مواقع التواصل ساحة لتنافس المؤسسات الدينية في مصر لتأكيد نفوذها الشعبي

تحولت الصفحات التابعة للمؤسسات الدينية على مواقع التواصل الاجتماعي من مجابهة الأفكار المتطرفة، مثلما أشارت عند تأسيسها، إلى التنافس فيما بينها لتأكيد من يمتلك شعبية أوسع.
القاهرة - تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال اليومين الماضيين إلى ساحة لعقد مقارنات بين صور انتشرت لشيخ الأزهر أحمد الطيب أثناء صلاته بساحة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وأخرى ظهر فيها مستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية أسامة الأزهري محمولاً على الأعناق في إندونيسيا، وهي لقطات أثارت جدلاً واسعًا بعد أن أظهرت أناسا يقتربون من قدمي الأزهري.
وبرهن انتشار صور أسامة الأزهري، والرد عليها سريعًا من جانب محسوبين على الأزهر، أن التنافس بين المؤسسات الدينية اتخذ مسارات أكثر وضوحًا على منصات رقمية أضحت ركيزة رئيسية تعتمد عليها كل مؤسسة لمخاطبة الرأي العام.
ولم يعد هدف المنصات والصفحات التابعة للمؤسسات الدينية مجابهة الأفكار المتطرفة مثلما أشارت عند تأسيسها، وتحولت إلى جهة تسويقية لكل مؤسسة تسعى للتأكيد من خلال أعداد متابعيها والتفاعل معهم على امتلاكها قدرا كبيرا من الشعبية.
ونشرت مؤسسة الأزهر صورا أظهرت شيخها مرتديًا جلباباً شعبيًا، على عكس الحال بالنسبة إلى أسامة الأزهري الذي نشرت له صور في إندونيسيا على صفحته الرسمية وهو يرتدي زيا رسميا، ما منح الطيب دعمًا شعبيًا مقابل انتقادات لمستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية الذي اتهم بـ”التفاخر والتكبر”.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي لقطات عديدة لشيخ الأزهر أثناء تواجده بالروضة الشريفة في المسجد النبوي، مع صور أخرى عقب الانتهاء من أداء مناسك العمرة بصحن المسجد المكي.
وقبل ذلك بأيام نشر الحساب الرسمي لأسامة الأزهري صورا خلال إلقائه محاضرة في إندونيسيا، من بينها صورة يظهر فيها جالسا على كرسي ومحمولًا فوق أعناق أهل جزيرة لومبوك، وتسببت في جدل واسع، اضطره إلى أن يصدر بيانا حاول فيه التخفيف من حدة الانتقادات التي تعرض لها.
وقال الأزهري في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك “ختام رحلة إندونيسيا ورسائل ختامية أوجهها.. إذا كنتم وجهتم لي كل هذا القدر من الحفاوة والإكرام فتقديري واحترامي وتشرفي بخدمتكم لا حدود له، إذا كنتم تفضلتم بحملي على الأعناق فأنا أحملكم جميعا فوق رأسي، وهذا التكريم منكم ليس لشخصي بل لمصر العظيمة وشعبها العظيم وأزهرها الشريف، ونحن في مصر نرد الإكرام بمثله وزيادة..”.
ويؤكد متابعون أن الأزهر ربح المعركة الإعلامية لصالحه دون أن يدخل شيخه أو أي من رموزه في سجال حول الأسباب التي تدفع نحو زيادة الجولات الخارجية لمؤسسات دينية أخرى لم تكن تلعب مثل هذه الأدوار من قبل، واكتفت بأن يقوم الأزهر بها باعتباره المؤسسة صاحبة الرمزية والحضور الكبيرين.
وظهرت حالة التململ التي صاحبت توالي زيارات مفتي الديار المصرية شوقي علام وأسامة الأزهري إلى دول عديدة في أوروبا ودول جنوب شرق آسيا من جانب الأزهر من خلال بعض التدوينات التي نشرها عدد من قيادات الأزهر لشيخه أحمد الطيب، وعمدت إلى تصويره كرجل دين “زاهد في الحياة تماما” عكس أسامة الأزهري.
وعلق المستشار القانوني لشيخ الأزهر محمد عبدالسلام على صور نشرها على فيسبوك قائلاً “حفظ الله الإمام الطيب الزاهد وأدامه ذخرا للإسلام والمسلمين والإنسانية”.
وقال أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا في شمال القاهرة أحمد سالم إن الصور التي أظهرت أسامة الأزهري محمولاً وسط جموع كبيرة كانت “منفرة وشاذة وظهرت كأنها احتفاء مفتعل، وهو ما جعلها تنتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بقدر كبير من الجدل، ما خدم الأزهر الذي يحظى شيخه بشعبية واسعة داخل أوساط عديدة في المجتمع المصري”.
المؤسسات الدينية المصرية كثيرا ما تعتمد في التسويق لرموزها على نشر صورة تحمل دلالات غير مباشرة
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “مواقع التواصل تساهم في رواج الأخبار الغريبة وتسلط الأضواء على الشخصيات المركزية في المجتمع وعلى رأسها شيخ الأزهر بما يشكله من قيمة في المجتمع، وقد يكون الاحتفاء المبالغ فيه أحيانا نابعًا من تأثير مواقف سياسية واجتماعية تجعل شيخ الأزهر في بؤرة الاهتمام الشعبي”.
ولفت إلى أن المؤسسات الدينية بوجه عام تجد ضالتها في مواقع التواصل وتتخفى خلف ستار من عدم القدرة على مواجهة تيارات علمانية في المجتمع، وأن الكثير من المبادرات التي هدفت إلى أن يكون هناك حضور للمؤسسات الدينية في الشارع أو محطات المترو عبر أكشاك الفتاوى وغيرها واجهت سخرية مجتمعية ولم تنجح في تحقيق أهدافها لتظل المنصات الرقمية أداة رئيسية لتحقيق النفوذ والانتشار.
ويوجد الفضاء الإلكتروني الذي تتصاعد فيه السجالات الدينية والفتاوى فرصة مواتية لأن تحقق بعض المؤسسات الدينية أهدافها التي قد لا تجد سبيلاً إلى تحقيقها عبر المساجد أو في أروقة الفكر المختلفة، وتجد في مجموعة من القضايا التي تثير الرأي العام وتحمل خلفية دينية مساراً مهمًا تنفذ عبره إلى شرائح عديدة من المواطنين، وهو ما يخدم في الوقت ذاته تنافسها فيما بينها على الصدارة مع توتر العلاقة بين جهات رسمية ومؤسسة الأزهر صاحبة الانتشار الأوسع.
وتعتمد المؤسسات الدينية دائما في التسويق لرموزها على نشر صورة تحمل دلالات غير مباشرة، وفي الكثير من الأحيان تظهر صورة لشيخ الأزهر أحمد الطيب مرتديًا الجلباب الصعيدي في قريته بمحافظة الأقصر (جنوب مصر)، ويشير متداولوها إلى أنها تعبر عن غضبه من بعض التوجهات السياسية، منها قوانين مجتمعية تكون مثارة في هذا التوقيت، وتنتشر على نطاق واسع دون أن يتبناها الأزهر كمؤسسة دينية رسمية.
ودفع الانتشار الواسع لصورة قطة صعدت على كتف إمام وهو يصلي في أحد المساجد بالجزائر، وما حققته من احتفاء واسع من مغردين في العالم خلال شهر رمضان الماضي، الشيخ أسامة الأزهري إلى إعادة نشر صورة مشابهة مع إحدى القطط اقتحمت درساً له بالجامع الأزهر، لافتا إلى أنها قامت بتقبيله واعتبر أن المشهد “هز قلبه بشدة”.