مهمة الروائي إثارة الشك وإعادة الاعتبار للمنسي والمهمش

تعززت رفوف المكتبات المغربية بعمل روائي جديد للكاتب المغربي رشيد السروري يحمل عنوان ”يوميات مهندس فاسد”. وتجمع الرواية بين ثيمة الحب والفساد السياسي والإداري والاقتصادي وطرق التفاوض والزبونية وبناء الثروة التي تتخللها الجلسات الجنسية، وغيرها من الخفايا المثيرة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب حول روايته الجديدة.
تدور أحداث رواية ”يوميات مهندس فاسد” للكاتب رشيد السروري حول مهندس زراعي مغربي قادم من الأرياف إلى العاصمة ليستكمل مساره العلمي والمهني والسياسي، واضطر البطل وفق تسلسل أحداث العمل الروائي؛ إلى التخلي عن عائلته، لكن في النهاية، لم يجد المهندس بعد خروجه من السجن بعد تهم الفساد العديدة التي تلاحقه، من مساند سوى الزوجة الأولى المخلصة له ولأبنائه رغم الإغراءات الكثيرة.
وتغوص الرواية في جانب اجتماعي هام يتناول مسألة الترقي أو صعود السلّم الاجتماعي بطرق ملتوية، إذ غالبا ما يكون الفساد وسيلة الكثيرين الفردية لبلوغ مآربهم.
الصعود إلى القمة
حول الظروف التي جعلته يفكر في دخول غمار الرواية المعقد، وكيف اختار شخصيات العمل الروائي لتشخيص التحول السياسي والاجتماعي في المغرب، وعن أهمية الرمز في تبليغ رسالته سرديا، يقول السروري “الرواية في تفاصيلها تقترب كثيرا من المذكرات والسيرة الذهنية، فالسرد جاء بضمير المتكلم للشخصية الرئيسية والمحورية (هو المهندس)، الذي يتخرج من الجامعة وله طموح في تسلق النخبة أفنى سنواته الدراسية للتحصيل لبناء مشروعه ومغادرة الفقر إلى غير رجعة”.
ويضيف “دخل بطل الرواية عالم الفساد بتزويره توقيع شريكه الرجل الطاعن في السن وهو من علمه كيفية أخذ الصفقات بتنظيم حفلات الجنس الجماعي للنخبة البيروقراطية، هي أول فرصة كانت له للتعامل مع نخبة إدارية فاسدة، والشهرة والانخراط في السياسة أيضا، وبات أحد رجالها حتى أنكر نفسه، فهو ينظر في المرآة ولا يرى نفسه، بل يرى إنساناً فهلويا باع المبادئ التي تربى عليها حتى أضاع نفسه، باعته رغباته في سوق النخاسة بثمن بخس، حيث رجال معروضون للبيع”.
ويبين السروري أنه استخدم رموزا سياسية لشخصية السياسي المتلاعب بالمشاعر بتوزيع الوعود الكاذبة مع حشد تواريخ لحوادث سياسية واجتماعية، كما احتوت الرواية على عناوين داخلية كثيرة مثل “المهندس رابح حمادي البور”، “بهجة”، “المفضل” وغيرها، فبطل الرواية عبدالسلام الملقب بنونوس وعبدالمنعم البروفيسور وزريقة أمين السمسار وغيرها من الشخصيات، وهي حشد روائي داخل متن السرد مع تحول هامش الحكاية إلى تذكير للقارئ ولفت نظره، باستخدام تقنية سردية لإنتاج دلالة خطاب من خلال بنية تنفتح على عوالم واقعية وتوحي بوجود رمزية مفتوحة الاحتمالات السياسية والاجتماعية وحيثيات حكائية تشير إلى دائرة تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة بين مدن مغربية وعواصم أوروبية وأفريقية.
ويتابع الكاتب المغربي “كما لا يمكن إنكار وجود دوافع ذاتية خفيّة في خوض مغامرة كتابة الرواية، فالكتابة تحقّق لي الرغبة الفكرية، في إسقاط الوعي بالكينونة وسيرورة الزمن، وتحقيقا للذات وأرشيفا للمسار والتأريخ”.
على الروائي النفاذ في عمق المشاعر الإنسانية واستخلاص النتائج النسبية وبناء الأفكار من خلال تجربته الذاتية
وهناك من الروائيين المغاربة من استثمر البعد التاريخي في بناء نصه الروائي مثل عبدالكريم الجويطي، فيما آخرون جعلوا من الهم الاجتماعي والسياسي مجالا لإبداعهم، هنا تسأل “العرب” السروري حول الظروف التي دفعته إلى اختيار الهيكل العام لروايته الأولى وإن كان سيستمر في نفس المسار في مشاريعه المقبلة، ليجيبنا “الالتزام بمشاغل الشارع المغربي يقع في صميم الهم الروائي والتجربة هي مقدمة للأعمال الأدبية، أرجو أن تكون متتالية في صميم الالتزام بالقضايا الاجتماعية والسياسية والدفاع عن الحريات والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ورصد اللحظة التاريخية التي تعرف تحولات في المجتمع المغربي وهي نتيجة عوامل موضوعية سياسية واقتصادية واجتماعية، منها الفساد السياسي والهجرة وآثار العولمة الاقتصادية والأزمة الاقتصادية العالمية”.
ويضيف الكاتب “هي محاولة للبوح والتعبير عن حياة المواطن المغربي من نواح عديدة، أكثر ما هي بالمنطق الكلاسيكي الذي يجسد رؤية سياسية، لهذا فإنني شخصيا لا أعتبر الرواية رواية سياسية وإن كانت هناك تقاطعات عديدة، لكون الرواية السياسية هي التي تهتم بمناقشة الأفكار السياسية وإن كان على حساب الخصائص الفنية. ويتمثل دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الشعب، غير أن يوميات المهندس الفاسد تحاول التعبير عن مشاغل وصعوبات المرحلة التي يمر منها الوعي الجمعي لشريحة تريد الصعود إلى القمة أكثر من سعيها للتغيير”.
الفن والسياسة
هناك من هو قادم إلى الرواية من أجناس أدبية أخرى كالشعر والقصة القصيرة، نسأل السروري حول هذه الانعطافة في مساره الإبداعي من مجال الفن التشكيلي إلى الرواية، وإن كانت قد انعكست رؤيته للألوان والظلال والضوء على خلق ظروف عيش شخصياته والتحكم في مسارها داخل عمله الروائي.
ويقول الكاتب “هناك جدلية بين الفن التشكيلي بين النص البصري وبين النص السردي فالتجربة التشكلية؛ جوهرها الألوان ومحركها الريشة، أما التجربة الروائية فهي الشخصيات والزمان والمكان ومشاهد الرواية، وكلهما يحملان حمولات ثقافية وفنية وقيمية وجمالية، وبالنسبة إلي لا يمكن الفصل بينهما لما يمثلانه من قدرة على الكشف عن تفاصيل من الأحداث وحضور المتخيل. جنس الرواية هو تماس مباشر مع الحياة البشرية، والرغبة من خلال خلق نوع من التراكم لمجموعة من الأحداث بشكل فني وموضوعي وبما يعجز التأريخ في التعبير عنه”.
ويصنف بعضهم السروري ضمن الأصوات الروائية الشبابية الجديدة في المغرب، وهو الذي تنظر روايته الأولى إلى المجتمع المغربي من زوايا متعددة، وحول الإضافة التي يراها في مشروعه على المشهد الروائي في المغرب، يقول الكاتب “أرفض تصنيف الرواية والأدب عموما بأدب شبابي أو أدب نسوي، فالأدب لا يمكن تصنيفه على أساس فئوي أو جنسي أو عمري.عموما يبقى الأدب إبداعا وتجربة ذاتية والنظر إلى المجتمع يختلف وفق موقع الأديب وحسه، لهذا فمن الطبيعي أن يعطينا التعدد والتنوع لمجتمع كمجتمعنا المغربي الغني بتراثه والمتعدد بثقافته وهو ما يجعل الرواية المغربية متفردة عن الرواية الشرقية”.
وكونه ينتمي إلى هيئة سياسية، تسأل “العرب” السروري حول رأيه في من يقول إن الانتماء السياسي للروائي قد يؤثر على متن السرد وقناعاته ويقلص من جرأته والحيثيات الحكائية للعمل الإبداعي، أم أن الأمر بالنسبة إليه يغري بوجود مجالات مفتوحة من التراكمات والمعاني التي تحملها الرواية كمجال لتمرير رؤيته وقناعاته من خلال الشخصيات الرئيسية في هذه الرواية.
يقول السروري “هذا تصور في تقديري بات متجاوزا في ظل المتغيرات التي عرفها المغرب عموما والمنظومة الحزبية على وجه الخصوص، فالتحول الديمقراطي الذي شهده المغرب جعلنا نتجاوز منطق الإبداع سنوات الرصاص، وأنا أنتمي لجيل المصالحة وما بعد الخيار الديمقراطي الذي يلزمنا تحصينه وتكريسه من خلال ثورة ثقافية وقيم جديدة بعيدا عن القيم السابقة، التي كانت تؤسس للانضباط التنظيمي”.
ويتابع “الإطار الذي أنتمي له وهو التجمع الوطني للأحرار، رسالته السياسية وبرنامجه الثقافي يقوم على إعادة النظر في ترسبات الأفكار وركام الأحداث، بغاية ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية؛ لهذا فإن العمل الحزبي بالنسبة إلي محفز لقناعتي، فمهمة الروائي في رأيي هي إثارة الشك وإعادة الاعتبار للمنسي والمهمش، ومحاولة النفاذ في عمق المشاعر الإنسانية، واستخلاص النتائج النسبية. وبناء الأفكار من خلال تجربته الذاتية في الانغماس بالتأمل في مرامي الرواية، دون المرور على المعايير الجمالية والفنية السابقة، فالرواية هي رفض لكل ما هو رسمي ويقيني مع إبراز التنوع والتعدد”.