مهرجان "دواير" ينعش الثقافة المصرية من بوابة القطاع الخاص

تظاهرة مستقلة تتحول إلى حدث ثقافي يدعم معرض القاهرة للكتاب ولا ينافسه.
الجمعة 2023/07/14
نموذج مستقل ومصغر لمعرض القاهرة

يجب ألّا تبقى الفعاليات الثقافية حكرا على الدولة فقط، بل يجب إشراك القطاع الخاص وتفاعل كل الأطراف بما فيها الدولة نفسها لخلق حراك ثقافي متكامل يمكنه أن يحدث التأثير المرجو، وهذا ما انتبه إليه القائمون على مهرجان “دواير” الجديد في مصر، والذي يسعى لسد شغورات عديدة في الساحة الثقافية.

القاهرة- أحدث مهرجان “دواير” الثقافي في دورته الأولى ما يمكن وصفه بحالة “انتشاء ثقافي” في موسم الصيف الذي تغلب عليه الفعاليات الفنية وتتراجع فيه الندوات الأدبية، فقد أشاع الحضور الجماهيري الكبير في مسرح “راديو” السينمائي بوسط القاهرة أجواء من التفاؤل بأن الفعل الثقافي لا يزال مرحبا به رسميا وشعبيا.

وبعث المهرجان الذي تشرف عليه جهات خاصة بإشارات إيجابية تؤكد أن ما بدا كأنه فراغ ثقافي يمكن شغله بمزيد من المناسبات التي تسهم في زيادة التنوير المعرفي ودعم الوعي الأدبي، ويمكن خلق مواسم جديدة للقراءة تعزز الدور المحوري الذي يلعبه مهرجان القاهرة الدولي للكتاب الذي تنظمه وزارة الثقافة في مطلع كل عام.

ثيمة المهرجان

يحمل المهرجان، الذي انطلق في السادس من يوليو الجاري ويختتم في الخامس عشر منه، دلالات ثقافية عدة لأن تنظيمه جاء من دور النشر الخاصة وليس من قبل دوائر رسمية، من خلال تعاون بين مكتبتي “ديوان” و”تنمية” الشهيرتين في القاهرة.

أحمد القرملاوي: ردة فعل الجمهور على الفعاليات المقدمة جاءت إيجابية للغاية
أحمد القرملاوي: ردة فعل الجمهور على الفعاليات المقدمة جاءت إيجابية للغاية

ويؤكد هذا الحدث أن وزارة الثقافة المصرية باتت أكثر انفتاحا على أنشطة تنظمها هيئات مستقلة تساعدها في النهاية على زيادة نشر الوعي العام، وأنها أخذت تنفتح على مبادرات من المتوقع أن تتزايد الفترة المقبلة مع النجاح الجماهيري لمهرجان “دواير”، وتكتب الكلمة بالعامية المصرية وتعني “دوائر”.

ويهدف المهرجان إلى تحفيز التواصل المباشر والتفاعل بين مختلف الدوائر الثقافية، وشحذ الاهتمام بالقراءة والثقافة عموما، وتنصب رؤية المنظمين على توسيع نطاق المعرفة وإبراز قيمة الثقافة في تكوين الوعي، وتحفيز الإبداع على مستويات مختلفة.

ويشارك في المهرجان أكثر من 25 دار نشر عربية ومصرية، ونحو 25 فعالية ثقافية تتنوع بين ورش الكتابة الإبداعية والسينمائية والندوات المتخصصة ومناقشات الكتب واللقاءات المفتوحة، ويتضمن معرضا لأحدث الكتب التي صدرت مؤخرا، فضلا عن معرض خاص للكتاب المستعمل يضم ما يزيد على ثلاثة آلاف كتاب متنوع.

وتمكن القائمون على المهرجان من الترويج لانطلاق فعالياته بشكل جيد واختيارهم تكريم الفنانة منة شلبي، ما يحقق عنصر الجذب الجماهيري، بوصفها واحدة من أكثر فنانات جيلها إسهاما في الأعمال السينمائية والتلفزيونية المأخوذة عن أعمال أدبية.

ويتفق نقاد في القاهرة على أن مهرجان “دواير” خطوة مهمة تشجع على تنظيم فعاليات ثقافية أخرى، فالنجاح الذي حققه في أيامه الأولى هو تسويق جيد لدور النشر المشاركة في تنظيمه وتلك التي ساهمت بعرض كتبها، ويبقى المكسب الأول لمكتبتي “ديوان” و”تنمية” مع توجيه دفة الفعاليات لاستضافة كتاب لهم تراكم معرفي وأدبي.

ويقول هؤلاء النقاد إن هناك فائدة مجتمعية لا تنفصل عن استفادة وزارة الثقافة من تنظيم احتفالية تسهم في إثراء المعرفة والتنوير، وتفتح المجال أمام دخول جهات أخرى يمكنها الاستفادة من نجاح ما تحققه الدورة الأولى من المهرجان، ما يمهد لتحويل معارض الكتب التي تنظمها جهات رسمية في أماكن مختلفة إلى مهرجانات ثقافية أكثر شمولا تحوي العوامل اللازمة لجذب مواطنين يرتادون معارض الكتب كأحداث جامدة تخلو من المتعة والترفيه.

خالد منصور: المهرجان يشكل أحد أنواع دعم صناعة النشر في مصر
خالد منصور: المهرجان يشكل أحد أنواع دعم صناعة النشر في مصر

ويقول مدير النشر والعضو المنتدب لمكتبة “ديوان” الأديب أحمد القرملاوي إن المهرجان بداية يمكن البناء عليها لتقديم تجارب أكثر إيجابية في المستقبل، وهناك رغبة في استدامة المهرجان ودوراته سنويا، بما يجعله حدثا ثقافيا مستمرا، مطالبا المهتمين بالثقافة في مصر بدور داعم للقطاع الخاص في التنمية الثقافية.

ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن ردة فعل الجمهور على الفعاليات المقدمة جاءت إيجابية للغاية وفاقت توقعات المنظمين، وأن هناك حضورا لافتا للندوات التي تستهدف أن تظهر الثقافة على أنها عنصر جذب للجمهور بعيدا عن الصورة الذهنية للكثير من المواطنين بأن ما يدور النقاش حوله قضايا جامدة تغلب عليها النخبوية والاستعلاء، لتبدو الفعاليات والنقاشات شبابية بها قدر واضح من العافية والحيوية.

وتتضمن فعاليات المهرجان تنظيم ورشة للكتابة الإبداعية مع الروائية الكويتية بثينة العيسى، ولقاء بعنوان “كتابة السيناريو” مع السيناريست محمد أمين راضي، وآخر لـ”كتابة المسلسلات القصيرة” مع الكاتب والسيناريست محمد هشام عبية، بجانب ندوات تحمل عناوين “شغف الرواية” و”ألف ليلة وليلة”، و”سينما عربية جديدة”.

وينظم المهرجان لقاءات مفتوحة مع عدد من الروائيين الشباب بينهم ساندرا سراج ونهى داوود وبلال علاء ومحمد شوشة وأسامة الشاذلي، وحوارا مفتوحا حول الصحة النفسية مع نبيل القط، مع تخصيص يوم لثقافة الطفل يتضمن حفلات وأنشطة للأطفال تحظى دائما بجذب فئة كبيرة من الجمهور خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وأشار القرملاوي إلى أن التفكير في إقامة المهرجان يرجع إلى وجود فترة طويلة بين مواعيد انعقاد معرض الكتاب كل عام، ما أفسح المجال للتفكير في تدشين حدث ثقافي يهم الجمهور أثناء إجازة الصيف، ويصبح نموذجا مستقلا ومصغرا لمعرض القاهرة، واستلهمت إدارة المهرجان إيجابيات المعرض الدولي الكبير وعمدت إلى تطويرها.

دعم معنوي رسمي

◙ الورشات تجتذب الجمهور

تلقى المسؤولون عن مهرجان “دواير” ترحيبا من جهات حكومية بالفكرة، وتحمست لها دور نشر خاصة وقدمت مجموعة كبيرة من الكتب لعرضها بأسعار مخفّضة.

ورغم حالة التنافس بين دور النشر، لكن كانت هناك رغبة في الخروج بحدث ثقافي ناجح تنعكس روافده على الجميع، وقد ساعد في تنظيمه وجود جهات راعية في التمويل، لكن الجزء الأكبر تحملته دور النشر المنظمة، ومن المتوقع زيادة الرعاة في الدورات المقبلة.

وتعرض المهرجان لبعض الانتقادات من جانب شريحة من المثقفين اعتبروا التركيز على الكتاب والأدباء الذين لديهم أعمال منشورة لدى مكتبتي “ديوان” و”تنمية” أمر مجحف لكثير من المبدعين الآخرين في مصر، كما أن الاستعانة بإحدى الشركات الخاصة في التنظيم لم يكن موفقا من حيث توزيع الفعاليات والمشاركين فيها.

وكان الانتقاد الأكبر لتحديد مقابل مادي 20 جنيها (حوالي 60 سنتا) لدخول الندوات التي يعقدها المهرجان، وهو ما يتعارض مع مساعي جذب الجمهور نحو فعاليات ثقافية تراجع الإقبال عليها مؤخرا.

◙ المهرجان يهدف إلى تحفيز التواصل المباشر والتفاعل بين مختلف الدوائر الثقافية في مصر وشحذ الاهتمام بالقراءة والثقافة عموما

وأوضح الإعلامي والناقد الأدبي خالد منصور أن العامل الجيد في المهرجان أنه تمكن من جذب جمهور متنوع، حيث يحضره مهتمون بالثقافة والقراءة، وآخرون لا يملكون معلومات كافية عن المهرجان، لكن كان قرارهم بالحضور للتعرف على ما يقدمه، كما أن عدم وجود ازدحام في جداول الفعاليات منحه فرصة أكبر لجذب الجمهور.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن المهرجان يشكل أحد أنواع دعم صناعة النشر في مصر، وأن دور النشر لديها رغبة في أن تحقق المزيد من المكاسب بما يجعلها أكثر قدرة على الصمود، والسعي للتفكير خارج الصندوق سوف يسهم في إنعاش مبيعات الكتب، ولدى دور النشر الأخرى فرصة لتدشين ندوات مشابهة وإن كان من الصعب إقامتها بنفس التكلفة المرتفعة، وقد يكون ذلك في مناطق عديدة وعبر مسميات أخرى متنوعة ليست بحاجة إلى جهود تنظيمية كبيرة.

ويعزز مهرجان “دواير” والاهتمام به وجود قناعة بأن التنمية الثقافية يجب ألا يتم حصرها في أنشطة وزارة الثقافة أو غيرها من الجهات الرسمية، فثمة مؤسسات أضحت على قناعة بأن القطاع الخاص لا بد أن يشارك في هذه الجهود، ودور الحكومة داعم كشريك أساسي يتفاعل مع جميع الأطراف، ومن المهم تفعيل المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص الذي يحقق من وراء مثل هذه المهرجانات مكاسب معنوية مهمة.

13