موريتانيا تنضم إلى سباق فورة الهيدروجين الأخضر

برنامج واعد لجعل القطاع محركا في التنمية والاستحواذ على حصة من السوق العالمية.
الخميس 2024/09/26
المزرعة الشمسية موجودة، أين المياه؟

تراهن موريتانيا على احتلال مكانة مهمة عالميا في إنتاج الهيدروجين الأخضر، والذي أصبح مجالا يحظى باهتمام كبير من قبل الدول والمستثمرين في سياق تحقيق أهداف الحياد الكربوني، حيث تتسلح بخطة طموحة للحاق بركب المتنافسين في هذا المجال.

نواكشوط - وضعت الحكومة الموريتانية أولى أقدامها في طريق طويل لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي جزء من جهود تهدف لتنويع مصادر الطاقة والتوجه إلى البدائل النظيفة، بما ينسجم مع خطط مسح البصمة الكربونية.

وبعد أسبوعين فقط من مصادقة البرلمان على قانون خاص بهذا المجال، أكد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن طموح بلاده هو الاستحواذ على واحد في المئة من سوق الهيدروجين العالمي، و1.5 في المئة من سوق قطاع الصلب الأخضر بحلول 2050.

وتهدف نواكشوط إلى بدء إنتاج الهيدروجين بحلول 2030، مما سيساهم في وضع موريتانيا في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ووقعت الحكومة أكثر من 12 مذكرة تفاهم، اثنتان منها في مرحلة متقدمة من الإعداد، لاستثمار 50 مليار دولار، مع تأثير تقديري على الاقتصاد بمعدل نمو يبلغ 10 في المئة سنويا لمدة عقدين.

وخلال منتدى أفريقيا وتمويلات سوق الكربون الذي انتظم على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أوضح ولد الشيخ الغزواني أن أفريقيا تعاني من مفارقة مزدوجة لافتة للنظر، فهي الأقل مساهمة في الانبعاثات والأكثر معاناة من آثاره المدمرة.

محمد الغزواني: لدينا إمكانات طاقة متجددة تزيد عن 4 آلاف غيغاواط
محمد الغزواني: لدينا إمكانات طاقة متجددة تزيد عن 4 آلاف غيغاواط

وقال إن “القارة تتمتع بإمكانات أكبر في الطاقة المتجددة وأقلها من حيث إمداداتها، حيث أكثر من 600 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، رغم أن الهدف الأول من أهداف الألفية للتنمية المستدامة هو ضمان حصول الجميع على خدمات موثوقة وبأسعار معقولة”.

وأكد أن بلاده لديها إمكانات طاقة متجددة تزيد عن 4 آلاف غيغاواط، بما في ذلك 500 غيغاواط من الإمكانات التجارية التي يمكن استخدامها اليوم دون أيّ قيود تقنية أو بيئية كبيرة، مع تكامل استثنائي بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وأضاف إن موريتانيا “تحتاج مثلها مثل بقية القارة الأفريقية ككل، إلى المزيد من التعاون الفعال بين الشمال والجنوب، مع مراعاة القيود الخاصة بالقارة، والتي يجب أن تجمع بين ضرورات التنمية ومكافحة تغير المناخ”.

وتخوض نواكشوط سباقا للحصول على مصادر طاقة نظيفة وذلك لحجز مكانة متقدمة ضمن الدول المنتجة لهذا النوع من الطاقة، إذ من الواضح أنها لا تزال بعيدة عن فلك هذا المجال.

ويعتمد البلد لتحقيق أهدافه على الظروف المناخية المواتية والاستثمارات الحكومية الواعدة في مجال الطاقة النظيفة وأيضا التمويل من المؤسسات الدولية والإقليمية المانحة.

وفي العاشر من سبتمبر الجاري صادق البرلمان على قانون الهيدروجين الأخضر الذي يهدف “إلى توسيع الوصول إلى الطاقة الحديثة وتحويلها إلى محرك رئيسي للاقتصاد، مع توجيه قطاع الطاقة نحو مسار انتقال مستدام يلبي متطلبات الحاضر والمستقبل”.

ويراقب المحللون توسيع الدول العربية مظلة طموحاتها المستقبلية في الطاقة البديلة عبر إرساء قاعدة استثمارية في المشاريع المتعلقة بالهيدروجين، أملا منها في الاستفادة من صناعة ناشئة، ضمن سياسة إحلال البصمة الكربونية.

وفي شمال أفريقيا، تبدو كل من مصر والمغرب متقدمة كثيرا عن باقي جيرانهما في هذا المضمار، حيث أثبت الهيدروجين النظيف أنه مجال مدر للاستثمار ومولد للوظائف.

السلطات الموريتانية تولت حتى الآن توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مشاريع هيدروجينية، 3 منها في مرحلة دراسات الجدوى

وبحسب التقارير الدولية المتخصصة، فإن موريتانيا تمتلك جميع المقومات اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة وبقدرة إنتاجية تفوق 20 مليون طن سنويا.

وأوضح وزير الطاقة والنفط محمد ولد محمد ماء العينين أن البلاد تمتلك إمكانات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة، فضلا عن مساحات شاسعة ملائمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية، خاصة إنتاج الهيدروجين ومشتقاته.

وأشار إلى أن الموقع الجغرافي للدولة يمنح ميزة لتصدير الطاقة إلى الأسواق العالمية، معتبرا أن تزايد الطلب على الهيدروجين الأخضر، والنمو المتسارع الذي تشهده السوق الإقليمية والقارية للكهرباء، يشكل فرصة لموريتانيا لتوسيع شبكتها للربط الكهربائي.

واعتمدت الحكومة مؤخرا مدونة للكهرباء تتيح للقطاع الخاص الاستثمار في إنتاج الكهرباء، وقد أكد ماء العينين أن استغلال الهيدروجين الأخضر سيوفر العديد من المنافع الاقتصادية.

وقال الوزير في كلمة أمام البرلمان أنه يمكن عبر الإنتاج الكبير للكهرباء من مصادر الطاقة البديلة، إدخال الفائض في الشبكة المحلية للاستخدام في القطاعات السكنية والتجارية والصناعية أو للتصدير.

ومن المتوقع أن يساهم هذا المنحى بشكل كبير في تخفيف أعباء قطاع الطاقة على ميزانية الدولة، وفق ماء العينين، مع جذب المزيد من الاستثمارات.

وتطرق الوزير إلى إعداد مدونة الهيدروجين الأخضر كخطوة أولى لوضع الإطار التنظيمي الضروري لضبط مختلف الأنشطة الصناعية الخام والمكررة لعملية إنتاج الهيدروجين الأخضر، وكسب ثقة المستثمرين الدوليين الذين يظهرون اهتماما متزايدا بالقطاع.

20

مليون طن سنويا من الهيدروجين يمكن أن تنتجها موريتانيا، بحسب التقارير الدولية

وبحسب خبراء، فإن مصادقة البرلمان على قانون الهيدروجين الأخضر يأتي كمحور من رؤية أوسع تهدف إلى تحويل موريتانيا إلى مركز رئيسي للطاقة النظيفة في المنطقة من خلال استغلال مواردها الطبيعية الغنية بشكل مستدام ومسؤول.

وكان البنك الدولي قد وافق على منح قرض بقيمة 86.9 مليون دولار لموريتانيا، بهدف تطوير برنامج يتعلق باستغلال هذه الموارد الطبيعية، عبر تطوير بنية تحتية مخصصة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لاستخدامه بعد ذلك كمصدر للطاقة والوقود.

وتولت السلطات الموريتانية حتى الآن توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مشاريع هيدروجينية، 3 منها في مرحلة دراسات الجدوى.

وأبرز الاستثمارات مشروع أمان لإنتاج 30 غيغاواط بحلول 2030 تطوره شركة سي.دبليو.بي، ويتطلب استثمار 40 مليار دولار، وأيضا مشروع نور لإنتاج 10 غيغاواط، وتطوره شركتا شاريوت البريطانية وتوتال الفرنسية، ومشروع أرن لإنتاج 10 غيغاواط.

وفي مارس 2023 أبرمت شركة كونيونكتا الألمانية مذكرة تفاهم مع الحكومة الموريتانية بالشراكة مع شركتي إنفينيتي للطاقة المصرية ومصدر الإماراتية تتعلق بمشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 34 مليار دولار.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للمشروع نحو 8 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مع بناء منشأة تحليل كهربائي بطاقة تصل إلى 10 غيغاواط.

وستقام المرحلة الأولى من المشروع في الشمال الشرقي من العاصمة نواكشوط، ومن المقرر أن تكتمل في 2028 بطاقة تبلغ 400 ميغاواط.

وكشفت شركة التطوير الدنماركية غرين غو إنيرجي في نوفمبر الماضي خططا لبناء مصنع للهيدروجين الأخضر بقدرة 35 غيغاواط في موريتانيا، سيشغَّل بواسطة 60 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وقالت الشركة حينها إن المشروع الذي يحمل اسم “ميغاتون مون”، يضم “عددا كبيرا جدا من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح على شكل هلال، مساحته 150 ألف هكتار، وسيكون مرئياً من الفضاء”.

وسيشمل المشروع بناء محطة ضخمة لتحلية المياه ومنازل سكنية ومنشآت صناعية ومزارع خضراء في الصحراء، على مقربة من العاصمة نواكشوط، وفق منصة الطاقة المتخصصة.

ومن خلال تقارير وكالة الطاقة الدولية يتبين أن موريتانيا قادرة على إنتاج الهيدروجين بكلفة تنافسية تبلغ نحو دولارين للكيلوغرام الواحد بحلول 2030.

وكشفت دراسة جدوى أنجزتها شركة شاريوت البريطانية مؤخراً، لصالح مشروعها مشروع نور أن موريتانيا لديها مقدرات هائلة جداً لإنتاج واسع للهيدروجين الأخضر.

11