوضاع التي تتشكل في لبنان”.

موسكو تؤيد محاولات الحريري لتشكيل حكومة جديدة ولكن
موسكو تؤيد محاولات الحريري لتشكيل حكومة جديدة

وقال بوغدانوف في بيان إن “الجانب الروسي شدد خلال اللقاء على دعمه لسيادة الجمهورية اللبنانية واستقلالها ووحدتها والاستقرار فيها، مؤكدا موقفه الثابت والممنهج الداعي إلى حل كل القضايا الحادة للأجندة الوطنية من قبل اللبنانيين بأنفسهم”.

 وحسب نص البيان فقد تركز الاهتمام على “رفض أي محاولات للتدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية والتلاعب مع السيناريوهات الجيوسياسية من خلال استغلال وتأجيج الصعوبات القائمة التي يواجهها لبنان الصديق”.

وتتناقض تصريحات بوغدانوف بشأن رفض التدخل الخارجي مع ما أعلنه لافروف بشأن تشكيل حكومة تكنوقراط وهو مطلب رئيسي للمحتجين في لبنان.

ويواجه لبنان منذ 17 أكتوبر مسيرات احتجاجية غير مسبوقة تطالب بتنحي كل الطبقة السياسية عن السلطة وتشكيل حكومة كفاءات تتولى مهمة إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها ومحاربة الفساد.

وقدم رئيس الوزراء سعد الحريري، في 29 أكتوبر، استقالته للرئيس عون، بعدما اعتبر أنه “وصل إلى طريق مسدود”، ولكن الأزمة لا تزال تراوح مكانها وسط مخاوف من إمكانية انحراف مسار الأحداث نحو منزلقات خطيرة، خاصة وأن المؤشرات توحي بأن حزب الله والتيار الوطني الحر لا يزالان يصران على تشكيل حكومة سياسية مع تطعيمها ببعض الاختصاصيين، وهذا مطلب مرفوض من الشارع وبعض القوى السياسية الرئيسية.

ويرى محللون أن ما صدر عن لافروف يؤكد بأن طموحات روسيا في المنطقة لم تعد تقتصر على سوريا (التي لطالما كانت مركز نفوذ تقليدي منذ الاتحاد السوفييتي)، وأن موسكو تسعى لتوسيع رقعة نفوذها بما يشمل لبنان المزدحم أصلا بالأجندات الإقليمية والدولية.

وفتح دخول روسيا المباشر في الأزمة السورية عام 2015 ونجاحها في قلب موازين القوى لصالح حليفها بشار الأسد شهيتها نحو التمدد أكثر في المنطقة، مستغلة في ذلك التخبط الأميركي وانحسار الدور الأوروبي.

2