مواقع التواصل تدين صحافيين نسوا رسالتهم الإنسانية لتصوير إحراق شاب لنفسه

تصاعدت الانتقادات على مواقع التواصل ضد الصحافيين والمصورين الذين قاموا بتغطية حادثة إحراق الشاب الكردي - الإيراني لنفسه دون أن يقوموا بنجدته، فيما طالب ناشطون بمحاسبتهم وإعادة توعيتهم بما تقتضيه مهنة الصحافة.
أربيل (العراق)- صدم المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو ظهر فيه شاب كردي - إيراني أقدم على إضرام النار بنفسه أمام عدسات الصحافيين قرب مبنى الأمم المتحدة في عاصمة إقليم كردستان في العراق بسبب ظروفه المعيشية وتأخر دراسة طلبه للجوء خارجا، دون أن يبادر الصحافيون إلى منعه.
وفور إقدامه على إشعال نفسه، هرع شاب كان يقف بجانبه لإطفاء النار. ومع ذلك، أصيب الشاب بجروح خطرة. وتغطي الحروق 90 في المئة من جسده، وفق ما أفاد أطباء في مستشفى في أربيل أسعفه إليه عاملون في الأمم المتحدة ويقبع الشاب بين الحياة والموت.
وأثارت الحادثة جدلا واسعا وانتقادات للصحافيين والمصورين في وسائل الإعلام المحلية الذين غطوا الحادثة مباشرة فيما الشاب يحمل قارورة بنزين قبل أن يقوم بوضع المادة على جسده ويشعل نفسه، بينما يتحدث إليهم. وانتشر مقطع الفيديو ومدته نحو دقيقة على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا فيسبوك، قبل أن يتم حذفه.
وأكد صحافي عراقي أن هؤلاء يجهلون الدرس الأول في جوهر الصحافة، صحيح أن الصحافي يتابع الأخبار السيئة لكن لا يصنعها ولا يكون شريكا فيها، وهو ما أثار غضب الرأي العام في كردستان. وعلق الصحافي مصطفى كامل في حسابه على تويتر على الحادثة:
وقال مغرد:
Mahmood_Najar@
عندما يتنازل الإعلام عن أخلاقياته وقيمه، ويستخدم الشهرة والتسويق على حساب أرواح البشر.
وكان الشاب واسمه محمد محمودي ويبلغ من العمر 27 عاما يقول قبيل إحراقه نفسه “بسبب النضال في سبيل كردستان نزحت من كردستان الشرقية (في إيران) وأصبحت لاجئا”.
وأضاف “هذا هو وضعنا، هل من المفروض أن نعيش هكذا بسبب السياسة؟ هل هذه حياة؟ أهكذا نعاقب بسبب نضالنا؟ نعيش ككلاب مشردة منذ أربع سنوات. إذا عدت إلى إيران سوف أعدم، وهنا لم يبق لنا مكان سوى المتنزهات العامة أو المساجد أو المنازل غير المكتملة”.
نقابة صحافيي كردستان:
كان واجبا على الصحافيين المتواجدين إلقاء سماعاتهم وكاميراتهم أرضا والركض نحو الشاب لنجدته
وأفاد أصدقاء له بأن محمودي المتحدّر من مدينة بوكان الكردية في إيران يقيم في أربيل منذ أكثر من أربع سنوات، وقدّم طلب لجوء أمام الأمم المتحدة، إلا أن دراسة طلبه تأخرت.
وروى أصدقاؤه بأنه يعيش في ظروف صعبة ووسط ضغوط نفسية، بينما والداه كبيران في السن ويعيشان في إيران. وهو يعمل أجيرا مياوما في أربيل. وكان ينتمي إلى حزب إيراني معارض يتواجد في كردستان.
ومحمودي واحد من الآلاف من الإيرانيين الأكراد الذين يعبرون الحدود بين البلدين بحثا عن عمل بأجر يومي بسيط. وتتمركز في إقليم كردستان العراق أحزاب سياسية كردية إيرانية معارضة منذ أكثر من عشرين عاما.
وطالب العديد من الناشطين والمغردين بمحاسبة الصحافيين الذين صوروا الحادثة دون التدخل لإنقاذ الشاب، معتبرين أنهم مشاركون في قتله. وقالت مغردة:
وكتب أرشد خليل، وهو أكاديمي في جامعة صلاح الدين في أربيل، على فيسبوك “على الصحافيين الالتزام بالمعايير والمبادئ الصحافية وعدم تصوير أو تغطية مثل هذه الحوادث لأنها تشجع الآخرين على القيام بها وأيضا تعرض حياة الصحافيين أنفسهم للخطر”.
وأدانت نقابة صحافيي كردستان، في بيان رسمي، سلوك الصحافيين الحاضرين في التعامل مع الموقف أمامهم. وقالت النقابة “من المؤسف تصرف الصحافيين والفضائيات، التي تواجدت في مكان الحادثة بعدم مسؤولية، هم انشغلوا بتغطية الحدث، اهتموا بنقل حادث حرق الشاب لنفسه عوضا عن لجمه ومنعه من إضرام النار بجسده، وذلك كان سيجسد مهنيتهم وإنسانيتهم وأخلاقهم، كان بإمكانهم فعل ذلك”.
حالة الشباب الأكراد في إيران تعتبر أكثر صعوبة بسبب الاضطهاد القومي من قبل السلطات الإيرانية
وأضافت “هذه الواقعة تثبت أن وسائل الإعلام لدينا تهتم فقط بالخبر، وليس مضمون الخبر وتداعياته، وإلا فقد كان واجبا على الصحافيين المتواجدين إلقاء سماعاتهم وكاميراتهم أرضا والركض نحو الشاب لنجدته بدلا من الاكتفاء بالمشاهدة ومراقبة الأمر بسلبية”.
وأعادت هذه الحادثة المأساوية طرح قضية معاناة اللاجئين حول العالم، ممن يتقدمون بطلبات لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، لضمان حصولهم على حق اللجوء والإقامة في دول آمنة لهم لكن دون جدوى، حيث يضطر الكثيرون منهم للانتظار سنوات طوال دون البت في طلباتهم وتسوية أوضاعهم. وعبر ناشط:
maanaljizzani@
منذ الأمس وأنا أقرأ انتقادات لاذعة للصحافيين وأتفق أن ردة فعلهم كانت سيئة للغاية، ولكني لم أعرف حتى هذه اللحظة لماذا أحرق هذا الشاب نفسه وماذا كان يريد ومن أوصله إلى كل هذا اليأس؟
وقال آخر:
ونقل مغرد يدعى مُؤمَّل الجُبوري عن صديق الشاب من كردستان أنه مواطن إيراني مُسجل كلاجئ في الأمم المتحدة في العراق منذ أربع سنوات، ويواصل منذ سنتين مراجعتها من أجل إتمام معاملته، وفي يوم الحادثة قال للموظفين إنه تعب من المراجعة فما هو الحل، وأضاف “من قهركم سأحرق نفسي”، ليجيبوه “اذهب واحرق نفسك بمكان آخر بعيد عنا”.
وذكرت مصادر صحافية أن حالة هذا الشاب مماثلة للآلاف بل والملايين من الشباب في كردستان إيران، وفي عموم إيران ممن يضطرون للفرار من جحيم الحياة المذلة داخل وطنهم، حيث تفشي القمع والفقر والبطالة وانعدام الحريات، في واقع رهيب وطارد يقتل أحلام الشباب.
محمودي واحد من الآلاف من الإيرانيين الأكراد الذين يعبرون الحدود بين البلدين بحثا عن عمل بأجر يومي بسيط
وتعتبر حالة الشباب الأكراد في إيران أكثر صعوبة بسبب الاضطهاد القومي أيضا من قبل السلطات الإيرانية، وحتى عندما يهربون نحو الخارج، فإنهم في كثير من الأحيان يلاقون ظروفا قاسية ويقضون سنوات في المجهول دون معرفة المصير الذي سيلاقونه.
ويعاني نحو 15 مليون كردي في إيران من انعدام أبسط حقوقهم القومية والديمقراطية، وتطبق السلطات سياسات تمييز قومي ممنهج ضدهم وتمارس سياسات القمع والإرهاب بحقهم. ويرصد مراقبون تزايدا في ممارسة الضغط وحملات المداهمة والاعتقالات ضد الأكراد مؤخرا.