موجة مناشدات تمهّد لمقتدى الصدر طريق التراجع عن قراره الشكلي بمقاطعة الانتخابات

مناشدات تطالب مقتدى الصدر بالتراجع عن قرار مقاطعة الانتخابات صادرة عن شخصيات سياسية إمّا طامحة إلى تحصيل مكاسب أو متوجّسة من اختلال التوازن لمصلحة قوى أخرى.
السبت 2021/07/17
هناك مجال للمزيد من الرقص

القرار الذي اتّخذه رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بمقاطعة الانتخابات النيابية لا يشكّل مفاجأة بالنسبة إلى العارفين بالتكتيكات السياسية للرجل ومواقفه المتقلّبة وقراراته المتناقضة، كما أنّ عودته عن ذلك القرار لن تكون استثناء في مساره السياسي المليء بالمنعطفات الحادّة، بل لعلها ستكون السيناريو المرجح والخيار المنطقي.

بغداد- بدأت المناشدات تتهاطل على رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بعد إعلانه مقاطعة الانتخابات النيابية المبكّرة ورفع دعمه عن الحكومة الحالية وحتّى القادمة، مهيّئة الأرضية له للتراجع المتوقّع أصلا عن القرار الذي لم يختلف عن قرارات سابقة للرجل مثل إعلانه مرتين عن انسحابه من الحياة السياسية وحلّ تياره دون أن ينفّذ ما قرّره.

وفي انتظار انطلاق تظاهرات شعبية بدأ التيار الصدري في الإعداد لها لمطالبة “الزعيم” بالتراجع عن قرار مقاطعة الانتخابات المقرّرة لشهر أكتوبر القادم، صدرت المناشدات عن شخصيات سياسية إمّا طامحة إلى تحصيل مكاسب من وراء مشاركة التيار في الاستحقاق الانتخابي كأحد أقوى المرشحين للفوز فيها بالنظر إلى شعبيته، أو متوجّسة من الفراغ الذي يمكن أن يحدثه انسحاب الصدريين وبالتالي اختلال التوازن لمصلحة قوى أخرى مثل حزب الدعوة الإسلامية الذي لا يرغب الكثير من قادة الأحزاب والتيارات السياسية في فوزه بالانتخابات وعودته مجدّدا للهيمنة على مقاليد السلطة.

واستبعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عدم مشاركة التيار الصدري في الانتخابات، قائلا في تغريدة عبر تويتر:

وما يخشاه الكاظمي من مقاطعة الصدر للانتخابات في حال كان جادّا في تنفيذ قراره أن يستخدم شعبيته داخل شريحة واسعة من شيعة العراق في تعطيل المناسبة الانتخابية وإلغاء إجرائها، الأمر الذي سيخلط الأوراق ويعيد إحياء الانتفاضة الشعبية العارمة في الموعد المحدّد لها بينما رئيس الوزراء يتعجّل نهاية الفترة الانتقالية الصعبة التي يقودها أملا في الوصول بأخفّ الأضرار إلى الموعد الانتخابي.

كذلك لا يُستبعد طموح الكاظمي إلى ترؤس الحكومة القادمة ما يجعله في حاجة أكيدة للتيار الصدري المرشّح فوق العادة للفوز بالانتخابات في حال قرّر زعيمه إلغاء قراره بمقاطعتها. وأضاف رئيس الوزراء في تغريدته “أمامنا مسؤولية تاريخية لحماية العراق بأن نصل إلى انتخابات حرة ونزيهة”.

وجاء قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات بعد العثرات الكبيرة التي سجّلت في قطاعي الكهرباء والصحّة اللذين يختص التيار الصدري بإدارتهما، وموجة الغضب الشعبي التي فجّرها حريقان في مستشفيين ببغداد والناصرية ذهب ضحيّتهما المئات بين قتلى ومصابين، ما جعل التيار موضع اتّهام مباشر بالفساد والفشل والإهمال في فترة حساسة بالنسبة إليه شرع خلالها في الاستعداد لخوض الانتخابات بهدف معلن هو تحقيق فوز كاسح فيها يتيح له القبض على زمام السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وضمن المناشدين لمقتدى الصدر للعودة عن قرار مقاطعة الانتخابات رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي وجّه رسالة إلى زعيم التيار الصدري داعيا إياه إلى العدول عن قراره.

مصطفى الكاظمي: لا يمكن تصور عدم مشاركة التيار الصدري في الانتخابات

وقال الحلبوسي في تغريدة عبر تويتر متوجها بالخطاب إلى الصدر “أبا هاشم مازال أمامنا الكثير والعراق بحاجة لأبنائه الغيارى المخلصين، ليرفعوا رايته ويوحِّدوا صفوفه ويخدموا شعبه ويصونوا كرامته ويصلوا بالبلاد إلى بر الأمان”.

كما حثّ رئيس تحالف قوى الدولة عمار الحكيم الصدر على العدول عن قرار الانسحاب من الانتخابات، وقال في رسالة وجهها إليه عبر تويتر “نحث أخانا سماحة السيد مقتدى الصدر على العدول عن قراره بالانسحاب من الانتخابات المرتقبة ومواصلة الجهد الوطني المشترك وعدم إخلاء الساحة من قطب جماهيري مهم وفعال فيها”.

وأضاف “لكون وطننا الحبيب يمر بانعطافة أقل ما توصف بالحساسة والخطيرة فإننا نؤكد أن الحفاظ على الممارسة الديمقراطية وعدم الانكفاء عنها هو السبيل الأوحد لمعالجة الإخفاقات وتعزيز الإيجابيات وإنصاف الشعب المتطلع إلى نيل الحقوق المشروعة والمعطلة”.

وتحقّق مناشدات السياسيين للصدر أولى نتائج قرار مقاطعة الانتخابات، حيث تظهره كفاعل أساسي وصاحب دور ضروري في العملية السياسية بالبلاد، وعمليا ترفع عنه حرج التراجع عن القرار.

لكنّ ذلك لا يلغي وجود قوى من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها الصدر، مرحبة بقرار مقاطعته الانتخابات الذي يعني بالنسبة إلى تلك القوى تحييد منافس شرس لها على السلطة.

وعلى وجه العموم لا تُظهر قوى شيعية موالية لإيران رضاها على مقتدى الصدر لخشيتها من عقده صفقة مع الولايات المتّحدة تتيح له الوصول إلى السلطة وقيادة العراق بعد الانتخابات القادمة.

وعبّر عن هذا الموقف الأمين العام لكتائب الإمام علي شبل الزيدي الذي شكّك في جدّية القرار، قائلا إنّ الانسحاب من الانتخابات يكون من خلال المفوضية العليا للانتخابات وليس عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي “إلا إذا كان المقصود فرض الفوضى واستخدام الشارع”.

ومعروف عن كتائب الإمام علي المنتمية للحشد الشعبي ارتباطها الوثيق بالحرس الثوري الإيراني وهي تمثّل ذراعا عسكرية لما يُعرف بحركة العراق الإسلامية التي أسسها ضباط كبار في فيلق القدس التابع للحرس الثوري.

وكانت الناطقة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي قد أوضحت تعليقا على قرار زعيم التيار الصدري أنه “ليس هناك أي تقديم للانسحاب من الانتخابات بعد المدة المقررة لقبول الطلبات بذلك والتي امتدت من 13 يونيو الماضي ولغاية يوم 20 من الشهر نفسه”، مشددة على أن “الأبواب مغلقة أمام الانسحاب من العملية الانتخابية وفي حال تقديم طلبات الانسحاب إلى المفوضية فإن القول الفصل يبقى لمجلس المفوضين”.

ما يخشاه الكاظمي من مقاطعة الصدر للانتخابات في حال كان جادّا في تنفيذ قراره أن يستخدم شعبيته داخل شريحة واسعة من شيعة العراق في تعطيل المناسبة الانتخابية وإلغاء إجرائها

ويُعرف الصدر الذي تشغل كتلته البرلمانية المعروفة باسم “سائرون” أربعة وخمسين مقعدا في البرلمان الحالي، بمناوراته السياسية المربكة، حيث سبق له أن أعلن في فبراير 2014 انسحابه من العمل السياسي وإغلاق مكاتبه السياسية وحلّ تياره، في قرار هو الثاني له من نفس القبيل وفي ظرف أشهر قليلة، ما جعل مراقبين يعتبرون منذ ذلك الحين أنّ الانسحابات الشكلية أصبحت تكتيكا سياسيا لدى الصدر يهدف من خلاله إلى إحداث الضجيج الإعلامي وتسليط الأضواء على شخصه.

وينطبق ذلك على القرار الأخير له حيث نجح عن طريقه، وفي وقت قياسي، في تحويل النقاش حول فساد تياره ومسؤوليته الواضحة عن كوارث قطاعي الصحة والكهرباء، إلى جدل حول شخصه لاسيما وأن جزءا كبيرا من ذلك النقاش اتّخذ المنحى الإيجابي الذي يريده الصدر نفسه.

3