مهرجان درنة المسرحي في ليبيا يحجب كل جوائزه

عودة المسرح إلى درنة المدينة الليبية التي عانت من ويلات الإرهاب لسنوات، هي استعادة لمكانة المدينة التاريخية وهي التي شهدت مهد الفن المسرحي في البلاد قبل ما يقارب القرن من الآن، وقدمت المدينة مهرجانها المسرحي الذي شهد مشاركة ليبية واسعة، وكان مناسبة لوقفة تقييمية للفن المسرحي في البلاد.
عاشت مدينة درنة الليبية على وقع مهرجانها المسرحي الخامس الذي اختتمت فعالياته الأحد الثالث عشر من نوفمبر بإعلان قرار لجنة التحكيم حجب جميع جوائز الدورة، مع التنويه إلى ضرورة التأكيد على فتح باب المشاركات في وقت مبكر خلال الدورات القادمة ودعم الفرق والاهتمام بالنص وتقديم رؤى إخراجية تليق بالمسرح.
ريادة مسرحية ليبية
وكان المهرجان قد افتتح في السابع من نوفمبر بكرنفال احتفالي في كورنيش المدينة، ثم بكلمات المنظمين ومن بينها كلمة مدير المهرجان رمضان الطيرة، ثم كان للحضور موعد مع عمل استعراضي وفقرات موسيقية، وصولا إلى عرض شريط وثائقي عن الفنان الذي حملت الدورة اسمه، وهو نجم الكوميديا على شاشة التلفزيون وخشبة المسرح صالح الأبيض، الذي توفي في تونس في 19 أكتوبر 2019 عن عمر يناهز 55 عاما بعد صراع طويل مع المرض.
في مقر المسرح الوطني بالمدينة، نظمت هيئة المهرجان حفل تكريم للفنان سعد الجازوي الذي كانت بدايته بالفرقة القومية بطرابلس من خلال مسرحية ”العسل المر”، ليقدم خلال السنوات الأربعين الماضية عشرات الأعمال الفنية على الخشبة، كما برز من خلال التلفزيون من خلال مسلسلات “جمر السنين” و”السوس” و”كلمة حب” وغيرها، كما اشتهر مع الفنان فتحي كحلول والفنانات خدوجة صبري وزبيدة قاسم ومهيبة نجيب عبر المنوعات الكوميدية على مائدة رمضان التلفزيونية.
كما نظمت فرقة هواة التمثيل درنة حفل تكريم للفنانين الراحلين فرج خليفة بوجلدين، وسالم محمد تركية، وبريك عمران بودراعة، بالإضافة إلى الفنان فرج صالح الحوتي والمخرج حسن ميكائيل وجمعية بيت درنة الثقافي.
كما قامت فرقة أجيال المسرح بتكريم الكاتب سالم أبورواق والممثل مجدي الجبيلي والفنان حمدي سالم بن زابية، وذلك تمشيا مع سنّة الوفاء للمبدعين الذين قدموا الكثير للإبداع والثقافة في المدينة ذات التاريخ العريق في هذا المجال.
وشهدت الدورة كذلك تكريم فرقة زوايا المسرح من مدينة بنغازي وفرقة مسرح المرج، والفرقة الليبية للمسرح والفنون، وفرقة نسيم الحياة للفنون والمسرح طبرق، وتكريم فرقة أجيال الحياة للمسرح والفنون – درنة، المشرفة على المهرجان.
وكالعادة، كان المهرجان فرصة لاستذكار تاريخ الفن الرابع بالمدينة التي تعتبر عروس الجبل الأخضر، وارتبط اسمها بالفن والمسرح والحب والجمال والانفتاح، وعاشت منذ العام 2011 وحتى صيف 2018 سنوات الإرهاب حيث تحولت إلى أول إمارة لتنظيم القاعدة في الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، إلى أن حررها الجيش الوطني بعد معارك طاحنة.
وبحسب الباحث الليبي عبدالسلام الزغيبي، فإنه وفي العهد الإيطالي وبالتحديد في عام 1928 عاد إلى ليبيا رائد المسرح الليبي محمد عبدالهادي من جولة في بلاد الشام ولبنان، وهناك تأثر بمسرح أبوخليل القباني، ومنها ذهب إلى مصر التي اطلع فيها على تجربتهم المسرحية أيضًا، وكان معجبا بمسرح نجيب الريحاني الذي كان يعد الأشهر حينها.
وعاد ليؤسس أول فرقة مسرحية ليبية في مدينة طبرق وقام بتقديم مسرحية “لو كنت ملكا”، لكنه لم يستطع مواصلة نشاطه هناك لأسباب اجتماعية مما دعاه للانتقال إلى مدينة درنة في عام 1930، حيث أعاد تقديم مسرحية “لو كنت ملكا”، وفي عام 1931 قدم مسرحية “هارون الرشيد” كما جاء في مقدمة كتاب “مؤسس المسرح الليبي” لمحمد بوسويق والتي كتبها الشاعر والمؤلف المسرحي عبدالحميد بطاو.
عروض ضعيفة
خلال سبعة أيام، تم عرض عدد من الأعمال المسرحية من مختلف أرجاء ليبيا من بينها فرقة سعيد السراج طرابلس، وفرقة السلام للمسرح والفنون طرابلس وفرقة مسرح هون، التي بدورها كرمت أعضاء اللجنة العليا للمهرجان، وفرقة المسرح الشعبي ببنغازي، وذلك بحضور عشرات الضيوف من كتاب ومخرجين وممثلين ونقاد وإعلاميين ممن اجتمعوا في إطار فني وثقافي متميز، فيما كان العرض الختامي لمسرحية «البحر فيه فيل» تأليف علي بوعجيلة وإخراج محمد الصادق.
ووزعت إدارة المهرجان شهادات تقدير على العديد من الجهات التي ساندتها في تنظيم الدورة، منها جامعة درنة، والفنان المسرحي جمال زايد، والفنان والمخرج عبدالسيد آدم، ومدير مكتب الثقافة المرج، والفنان التشكيلي صلاح الفلاح.
وفي ختام الدورة، صعدت إلى الخشبة لجنة المشاهدة التي تكونت من الفنانين حسن ميكائيل وسليمان المنفي وبوبكر تركية لتقدم جملة من الملاحظات حول العروض التي جرى تقديمها طيلة أيام المهرجان، ثم جاء دور لجنة التحكيم التي تكونت من الفنان عاشور بوشوق رئيسا وبعضوية الفنانين خالد نجم وسعد الدلال وسعد الجازوي، لتعلن قرارها بحجب الجوائز نظرا إلى أن ”الأعمال تفتقر إلى نص جيد وعدم وجود رؤية إخراجية وأداء الممثلين كان ضعيفا في الغالب ويحتاجون إلى دورات تدريبية مكثفة“، كما تم التأكيد على ضرورة أن تقدم المشاركات في وقت مبكر خلال الدورات القادمة، وعلى أهمية دعم الفرق والاهتمام بالنص وتقديم رؤى إخراجية تليق بالمسرح.
وبحسب المتابعين فإن أغلب الأعمال المقدمة غاب عنها الاجتهاد وافتقدت القيمة الفنية والفكرية التي تجعلها في مستوى التتويج مما يدعو إلى ضرورة إعادة التأسيس لحركة مسرحية على أسس تتجاوز النظرة التقليدية والشعبوية التي كان المسرح الليبي قد تجاوزها في مراحل عدة، قبل أن تعود بسبب الوضع العام الذي تعيشه البلاد منذ 12 عاما.
ويراهن منظمو المهرجان على أن تكون الدورة القادمة دورة دولية تضم كافة أطياف الفن المسرحي في داخل البلاد وتستضيف فنانين ونقادا وإعلاميين من خارج البلاد، لاسيما وأن الدورات الخمس الماضية شكلت قاعدة صلبة لمشروع مستقبلي يخدم الفن الرابع ويقدمه بصورة أفضل للمتلقي.