مواجهة غير متكافئة بين الإعلام المصري والصحافة الغربية

تقارير إعلامية غربية تنتصر لرؤية الإخوان وتستفز القاهرة.
الجمعة 2023/08/18
الإعلام الغربي يرسم صورة قاتمة لاقتصاد مصر في عهد السيسي

يركن الإعلام المصري مجددا إلى شماعة “المؤامرة” في ردوده على تقارير غربية بدت منتصرة لرؤية تنظيم الإخوان، لاسيما في ما يتعلق بأحداث رابعة. ويرى خبراء أن هذه الردود تعكس قصورا من حيث عدم استنادها إلى معلومات وتبريرات مقنعة.

القاهرة - عاد الاشتباك يطفو على السطح بين الصحافة الغربية ووسائل الإعلام المصرية عقب نشر تقارير وجهت انتقادات لاذعة للقاهرة، ارتبط أغلبها بالأوضاع الاقتصادية وكيفية التعامل معها، مع عودة الملفين الحقوقي والسياسي إلى التصاعد مرة أخرى، تزامنا مع الذكرى العاشرة لفض اعتصام رابعة العدوية بالقوة في القاهرة، وسعي جماعة الإخوان إلى استخدامه في سياق التذكير بمظلوميتها الشهيرة.

وجه إعلاميون مصريون انتقادات لبعض وسائل الإعلام الغربية التي منحت رواية جماعة الإخوان مساحة من الاهتمام، واعتبروا أن التركيز على الأوضاع المصرية "جزء من مؤامرة" على الدولة المصرية، ولا ينفصل عن حملات الإخوان. ومنذ لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل عام ونصف العام تقريبا بعدد من مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية، ثم إجراء رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي"، خفتت كثيرا وتيرة الانتقادات الموجهة من جانب الإعلام المصري لنظيره الغربي.

وبدا واضحا أن العلاقة بين الإعلام المصري والغربي يمكن أن تعود إلى السخونة مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المصرية والجدل الدائر حولها بشأن مشاركة أو مقاطعة المعارضة لها، وقد تكون مناسبة لتسليط الأضواء على ما يجري في مصر. وأثارت افتتاحية لمجلة "إيكونومست" قبل أيام بعنوان "خراب مصر" جدلا واسعا في القاهرة، ووجهت المجلة انتقادات لاذعة للنظام المصري وتوقعت حدوث انتفاضة.

أمينة النقاش: بعض الردود تضر القاهرة أكثر مما تفيدها
أمينة النقاش: بعض الردود تضر القاهرة أكثر مما تفيدها

ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريرا مطولا، الاثنين، حوى خمس شهادات لمصريين قالت إنهم كانوا شهود عيان على واقعة اقتحام ميدان رابعة العدوية، وجاءت متماشية مع رؤية تريد جماعة الإخوان تمريرها للعالم، وضمن حملة روج لها التنظيم بإنتاج وثائقي "فض الاعتصام" تم عرضه في العاصمة البريطانية لندن.

وتكررت الحملات المدافعة عن رؤية تنظيم الإخوان التي وجهت انتقادات حادة للأجهزة الأمنية في مصر بشأن فض اعتصام رابعة في موقع "دوتشيه فيلة" الألماني، الذي نشر تقريرا عن أحداث الفض، تضمن شهادات للعديد من الحقوقيين المقيمين في الخارج. وكان المقال الذي نشرته قبل أيام "فورين بوليسي" الأكثر قسوة حول دور الرئيس السيسي في "تدمير" الاقتصاد المصري، والذي أحدث دويا في القاهرة، وتلقفته وسائل إعلام إخوانية للتدليل به على روايتها المتشائمة للأوضاع الاقتصادية.

ورد الإعلامي المصري أحمد موسى من خلال برنامجه "على مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد" على هجمات الصحافة الأجنبية ووصفها بـ"الممنهجة" والتي توقع أن تزداد ضد الدولة المصرية كلما اقتربت البلاد من انتخابات الرئاسة، واتهم المخابرات الإنجليزية ومن أسماهم أذرعها بالوقوف خلف العديد من التقارير، معتبرا أن الهدف هو تقديم الدعم لتنظيم الإخوان المصنف إرهابيا في مصر.

وشن نشأت الديهي، مقدم برنامج "بالورقة والقلم"، على فضائية "تن" هجوما مماثلا على الإعلام الغربي في حلقته المذاعة، مساء الاثنين، معتبرا ما جاء في "إيكونومست" أشبه بإعادة لمصطلحات مماثلة نشرت في مجلة “فورين بوليسي" عام 2016، وأن استخدام مصطلح “الخراب” يتم ترديده من قبل وسائل إعلام معادية، واتهم رجال أعمال (لم يسمهم) بتمويل هذه الحملات، مشيرا إلى أن المنصات الغربية لا تسمح بحق الرد لتوضيح الحقائق.

وكانت "فورين بوليسي" رفضت نشر مقال للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد الشهر الماضي، ردا على مقال هاجم القاهرة بضراوة. واعتبر الديهي شهر أغسطس الحالي هو شهر الهجوم الإعلامي على مصر، في إشارة إلى تزامنه مع ذكرى فض اعتصام رابعة، وأن “محاولات التشكيك في الدولة المصرية عن طريق مقالات مدفوعة الأجر وتقارير مؤدلجة لن تتوقف".

ولم تقدم وسائل الإعلام المصرية ردودا مبنية على معلومات في وجه حملات الإعلام الأجنبي، واتخذت طريقا سهلا يتمثل في اتهامها بتنفيذ مؤامرات وأجندات خفية، وهو خطاب لا يقنع الداخل والخارج، خاصة أن "إيكونومست" نشرت تقارير إيجابية عن الاقتصاد المصري، واتهامها بالعمالة ليس منطقيا باعتبار أنها من أكثر المجلات انتشارا وتأثيرا على رجال الأعمال والمستثمرين وصناع القرار في العالم.

وقال خبراء إعلام لـ"العرب" إن تفنيد ما تضمنه تقرير “إيكونومست” وغيرها أمر مطلوب، وليس من المنطقي أن تطالب المجلة الرئيس المصري بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، كما أن ما نشرته من أرقام وإحصاءات بشأن الاقتصاد يمكن الرد عليه بالمعلومات أيضا، وهو سلوك تتخذه الهيئة العامة للاستعلامات المنوط بها التعامل مع الإعلام الأجنبي.

وأوضحت الكاتبة الصحافية أمينة النقاش أن الحملات الإعلامية التي تحمل انتقادات للنظام المصري سوف تتصاعد حال استمر التعامل معها بنفس أدوات الإعلام السائد في مصر، وأن بعض الردود تضر القاهرة أكثر مما تفيدها، لأن الجمهور المتابع في الداخل والخارج يسعى للتعرف على الحقيقة وليس الارتكان إلى نظرية المؤامرة.

وأضافت في تصريح لـ"العرب" أن مشكلة الإعلام المصري تتمثل في تراجع المصداقية، في حين أن الدولة بحاجة إلى إعلام متعدد الأصوات، ولم تعد هناك حاجة إلى الإعلام الدعائي، فتدفق المعلومات من أهم الأسلحة التي يمكن من خلالها الرد على معلومات وافتراءات الإعلام الغربي التي تحمل أكاذيب أو مبالغات أحيانا، وأن عدم وجود إعلام جذاب يقوم على الحقائق في مصر يخدم خصوم القاهرة في الخارج.

◙ مشكلة الإعلام المصري تتمثل في تراجع المصداقية، في حين أن الدولة بحاجة إلى إعلام متعدد الأصوات، ولم تعد هناك حاجة إلى الإعلام الدعائي

وأشارت النقاش إلى أن الهيئة العامة للاستعلامات تعمل في ظروف صعبة، انعكست على طبيعة أدوارها، لكنها تحاول أن تكون أكثر تواصلا مع المنصات الأجنبية، وأن مجابهة ما يعرف بالمال السياسي الذي يوظف لمهاجمة مصر عملية صعبة وبحاجة إلى إمكانيات وقدرات إعلامية لتكون ندا قويا لما يقدم من معلومات عن مصر.

واستطاعت منصات رقمية على مواقع التواصل الاجتماعي أن تسبق الإعلام التقليدي، وحديث الإعلام المصري عن التدخل في الشأن الداخلي قد لا يكون له مكان في ظل تدفق المعلومات على هذه المنصات، ويبقى الفيصل في المواجهة هو مدى استخدام الحقائق في الرد بشكل مستمر، ونشر بيانات موثقة.

وأشارت أمينة النقاش في تصريحها لـ”العرب” إلى أنه لا أحد ينكر في مصر وجود أزمة اقتصادية تسببت فيها الحكومة بوقوعها في العديد من الأخطاء، زادت مع حدوث تطورات خارجية مفصلية مثل الأزمة الروسية – الأوكرانية، ومع ذلك من الصعب استخدام حديث المؤامرة والتركيز عليه، مع مراعاة أن ما يبثه وينشره الإعلام الغربي قد يتصاعد الفترة المقبلة، ولا بد من تجهيز الأسلحة الإعلامية الفاعلة للتعامل معه.

ودخل نشطاء مصريون الأيام الماضية في جدل حول ما إذا كانت المحتويات المنشورة على هيئة مقالات وتقارير في بعض الصحف الغربية مثل "فورين بوليسي" و"إيكونومست" تعبر عن وجهة نظر هذه المؤسسات أم عن وجهة نظر كتابها. وكتب الحقوقي المصري البارز نجاد البرعي على حسابه الشخصي على فيسبوك وX (تويتر سابقا)، أنه يجب النقل عن كاتب المقال وليس اسم الموقع أو المجلة.

واختلف معه مدير معهد لندن للدراسات الإستراتيجية مأمون فندي الذي أشار إلى أن المقالات لا تعكس وجهات نظر المجلات فقط، بل المؤسسات التي تقف خلفها. ولا يزال الانقسام والنقاش مستمرين في مصر حول ما يكتب في الصحافة الغربية وما إذا كان استهدافا أم تعبيرا عن رؤى حقيقية لما يجري في البلاد، لكن الاتفاق يبدو كبيرا حول طريقة الرد عليه من قبل الإعلام المصري، والتي تحتاج إلى مراجعة مهنية.

5