موجة كورونا الثانية تهدّد النظم السياسة الأضعف مناعة في الشرق الأوسط

بلدان الخليج هي الأكثر صمودا بوجه الموجة الثانية من الوباء وأخطار حقيقية تحدق بلبنان والأردن والعراق واليمن وإيران.
الخميس 2020/11/19
الملاذ الوحيد لشعوب بعض البلدان

بيروت - إذا كانت دول الخليج بثرائها المادي واستقرارها السياسي والأمني قادرة على مواصلة الصمود في وجه الموجة الثانية من جائحة كورونا بنفس مستوى صمودها في وجه الموجة الأولى، فإنّ عودة الوباء إلى الانتشار بوتائر أسرع تشكّل أخطارا حقيقية على معظم دول الشرق الأوسط، لا تقتصر فقط على الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية، بل يمكن أن تشمل تداعياتها الأوضاع السياسية في تلك البلدان.

ويقول جون ألترمان الدبلوماسي الأميركي السابق ونائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، في تقرير نشره موقع آراب دايجست تحت عنوان “ما الذي تعنيه موجة كوفيد – 19 الثانية للشرق الأوسط؟” إنّ المنطقة بصدد التعرض لـ”ضربة كورونا شديدة” تفاوتت ردود الفعل عليها من دولة إلى أخرى دون أن تطال تداعياتها الأنظمة السياسية لتلك الدول إلى حدّ الآن.

ورغم  أن ارتفاع عدد حالات الإصابة بالوباء أو انخفاضه لا يتسبب في حدوث اضطرابات سياسية، بغض النظر عن الوفيات أو التأثير الاقتصادي للجائحة، لكن مدى دقّة هذه الفرضية يبقى موضع اختبار في ظلّ تعرّض الشرق الأوسط لموجة عدوى ثانية تبدو تداعياتها أشدّ وطأة على بعض الدول من تداعيات الموجة الأولى.

ويعتبر الأردن نموذجا لاتخاذ الإجراءات الفعالة ضدّ الوباء في موجته الأولى وقد نجا الاقتصاد الأردني نسبيا من صدمة موجة كورونا في الربيع الماضي وذلك بفضل قروض بمليارات الدولارات من مؤسسات مالية دولية. ولكن يصعب تحديد مصير الأردن خلال الموجة الحالية من الجائحة.

ولم تعتمد الحكومة الأردنية بروتوكولات صحية شديدة القسوة، ولم تغلق المؤسسات. ومع ذلك، فإن بعض المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في الأردن، مثل السياحة والتحويلات من الخارج تتعرض لضغوط، كما أن انخفاض أسعار النفط وتحولات المزاج السياسي في الخليج جعلت دول مجلس التعاون أقل حرصا على تقديم المساعدة للأردن بالأحجام المعهودة سابقا.

وتقف قدرة واستعداد المؤسسات المالية الدولية لمواصلة دعمها القوي للأردن في موضع شك، كما هي الحال مع مسار الجائحة. ويستضيف البلد أكثر من نصف مليون لاجئ سوري، ويستقطب بعض الدعم الدولي غير الكافي لتخفيف الضغوط على البنية التحتية وعلى سوق العمل ومرافق الإسكان.

ويستنتج ألترمان في تقريره أنّ من المبكر الآن الجزم بأن الأردن يواجه “عاصفة شاملة” جرّاء الموجة الثانية من جائحة كورونا، لكنه لا يستبعد أن تكون هذه “العاصفة” قادمة في الأفق.

أما عن لبنان فإنّ “العاصفة” تبدو قائمة بشكل أكثر وضوحا، حيث تواجه البلاد أزمة مالية وشحا شديدا في العملة، وقد تفجرت أرقام البطالة وأصبح الكثير من تكاليف الغذاء فوق ما يتحمله جيب المواطن العادي. وأبقت الخلافات السياسية البلاد من دون رئيس وزراء دائم لأكثر من عام، فيما تحجم الحكومات الأجنبية والمؤسسات المالية الدولية عن مساعدة لبنان في انتظار أن يظهر البلد بعض علامات الحكم المسؤول.

كما تتراجع دول الخليج عن مساعدته حتى يتم كبح النفوذ الإيراني. وتضاف كل هذه العوائق إلى استشراء الفساد بالإضافة إلى عبء اللاجئين السوريين الذين يشكلون قرابة خمس سكان البلد ويفرضون ضغوطا إضافية على موارد الدولة وبناها التحتية.

ترقب اللقاح
ترقب اللقاح

وتقدر الأمم المتحدة أن 55 في المئة من اللبنانيين يعيشون الآن في فقر، وهو ضعف الرقم قبل عام. فكل المؤشرات سيئة، وأرقام حالات الإصابة بالفايروس آخذة في الارتفاع. وقد نتصور، يقول صاحب التقرير، إن وضع لبنان سوف يتدهور، ومع ذلك يبقى الخلل السياسي أكبر معرقل لقدوم المساعدات الخارجية الضرورية لإخراج الاقتصاد اللبناني من دوامة الانحدار.

كما لا يستبعد أنّ يكون التوتر كافيا لتمزيق النظام السياسي في البلاد، والذي نشأ كوسيلة لحماية المجتمعات الطائفية ومكافأة الأوليغارشيين وأمراء الحرب. ولكن لم تظهر علامات واضحة على حدوث ذلك حتى الآن. وبدلا من ذلك دفع تزايد إفقار اللبنانيين هؤلاء القلة من “الزعماء” وأمراء الحرب إلى جمع المزيد من الموارد لأنفسهم والاحتماء بشكل أكبر بمجتمعاتهم العرقية والطائفية.

وفي اليمن لا تزال حالات الإصابة المبلّغ عنها بشكل رسمي منخفضة، ولا يمكن للوباء إذا تفشى بشكل أوسع إلا أن يعمّق الفوضى القائمة أصلا، وأن يزيد من حدّة الكارثة الإنسانية الواقعة بالفعل.

وبدوره يصنّف العراق ضمن الدول الضعيفة في مواجهة الجائحة، وهو الذي يعاني أصلا أزمة اقتصادية جراء تراجع أسعار النفط وأزمة أمنية فضلا عن كثرة الصراعات السياسية المرتبط بعضها بالولاءات الخارجية لأغلب الفاعلين في العملية السياسية.

وكنموذج غير عربي عن الدول التي تواجه تداعيات الموجة الثانية من جائحة كورونا، تبدو إيران من بين البلدان الأكثر تضررا حيث تم تسجيل أكثر من 760 ألف حالة إصابة وأكثر من 41 ألف حالة وفاة. ويعتقد أن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير. ومع استمرار الأرقام في الارتفاع، تتفاوت استجابة الحكومة للجائحة، وينساق الاقتصاد إلى حالة متزايدة من الفوضى.

وتظل دول الخليج هي الاستثناء في مواجهة الجائحة، فرغم تسجيل نسب عدوى مرتفعة، إلا أن بلدان مجلس التعاون تشعر بالارتياح بفعل الأنظمة الصحية الممولة تمويلا جيدا، وتبدي شعوبها استجابة سلسة للإجراءات الاحترازية المتّخذة للسيطرة ما يجعل تلك البلدان في مأمن من تداعيات أخطر للجائحة.

3