مواقع التواصل الاجتماعي تحل مشكلة "خيانة الذاكرة"

خبراء يرون أن ميزة "الذكريات الرقمية" تكمن في أنها تحفز المستخدمين أكثر على متابعة الذكريات والأحداث الماضية.
الاثنين 2019/01/14
تخليد كل تفاصيل الحياة داخل الذاكرة الرقمية

إذا كانت لدى بعض الناس قدرة محددة على استحضار الذكريات، فلا يجب عليهم أن يقلقوا بهذا الشأن، هناك مساحة كافية متوفرة في مواقع التواصل للاحتفاظ بذكرياتهم واسترجاع كل ما مروا به في أي تاريخ من حياتهم، لكن الأهم من كل هذا هو أن تعمل هذه التكنولوجيا بكفاءة ودون عطل وألا تتم قرصنة حساباتهم أو التلاعب بمحتوياتهم فتضيع جميع ذكرياتهم.

أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي للكثيرين إمكانية رؤية مراحل العمر المختلفة على الإنترنت، وإنشاء سجل سهل الوصول إليه من الذكريات والاستمتاع بتسلسل جيد لمراحل العمر المختلفة.

وأصبحت الصور والمعلومات التي يتم تبادلها على مواقع التواصل من قبيل فيسبوك وتويتر وإنستغرام وغيرها، معينا لا ينضب من الذكريات التي يدونها الناس وبلهفة شديدة.

ولم تحظ الأجيال السابقة بتجربة مثيلة لتوثيق ذكرياتها افتراضيا وعلانية وبشكل مكثف بهذه الطريقة التي منحتها مواقع التواصل الاجتماعي لجيل الألفية، ما سهل عليه إمكانية العودة إليها متى شاء.

وبوسع حتى الأشخاص المصابين بمتلازمة “ضعف الذاكرة الذاتية” الاحتفاظ بالكثير من المعلومات والصور والمقاطع المصورة، ومثل هذا الأمر يتيح لهم استذكار تفاصيل كل ما قاموا به من أنشطة، ونوع الملابس التي ارتدوها، وأين كانوا في وقت ما من الأوقات.

وبإمكانهم أيضا تذكر الأحداث العامة والشخصية بكل تفاصيلها الدقيقة، وعلاوة على ذلك، باستطاعتهم إدراك أن من حولهم لا يفبركون قصصا أو يختلقون تفاصيل أو ذكريات وهمية لا تمت لحياتهم بصلة.

ويعتقد الخبراء أن ميزة “الذكريات الرقمية” تكمن في أنها تحفز المستخدمين أكثر على متابعة الذكريات والأحداث الماضية وتذكر الأصدقاء الذين تمت مقابلتهم قبل سنوات.

ومن الأساليب التي تستعين بها شركة فيسبوك على سبيل المثال لترسخ مكانتها ليس كمجرد موقع للتواصل الاجتماعي فحسب، وإنما أيضا كسجل يحتفظ بذكريات المستخدمين، تقديم ميزة التذكير بأعياد ميلاد الأصدقاء، مع إنشاء فيديوهات تحتفي بعلاقة الصداقة التي جمعت الأصدقاء.

وفي يونيو الماضي أطلقت فيسبوك “صفحة الذكريات” للمشتركين، والتي تهدف بالأساس إلى عرض محتوياتهم القديمة وتذكيرهم بما قاموا به سابقا على شبكتها الاجتماعية.

استخدام الكاميرات يمنع الناس من تذكر الأحداث التي يحاولون الحفاظ عليها عالقة في أذهانهم

وهذا التحديث مكن روادها من استرجاع الذكريات الأسبوعية أو الشهرية التي حصلت لهم في الفترات السابقة.

وتتشابه “صفحة الذكريات” بشكل كبير مع ميزة “في مثل هذا اليوم” التي أطلقتها فيسبوك قبل ثلاث سنوات، كي تتيح للمستخدمين إمكانية استعراض أبرز ذكرياتهم على شبكتها خلال الأعوام الماضية، بما في ذلك المنشورات والصور والمشاركات التي تبادلوها مع بعضهم البعض، والأصدقاء الذين قاموا بإضافتهم على مدى السنوات الماضية.

ورغم أن هذه التطبيقات لم تلق ترحيبا كبيرا من قبل بعض المستخدمين الذين أشاروا إلى أنها تذكرهم بلحظات محرجة أو انفصال أليم وغير ذلك من الأحداث التي يرغبون في نسيانها، إلا أن فيسبوك أكدت أن أكثر من 90 مليون شخص حول العالم يستخدمون خاصية “في مثل هذا اليوم”، مشددة على أن بحوثها قد أثبتت أن هذه الذكريات من شأنها أن تعزز من تحسين المزاج، بسبب تذكير المستخدمين بالأحداث المرحة وأهم لحظات حياتهم.

لكن المشكلة بالنسبة للخبراء تكمن في أنه كلما زادت كمية الأشياء المنشورة والصور الملتقطة تداخلت هذه الذكريات في ذاكرة الناس، فتقوم المعلومات عديمة الأهمية بالتعتيم على محاولاتهم تعميم المحتويات المهمة للذاكرة وتحويلها إلى أفكار تكون أساسية في اتخاذ القرارات.

فمثلا عندما يتلقى شخص إشعارا من فيسبوك يلفت انتباهه إلى صورة بعينها من حفل زفاف، قد يؤدي ذلك إلى نسيانه تفاصيل أخرى متعلقة بالحفل. ومن شأن هذا الأمر أن يقود إلى حدوث مشكلات، خاصة أن ما ينشره المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي يكون في الغالب قد اختير بعناية فائقة وهُذب وصُقل لكي يقدم رؤية غير واقعية عن أنفسهم.

وكشفت إحدى الدراسات الأميركية أن التقاط الصور ونشرها باستمرار، يتسببان في ضعف الذاكرة، وتراجع القدرة عند الأشخاص على استحضار الذكريات، لأن من يلتقط الصور يكون مشتتا للغاية من أجل الحصول على الصورة الصحيحة.

وعلقت الباحثة إيما تملتون، التي أشرفت على الدراسة، قائلة “يمنع استخدام الكاميرات الناس من تذكر الأحداث التي يحاولون الحفاظ عليها عالقة في أذهانهم، كما أن استعمالها يجعلنا ننساها بشكل أسرع وأسهل”.

 الذاكرة الرقمية ملاذ غير آمن للاحتفاظ بالذكريات
 الذاكرة الرقمية ملاذ غير آمن للاحتفاظ بالذكريات

ورغم أنه لا يوجد ما يكفي من معلومات وأبحاث للوصول إلى نتائج نهائية وحاسمة في هذا الشأن، إلا أن هناك عدة مؤشرات على أن مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر على الناس بأشكال مختلفة، وكما هو الحال مع بقية مغريات العصر الحديث، فإن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي غير مفضل ولا يُنصح به من قبل بعض الخبراء.

وفي هذا الشأن كتبت جوليا شو، أستاذة علم النفس بجامعة كوليدج لندن ومؤلفة كتاب “وهم الذاكرة”، أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أصبحت تملي على البشر أي الخبرات والتجارب الحياتية تُعتبر الأكثر أهمية في حياتهم وأيها لا، وهذا قد يجعل هذه الوسائل تمحو الذكريات التي لا يعيد الأخرون نشرها على حساباتهم، نقلا عن أصدقائهم.

وأوضحت بالقول “مثل هذا الأمر قد يؤدي أيضا إلى تعزيز حضور الذكريات، التي يرى الجميع أنها الأكثر جاذبية وقابلية لأن تحظى أيضا بأكبر عدد من إشارات الإعجاب على وسائل التواصل، وهو ما قد يجعل بعض الذكريات تبدو أكثر أهمية من غيرها، ويبقيها في الذهن والذاكرة على نحو أكبر مما كانت عليه في الأصل”.

ومن جانبها رجحت الباحثة ماريا ويمبر، من جامعة بيرمينغهام، أن اللجوء إلى البحث عن المعلومات إلكترونيا “يمنع بناء ذكريات على المدى البعيد”.

وكشفت دراسة أجريت على عينة تتكون من ستة آلاف شخص من البالغين في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا ولكسمبورغ، أن ثلثهم يلجأ إلى الكمبيوتر ليتذكر المعلومات.

لكن في الوقت نفسه سيكون من الخطأ القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سيئة بشكل عام، لأنه من الواضح أنها قد تحقق فوائد لا تُحصى في حياة الناس، وإذا كانت فئة كبيرة من الأشخاص تجد فكرة الذاكرة الرقمية جذابة جدا، فربما يحتاج كل منا إلى أن يسأل نفسه أسئلة مهمة عن نوع العلاقة التي يتمنى أن تكون لديه مع ذكرياته.

وحتى لو لم تكن لديه الإجابة، فيكفي التفكير في أن الذكريات من ضمن أثمن ممتلكاتنا، وأكثر ما نخشاه أن تشوه التطبيقات التكنولوجية التسلسل الزمني للأحداث في أذهاننا، ولا تتوافق مع ما حدث في الواقع، لكن قد تكون الذكريات الرقمية مماثلة في قيمتها من وجهة نظر من تخونهم الذاكرة الذاتية وقت الحاجة.

12