مهرجان القاهرة السينمائي أمام تحدي عودة العلاقة مع الجمهور

تواجه بعض المهرجانات السينمائية العربية تراجعا في الإقبال الجماهيري يعود إلى عدة أسباب، لعل أبرزها التكرار وعدم التجديد أو السطحية التي تشوب الكثير من الفعاليات، علاوة على غياب الرؤية الفنية وعدم التواصل مع الجمهور والاكتفاء بأهل النقد والفن، وغير ذلك من الأسباب. وكلها ساهمت في تراجع كبير في الإقبال على مهرجان القاهرة السينمائي، وقد حاول في دورته الجديدة تلافي ذلك برؤى جديدة.
القاهرة – أكدت جهود إدارة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الرابعة والأربعين، التي انطلقت الأحد وتستمر حتى الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري، وجود رغبة ملحّة في استعادة الاهتمام بالمضمون الفني للمهرجان بعيدا عن السطحية التي اتسمت بها بعض الدورات السابقة، ما انعكس على جذب أكثر من 30 فيلمًا كعرض أول خلال فعاليته الراهنة مع تقديم تسهيلات لإتاحة متابعة الجمهور للأفلام المعروضة.
وأظهر الفنان حسين فهمي، رئيس المهرجان في دورته الحالية، مؤشرات قوية على اهتمامه باستعادة العلاقة الوثيقة مع الجمهور مرة أخرى، وتفقد أكثر من مرة أماكن حجز التذاكر الخاصة بمتابعة الأفلام والمشاركة في الندوات وورش العمل.
وبدا فهمي حريصا على الاستماع إلى آراء الجمهور العادي والتأكيد على أن نجاح المهرجان يرتبط بمدى تفاعل هذا الجمهور مع الأفلام المشاركة.
وقرر مهرجان القاهرة إجراء تعديل على قائمة الجوائز الممنوحة خلال الدورة الأربعين بإلغاء جائزة الجمهور بسبب صعوبات تقنية أدت إلى ضعف التصويت، وآنذاك ذهبت قيمتها المالية (قدرها 20 ألف دولار) إلى الفيلم الفائز بالهرم الذهبي، وهي الجائزة الكبرى في المهرجان.
واضطرت إدارة المهرجان السابقة على مدى أربع سنوات برئاسة المخرج والمنتج المصري محمد حفظي إلى إلغاء جائزة الجمهور منذ العام 2018 لضعف الإقبال على عملية التصويت الإلكترونية للأفلام الدولية المتنافسة.
تصحيح الأخطاء
عانى المهرجان في العقد الأخير من ضعف متابعة الجمهور للأفلام والفعاليات التي نظمها، وبدأت عملية استعادة الاهتمام بعودته مرة أخرى في دورة العام الماضي، وزادت مع انطلاق الدورة الحالية التي شهدت تغيرا في إدارة المهرجان.
وتواجه المهرجانات المصرية بوجه عام عوائق الانفصال بينها وبين الجمهور، وبات الكثير منها قائما على الدعم الذي يتلقاه من وزارة الثقافة للحفاظ على الاستمرار، لكن الوضع يختلف بالنسبة إلى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي ينفرد بكونه الوحيد في المنطقة المسجل ضمن الفئة A في الاتحاد الدولي للمنتجين في باريس.
ووصل إجمالي الأفلام المشاركة في الدورة الحالية إلى 97 فيلما، من بينها 79 فيلمًا طويلاً و18 فيلمًا قصيرا، وبلغ عدد العروض العالمية الأولى 30 عرضًا، بينما العروض الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصلت إلى 57 عملا، بمشاركة 52 دولة.
ويتفق العديد من النقاد على أن مهرجان القاهرة كان وطيد الصلة بالجمهور حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي، وكان انعقاده احتفالية شعبية في وقت كانت فيه السينما المصرية تستقطب الجمهور.
ويرتبط التراجع بمشكلات اعترضت إنتاج السينما بوجه عام، وعدم وجود الاهتمام الكافي بمضمون المهرجان والأفلام المعروضة، وبدأ الجمهور يعزف عن الحضور شيئاً فشيئاً دون أن تكون لدى إدارات المهرجانات رغبة ملحة في الرهان عليه، واكتفت بمشاركة النخب والنقاد مبتعدة عن وضع خطط تضمن استعادته مرة أخرى.
يقول الناقد الفني سمير الجمل إن “نجاح أي مهرجان يرتبط برهانه على الجمهور في المقام الأول وليس فقط النقاد وصناع الفن، وما ينقص الكثير من الفعاليات الفنية في مصر أنها محرومة من الإحساس بتذوق الجمهور واتجاهاته، وهو ما أدى إلى إخفاق بعض الدورات السابقة سواء كان ذلك بالنسبة إلى مهرجان القاهرة أو أي مهرجانات أخرى في السينما والتلفزيون والمسرح”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “غياب حلقات الوصل بين لجان تحكيم الأفلام والجمهور يقوض مهمة المهرجانات بالدرجة الأولى التي تتمثل في تطوير الفن وربطه باهتمامات المتلقين”.
وقد حرص مهرجان القاهرة مبكرا على أن يكون هدفه الأول جذب الجمهور. وتمكنت إدارته، في عهد المؤلف والكاتب الراحل سعدالدين وهبة الذي تولى رئاسته، من ربط المهرجان بالشارع عبر احتفالات شعبية متعددة كانت أفضل وسيلة لتسويقه.
ويشير الجمل في تصريح لـ”العرب” إلى “أن الخبرات السابقة لرئيس الدورة الحالية حسين فهمي تجعله أكثر قدرة على التعامل مع مسألة جذب الجمهور، ولديه معرفة بنوعية الجمهور الذي كان يهتم بحضور فعاليات المهرجان سابقا ومزجها باهتمامات الجمهور حاليا التي صارت تتجه أكثر نحو فئات الشباب، وأفسح المجال أمام دعم المهرجان للمزيد من تجارب الشباب سعيًا منه إلى توثيق العلاقة معهم مجددا”.
وكشف ملتقى القاهرة السينمائي عن قائمة المشاريع التي تم اختيارها للمشاركة في الدورة الحالية للمهرجان، تضمنت 15 مشروعا روائيا ووثائقيا في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج، من مختلف الدول العربية، حيث تشارك 5 مشاريع من مصر، و2 من تونس، ومشروع واحد من كل من الأردن واليمن ولبنان والجزائر والمغرب والسودان وفلسطين والسعودية.
إعادة الانضباط
استهدف حسين فهمي إعادة الانضباط للمهرجان عبر قرار “الدريس كود” للفنانات على السجادة الحمراء، والذي أحدث جدلاً واسعًا عند افتتاح المهرجان، في محاولة لتوجيه الاهتمام نحو قيمته الفنية التي تغيب عن غالبية وسائل الإعلام المحلية، حيث تسلط الضوء على ملابس الفنانات وتسهب في وصفها، ما كان عاملاً مساعدا على انصراف الجمهور الحقيقي عن السينما، وأوحى بأن السطحية تسود فعالياته.
ويواجه المهرجان في دورته الرابعة والأربعين انتقادات لعدم إتاحة الفرصة أمام الجمهور لمتابعة كافة الأفلام المعروضة مع تخصيصه عددا منها للصحافيين والنقاد.
وفي تصريحات إعلامية أرجع المدير الفني للمهرجان أمير رمسيس السبب إلى رؤية الرقابة وتصنيفها للأفلام حسب الشرائح العمرية وغير ذلك من الاشتراطات.
ومثلت تلك الخطوة مؤشرات سلبية على أن المحاذير مازالت تهيمن على ما يتم عرضه في المهرجانات المصرية، وأن الأزمة التي أثارها فيلم “ريش” في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأخيرة، قبل الإعلان عن توقفه هذا العام، وتخوّف إدارة المهرجان من حدوث مشكلات مشابهة يشيان بأن التدخلات الرقابية المستمرة أحد أسباب عزوف الجمهور وأن الوضع سيكون قابلاً للتكرار وسيشاهد الجمهور ما يتم فرضه عليه.
المهرجان عانى في العقد الأخير من ضعف متابعة الجمهور لأفلامه وفعالياته، وهو ما عالجه في دورته الجديدة
وعرض مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحالية فيلم “لدي أحلام كهربائية”، ضمن فعاليات اليوم الثاني (الاثنين) من المهرجان، على الصحافة دون حضور جماهيري. ويتناول الفيلم قصة فتاة في السادسة عشرة من عمرها، قوية الشخصية والإرادة وقلقة للغاية، وتعيش مع أمها وأختها الصغرى وقطهن، لكنها تريد أن تعيش مع والدها المنفصل عنهن، وتتشبث به لكنها تُفاجأ بمروره بمرحلة مراهقة متأخرة.
ويوضح الناقد الفني أحمد سعدالدين أن عزوف الجمهور عن متابعة فعاليات المهرجانات يرجع إلى كونه يجد نفسه في مرات عديدة بين مقارنات تدور رحاها بين السيء والأسوأ، وبالنظر إلى جدول عروض مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام أصبحت المقارنة بين الجيد والجيد جداً والمتميز، ما يسهم في جذب المزيد من الجمهور.
ويذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الجهد الذي بذلته إدارة المهرجان في استقطاب أفلام العرض الأول يبرهن على أنها تستهدف عودة الجمهور إلى المهرجان، وأنها حرصت على أن تكون مهتمة بقيمة المهرجان وتوظيفه لاستقطاب تلك الأفلام، وأن الدورة الحالية ستكون اكتشافا لمدى التغير في أذواق الجمهور الذي اعتاد على حضور فعالياته”.
وشدد على أن المهرجان بحاجة إلى تسويق لما يقدمه بشكل أكثر تماشيا مع التطورات التكنولوجية، وأن اهتمام إدارته الحالية بتفاصيل التنظيم يساعد على تقديم صورة مغايرة لما كانت في السابق، ومن ثم فإنها توفر فرصة لجذب الجمهور.
ويمنح مهرجان القاهرة للحاضرين فرصة جيدة للتعرف على عالم “بيلا تار” السينمائي عبر التفاعل مع المخرج الأسطوري بشخصه وعبر حكاياته ودروسه المهنية النابعة من تجربته الطويلة المذهلة، فأغلب أعماله تم إنتاجها بالأبيض والأسود، واستخدم فيها لقطات بطيئة مطولة وقصصا غامضة ذات نظرة فلسفية تشاؤمية للتعبير عن الإنسانية، ولجأ أحيانا إلى الاستعانة بممثلين غير محترفين لتحقيق قدر من الواقعية التي ميزت أعماله.
ويعد “بيلا تار” المخرج والمنتج والمؤلف أحد أهم صانعي السينما في المجر، وُلد عام 1955، وتخرج في أكاديمية المسرح والسينما في بودابست عام 1981، وبدأ مسيرته المهنية المليئة بالعديد من النجاحات في سن مبكرة من خلال سلسلة أفلام وثائقية وروائية وُصفت بأنها كوميديا سوداء.