مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز ينجو من الإلغاء أو التأجيل

صعوبات تواجه المهرجانات لعدم وجود أوقات مناسبة لانعقادها.
الاثنين 2023/10/30
مهرجان خارج حسابات التأجيل أو الإلغاء

وضعت الحرب الدائرة في غزة أغلب المهرجانات العربية تحت ضغط جماهيري حيث أدت إلى تأجيل وإلغاء عدد كبير منها، فيما نجا القليل منها من قرارات الإلغاء بفضل الاستقلالية المالية ومنها مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز الذي انطلق منذ أيام قليلة متحديا الأوضاع العامة.

القاهرة - انطلقت فعاليات النسخة الخامسة عشرة من مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز بعد أن نجا من مقصلة المهرجانات الفنية التي تم تأجيلها بعد تصاعد الحرب في قطاع غزة، وتحدد فعالياته المستمرة لمدة تسعة أيام مدى إمكانية تنظيم جولة فنية متقنة وقياس الإقبال عليه من الشباب الذين باتوا يشاركون بقوة في المهرجانات والمناسبات الفنية.

وقالت إدارة المهرجان في بيان لها قبل ساعات من انطلاقه الخميس “إنه مع المحنة الرهيبة التي تمر بها فلسطين الحبيبة، نجد أنفسنا في موقف عصيب بينما نحن على وشك البدء في دورة هذا العام، وبين الحزن العميق الذي يخيم علينا جميعاً والغضب من كل هذه الجرائم اللاإنسانية التي تقتل الأبرياء يوميا كان من الممكن إلغاء هذا الحدث، لكن الإلغاء يعني الاستسلام وانتصار الشر على الخير”.

وقررت إدارة المهرجان إزالة الألوان الاحتفالية من تصميماتها الدعائية حداداً على ضحايا غزة، ودعت القائمين على الفعاليات الثقافية مشاركتها في المبادرة، وتتحول المناسبة الفنية إلى “صرخة في وجه الظلم وتأكيد على استمرار الحياة”.

أندرو محسن: لكل مهرجان ظروفه التي تتحكم في انعقاده أو تأجيله
أندرو محسن: لكل مهرجان ظروفه التي تتحكم في انعقاده أو تأجيله

وما دعّم إقامة المهرجان وعدم تأجيله أن تمويله يأتي من جهات دولية ومحلية، على عكس مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الموسيقى العربية اللذين تشرف عليهما بشكل مباشر وزارة الثقافة المصرية، كما أن إدارة مهرجان الجونة السينمائي (مهرجان خاص) المؤجل أيضا لديها حسابات تسويقية وأخرى ترتبط بصورة المهرجان بعد أن توقف لمدة عام وكان من المقرر أن يعود في دورته السادسة هذا العام.

وينعقد مهرجان القاهرة للجاز بمنحة مشتركة من الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع اتحاد المعاهد الثقافية الوطنية الأوروبي ومركز التحرير الثقافي وكلية التعليم المستمر بالجامعة الأميركية في القاهرة ووزارة الثقافة، ورعاية سفارات دول أجنبية بينها الولايات المتحدة وفرنسا، ومؤسسات ثقافية أوروبية ومجتمع الجاز المصري.

وشهدت القاهرة الأيام الماضية جدلا ثقافيا وسياسيا حول الجدوى من إرجاء المهرجانات الفنية، حيث انقسم المهتمون فمنهم من أيد الخطوة لعدم مناسبة التوقيت مع ارتكاب جرائم بشعة بحق سكان غزة والقلق العام الذي ينتاب المصريين خوفا من تمدد الصراع، وهو ما ظهرت أبعاده في تراجع الإقبال على دور العرض السينمائي الأسبوعين الماضيين.

وحسب إحصاءات صادرة عن دور العرض السينمائي، تراجع إجمالي إيرادات شباك تذاكر الأفلام السينمائية الأسبوع الماضي بقيمة مليون و400 ألف جنيه مصري (45 ألف دولار)، مقارنة بالأسبوع الذي سبقه، وأرجع البيان الإحصائي السبب في ذلك إلى استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أثرت على اتجاهات الجمهور.

ويرى معارضون لعملية التأجيل أن التعامل مع المهرجانات الفنية كوسيلة ترفيه أمر خاطئ، لأنها نشاط ثقافي، وكان يمكن توظيفها لدعم القضية الفلسطينية وإدخال تعديلات سريعة على جداولها واستثمارها فنيًا، خاصة أن مهرجان الموسيقي العربية كان يمكن أن يتم استغلاله بالشكل الأمثل وإعادة الدور الذي حققه الفن في حقب سابقة تعرضت فيها القضية الفلسطينية للعديد من المحطات الفارقة في تاريخها.

وقال مبرمج مهرجان الجونة السينمائي أندور محسن إن كل مهرجان له ظروفه التي تحدد الموقف النهائي من الانعقاد أو التأجيل، ويمكن تفهم وجهات النظر التي ترى أن الوقت الحالي ليس مثاليًا للموسيقي أو السينما أو المسرح، ويعد ذلك رأيه الشخصي، لكن أيضا يصعب إنكار أهمية الفنون وتعريف الجمهور بأنها تحمل وجوها عديدة إلى جانب الترفيه، وحصرها في زاوية ضيقة أمر غير دقيق.

pp

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المهرجانات الفنية بوجه عام تواجه مشكلات في هذا التوقيت، سواء جرى انعقادها أم لا، لأن قدرة الضيوف على التواجد صعبة للغاية والبعض يتأثر بالأحداث الجارية في غزة مع حالة الاهتمام الواسعة بما تنقله وسائل الإعلام بشكل لحظي، والتوافق على مواعيد أخرى في الخريطة الدولية مع قرارات الإرجاء يُصعّب إمكانية انعقادها، والأمر يتطلب التواصل مع جهات دولية تتولى مسألة تنظيم المواعيد التي تشهد تكدسا في الثلث الأخير من العام.

وشدد على أن إدارة مهرجان الجونة تنتظر الوقت المناسب لعقد المهرجان بما يحترم الدماء التي تسيل في قطاع غزة، ومثل هذه المواقف اختبار لقيم إنسانية مهمة لا بد أن تكون حاضرة في الفن، وما يحدث هناك ليس بالأمر الهين ليتم تجاوزه، وإرجاء المهرجان ليس بسبب الخوف من عدم اهتمام الجمهور أو وسائل الإعلام، لأن ذلك ليس ممكنا، بل هناك شعور بفداحة ما يحدث في قطاع غزة.

ويتفق البعض من النقاد على أن قرارات تأجيل المهرجانات أو عقدها ترتبط بأبعاد تسويقية، والقائمون عليها يخشون مواجهة خسائر مادية فادحة حال انسحب عدد من الرعاة وقد ينعقد المهرجان دون توافر عوامل الجذب، وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي دفعت إلى إرجاء عدد من المهرجانات المصرية قبل أيام من التئامها.

وأشار محسن إلى أن إدارات المهرجانات الفنية تعمل على دراسة عقد المهرجانات بدلا من إلغائها، والوقوف على آليات كيفية انعقادها بالشكل المناسب، بما يتماشى مع الأجواء السياسية، وفي كل الحالات لن تكون هناك قرارات نهائية قبل أن يكون التوقيت مناسبًا والأوضاع في فلسطين تسمح بذلك.

ما دعّم إقامة مهرجان الجاز وعدم تأجيله أن تمويله يأتي من جهات دولية ومحلية، على عكس مهرجان الموسيقى العربية
ما دعّم إقامة مهرجان الجاز وعدم تأجيله أن تمويله يأتي من جهات دولية ومحلية، على عكس مهرجان الموسيقى العربية

ويصعب القياس على حالة المهرجانات المنعقدة حاليا مثلما الوضع لمهرجان “دي كاف” أو مهرجان القاهرة للجاز للتعرف على مدى تفاعل الجمهور مع مهرجانات فنية كبرى مثل القاهرة السينمائي أو مهرجان الموسيقى العربية، وهي فعاليات تاريخية يرتبط بها الجمهور بشكل كبير باعتبارها مناسبات سنوية معتادة.

وتحتضن الجامعة الأميركية في ميدان التحرير بالقاهرة ليالي الجاز التي تشهد مشاركة فنانين وفرق موسيقية من 14 دولة، مثل إسبانيا وأستراليا والبرتغال وألمانيا وبلجيكا، بجانب مشاركات من بولندا والدنمارك وسويسرا وليبيا وليتوانيا وفرنسا وفنلندا والنمسا واليابان، مع مشاركة مميزة لأبرز التجارب المصرية.

وافتتح مهرجان الجاز الدولي لياليه بحفل الفنانة السورية لين أديب بمشاركة عازفة البيانو النمساوية ألكسندرا إيفانوفا، في حين يتولى الثنائي المصري فؤاد ومنيب مهمة إحياء حفل الختام الرسمي.

ويشهد المهرجان مشاركة مميزة للفنان الفنلندي كاري إيكونين مخترع أول نظام موسيقي يحول البيانو إلى آلة شرقية تعزف المقامات العربية أطلق عليها اسم “ماكيانو”، والذي يقدم موسيقى بصحبة عازف العود المصري علي عيسى.

كما يكرم المهرجان الفنان الليبي ناصر المزداوي المطرب وعازف الغيتار وملحن توليفة من أشهر أغنيات المطرب المصري عمرو دياب مثل “نور العين” و”شنطة سفر” و”مشينا”، في أولى مشاركات ليبيا في ليالي الجاز المصرية.

وبدأت رحلة مهرجان القاهرة الدولي للجاز عام 2009، ووضع حجر أساسه الفنان وعازف البيانو والمؤلف الموسيقي عمرو صلاح بهدف إثراء المشهد الثقافي المصري وزيادة الوعي المجتمعي بموسيقى الجاز العالمية.

15