موريتانيا واحة استقرار في منطقة الساحل تغري واشنطن

وفد أميركي يزور نواكشوط حاملا معه حزمة من المساعدات المالية.
الأربعاء 2022/10/19
نولاند ترى في موريتانيا نموذجا ملهما في الساحل

أنهى وفد أميركي رفيع المستوى بقيادة وكيلة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند الثلاثاء زيارة إلى نواكشوط استمرت ليومين تم خلالها عقد مباحثات وصفتها المسؤولة الأميركية بالصريحة والمثمرة، وتركزت أساسا على دور موريتانيا في منطقة الساحل فضلا عن التعاون في قطاع الطاقة.

نواكشوط - تبدي الولايات المتحدة اهتماما متزايدا بتعزيز العلاقات مع موريتانيا وهو ما ترجم في الإشادات الأميركية المتتالية بهذا البلد الواقع في شمال غرب أفريقيا، الذي وصفته وكيلة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند بـ”واحة للاستقرار في منطقة الساحل” خلال زيارتها الأخيرة إلى نواكشوط.

ويقول مراقبون إن الموقع الإستراتيجي لموريتانيا المطلة على المحيط الأطلسي، والتي تشكل نقطة ربط بين منطقة المغرب العربي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) يجعلها محل تدافع إقليمي ودولي لتعزيز العلاقات معها.

ويشير المراقبون إلى أن التحول الذي تشهده منطقة الساحل الأفريقي، ودخول روسيا بقوة على مسرح الأحداث في هذه المنطقة في مقابل تراجع دراماتيكي للنفوذ الفرنسي، ساهم أيضا وبشكل كبير في تغير المقاربة الأميركية التي باتت تراهن على التعاون مع نواكشوط في مواجهة النفوذ الروسي المتصاعد هناك.

وأشادت وكيلة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية بدور موريتانيا في “مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف”، واعتبرت أنها “واحة للاستقرار في منطقة الساحل”.

نجاح التجربة الموريتانية في التعاطي مع التحديات الأمنية في الساحل يشكل حافزا لواشنطن لتعزيز العلاقات الأمنية معها

جاء ذلك في تصريحات أدلت بها نولاند عقب مباحثات مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في القصر الرئاسي بالعاصمة نواكشوط.

وأضافت نولاند “نظرا للدور الحاسم الذي تلعبه موريتانيا في تعزيز الأمن الإقليمي في منطقة الساحل، فإن الولايات المتحدة تقدر القيادة الموريتانية، خصوصا وأن موريتانيا تعتبر مضيفة للأمانة التنفيذية لمجموعة الخمس في الساحل وكلية الدفاع لهذه المجموعة”، مشيرة إلى أن “الولايات المتحدة تتطلع إلى المزيد من التعاون الأمني معها”.

وقالت إن جهود موريتانيا لاستقبال جيرانها المحتاجين ومساعدتهم دليل على حسن نية مواطنيها، معربة عن شكرها للشعب الموريتاني على كرم ضيافته لأكثر من 80 ألف لاجئ مالي اضطروا إلى الفرار من العنف والاضطهاد، مبرزة أن الولايات المتحدة ستواصل تخصيص الموارد لمساعدة هؤلاء وغيرهم من السكان الضعفاء والمشردين.

وذكرت أنها أجرت مع الرئيس الغزواني محادثات صريحة ومثمرة حول العمل معا من أجل الأهداف المشتركة، مشيرة إلى أنها تثمن جهود الرئيس الإصلاحية والعمل على تحسين الشفافية ودعم الاندماج الاجتماعي وإقامة إصلاحات اقتصادية رئيسية.

وأنهت نولاند الثلاثاء زيارة استمرت ليومين إلى نواكشوط، وهي الزيارة الأولى لمسؤولة أميركية خلال عهد إدارة جو بايدن إلى موريتانيا، بعد أن جرى إلغاء زيارة لمستشار وزير الخارجية الأميركي ديرك شوليه نهاية يوليو الماضي، لأسباب قيل حينها مرتبطة بتأخر رحلة الطيران من داكار إلى نواكشوط، لكن متابعين ربطوا ذلك الإلغاء حينها بأزمة التأشيرات بين البلدين.

وقد جرى التمهيد لهذه الزيارة خلال اللقاء الذي جمع وكيلة وزارة الخارجية الأميركية مع وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، وذلك على هامش أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

الموقع الإستراتيجي لموريتانيا يجعلها محل تدافع إقليمي ودولي لتعزيز العلاقات معها

وأثنت حينها المسؤولة الأميركية على دور نواكشوط في منطقة الساحل، حيث قالت إن “موريتانيا قائد مهم في منطقة الساحل فيما يتعلق بالإصلاحات الأمنية وحقوق الإنسان”. وحسب ما نقلت السفارة الأميركية في نواكشوط عن نولاند فإن جهود موريتانيا “أساسية لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار”.

وأضافت المسؤولة الأميركية أن “الولايات المتحدة تفخر بشراكتها مع موريتانيا وهي تواصل إحراز تقدم”، حسب تعبيرها.

وتمثل مكافحة موريتانيا للإرهاب تجربة فريدة من نوعها في مجموعة الساحل الخمس، إذ أنها الوحيدة في المنطقة التي انتصرت في معركتها مع المجموعات المسلحة والمتطرفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة في المغرب.

وتعرضت موريتانيا في الفترة بين 2005 و2010 إلى عدة هجمات إرهابية أوقعت عددا كبيرا من القتلى، ورغم عدم امتلاك الجيش لإمكانيات كبيرة، لكنه وجّه لتنظيم القاعدة ضربات قوية عبر فِرق متخصصة في القتال بالصحراء.

وسرعان ما انتقل الجيش الموريتاني من صد الهجمات المباغتة إلى الهجوم على معاقل التنظيم الإرهابي في الصحراء وحتى خارج حدودها وبالضبط في شمال مالي، بموافقة باماكو. ونجح الأمن الموريتاني في استقطاب السكان المحليين بالمناطق الحدودية، وبذلك جفف الحاضنة الشعبية للتنظيم في البلاد.

وكانت هذه المرة الأولى التي تقوم فيها دولة من منطقة الساحل بمطاردة الجماعات المسلحة خارج حدودها، رغم أن مالي سبق لها وأن طلبت من الجزائر، باعتبارها أقوى دول الميدان (موريتانيا النيجر مالي والجزائر) لاستهداف الجماعات الإرهابية داخل محافظاتها الشمالية، لكن الجزائر تمسكت بعقيدتها العسكرية في عدم القتال خارج أراضيها.

فالتجربة الموريتانية كانت ملهمة لفرنسا ودول الساحل، حيث تم تشكيل تحالف عسكري لمكافحة الإرهاب في المنطقة عام 2015، تحت اسم “مجموعة الساحل الخمس”. واحتضنت موريتانيا تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس، والتي يوجد مقر أمانتها الدائمة في نواكشوط، ما يعكس الدور المحوري الذي تمثله ضمن هذا التكتل الأمني.

التجربة الموريتانية كانت ملهمة لفرنسا ودول الساحل، حيث تم تشكيل تحالف عسكري لمكافحة الإرهاب في المنطقة عام 2015

وفي الوقت الذي اجتاحت فيه الانقلابات ثلاث دول في مجموعة الساحل (مالي، بوركينا فاسو، تشاد)، ونجت النيجر من انقلاب عسكري فاشل، نجحت موريتانيا في تحقيق انتقال سياسي صعب، عندما فاز محمد ولد الغزواني برئاسة البلاد في انتخابات لم يترشح لها محمد ولد عبدالعزيز الذي قاد انقلابا عسكريا في 2009.

ويقول متابعون إن نجاح التجربة الموريتانية في التعاطي مع التحديات الأمنية في الساحل يشكل حافزا كبيرا للولايات المتحدة، كما فرنسا لتعزيز علاقاتها الأمنية معها، فضلا عن كون واشنطن ترى أن هذا البلد يمكن أن يشكل البوابة الرئيسية لاحتواء النفوذ الروسي، الذي بات يشكل تحديا كبيرا في المنطقة.

إلى جانب ذلك هناك معطى مهم يقود هذه الدول للاهتمام بموريتانيا وهي الاحتياطات الهائلة من الغاز المكتشفة حديثا في هذا البلد، والتي تقدر بـ100 تريليون قدم مكعب، ما يضعها في المرتبة الثالثة أفريقيا بعد نيجيريا (207 ترليون قدم مكعب)، والجزائر (159 ترليون قدم مكعب). ولا تملك موريتانيا الأموال الكافية لاستثمار المليارات من الدولارات في استخراج الغاز وبناء مصانع تسييله وتخزينه وتصديره عبر موانئ وسفن خاصة، وهذا ما يجعلها تراهن على الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات لاستغلال هذه الاحتياطات.

وقد شكل ملف الاستثمار في قطاع الطاقة أحد أبرز المسائل التي ناقشتها وكيلة الخارجية الأميركية والوفد رفيع المستوى المصاحب لها مع الرئيس الغزواني والمسؤولين الموريتانيين.

وقالت نولاد عقب اجتماعها بالغزواني إن الرئيس بايدن ملتزم بتعزيز العلاقات الأميركية مع الشركاء الأفارقة الرئيسيين، مشيرة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين متنامية، حيث رحبت موريتانيا بالتجارة الأميركية والاستثمار في قطاع الطاقة التقليدية.

زيارة الوفد الأميركي في هذا التوقيت حيث يشهد العالم استقطابات حادة تعكس رغبة لدى واشنطن في ضم نواكشوط إلى صفها

كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة مهتمة بتشجيع المستثمرين والشركات الأميركية على الشراكة مع نظيراتها الموريتانية في قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والطاقة المتجددة.

وحمل الوفد الأميركي معه حزمة من المساعدات المالية إلى نواكشوط قدرت بنحو 54 مليون دولار، وقالت المسؤولة الأميركية إن الولايات المتحدة ونظرا لكونها أكبر مساهم في برنامج الغذاء العالمي، فإن البرنامج الدولي للغذاء من أجل التعليم وتغذية الطفل سيوفر 28.5 مليون دولار على مدى خمس سنوات لإطعام ما يقرب من 100 ألف تلميذ سنويا في 320 مدرسة ابتدائية في ولايات لبراكنة وكوركول وتكانت.

وأشارت المسؤولة الأميركية إلى أن واشنطن ملتزمة بالمساهمة في الارتقاء بالشباب الموريتاني، حيث ستوفر لهم مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية، استثمارات بقيمة 24 مليون دولار للتكوين المهم وصقل المهارات والتكوين المهني ولخلق فرص عمل مستدامة وللتخفيف من حدة النزاعات وبناء شبكات للشباب، مستعرضة المساعدات التي قدمتها بلادها لدعم موريتانيا في مجال محاربة جائحة كوفيد حيث تبرعت في هذا الإطار بـ1.64 مليون جرعة لصالح موريتانيا.

ويرى متابعون أن زيارة الوفد الأميركي، في هذا التوقيت حيث يشهد العالم استقطابات حادة، تعكس رغبة لدى واشنطن في ضم نواكشوط إلى صفها، لكن من غير المتوقع أن تندفع الأخيرة إلى هذا الخيار حيث تقوم سياسة الرئيس الغزواني على الانفتاح على جميع القوى الفاعلة، بما يشمل ذلك روسيا والصين، متجنبا بذلك سياسة المحاور.

4