مهرجان السينما الطلابية يتكامل فيه الاحتراف مع الهواية

حسمت نتائج أعمال الدورة الثانية من مهرجان القلعة للسينما الطلابية الذي يقيمه المعهد التقاني للفنون التطبيقية التابع لوزارة الثقافة السورية وبمشاركة المؤسسة العامة للسينما. وتميّزت سينما البيرو بفوزها بالجائزة الذهبية، وعلى نقيض ذلك خرجت سينما البلد المنظم سوريا خالة الوفاض من التتويجات.
دمشق – اختتمت أعمال مهرجان القلعة للسينما الطلابية في دورته الثانية، والذي أقامه المعهد التقاني للفنون التطبيقية بدمشق في قلعة دمشق التاريخية بدءا من التاسع من ديسمبر الجاري وحتى الخامس عشر منه بحضور وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح وأعضاء اللجنة التنظيمية ولجنة المشاهدة، كما حضر من لجنة التحكيم رئيسها المخرج نجدة إسماعيل أنزور والممثلة روبين عيسى، وكانت اللجنة تضمّ إضافة إليهما المخرج باسل الخطيب والكاتب حسن م يوسف والمايسترو عدنان فتح الله.
وفي حفل الختام قدّم أنزور التقييمات التي وصلت إليها اللجنة وقرّرت بموجبها منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرج الإسباني أيتور سانشيز عن فيلمه “عندما تبقى سيكاديس صامتة”، وذهبت الجائزة البرونزية للفيلم المغربي “مداد أخير” للمخرج يزيد القادري، وهو فيلم تبدأ قصته حين يتسلّم إبراهيم الذي يعمل خطاطا ويمتلك محلا لنقش شواهد القبور ورقة من رجل غريب تحتوي على اسم خاص بشخص متوفى، لكنه يحمل اسما مطابقا لاسمه. فيبدأ في إتمام اللوحة الرخامية ويوقعها، وكأنه يكتب شاهدة قبره قبل الوفاة.
أما الجائزة الفضية فذهبت إلى الفرنسي تيبولت سيغوين مخرج فيلم “المتسكعان”، بينما ذهبت الجائزة الذهبية لفيلم “مصيدة الفئران” للمخرجة ناتالي فيرغار أدريانزين من بيرو.
فوارق فنية

شارك في المهرجان أربعون فيلما قصيرا من إحدى وعشرين دولة، كان ثمانية عشر فيلما منها في المسابقة الرسمية، منها اثنا عشر فيلما من إخراج طلاب المعهد التقاني للفنون التطبيقية، خمسة منها شاركت في المسابقة الرسمية.
وعن ذلك يقول حسام وهب المدير الفني للمهرجان “كل الأفلام التي قُدّمت في الدورة الثانية كانت من إنتاج العام 2019، وهي أفلام متنوّعة أتتنا من عدة دول عالمية”.
ويُضيف “لا شك أن الأفلام العالمية كانت في مستوى تقني أفضل، وهذا ما انعكس على سوية الفيلم، فأفلام طلابنا كانت دون المستوى العالمي بكثير وهو أمر أراه طبيعيا ضمن مستوى التقنيات والخبرة. فأفلام المعهد التقاني هي لطلاب حديثي التخرّج ما زالت تنقصهم الخبرة المطلوبة والمستوى التقني الملائم”.
وكان ملاحظا غياب الأفلام السورية تماما عن منصة التتويج رغم وجود العديد منها في المسابقة سواء كانت من تنفيذ طلاب المعهد التقاني للفنون التطبيقية أو دبلوم العلوم السينمائية وفنونها.
وقد برّر رئيس لجنة التحكيم نجدة إسماعيل أنزور ذلك في بيان اللجنة الرسمي حين قال “لجنة التحكيم اطلعت على مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة من عدة دول، وتمّ اختيار الأفلام الفائزة بجوائز المهرجان بناء على مرتكزات أساسية منها فكرة الفيلم والسيناريو والحوار والإخراج والتمثيل، واقتصرت الجوائز هذا العام على الأفلام الدولية والعربية، وحجبت جائزة الأفلام السورية المشاركة ليس لإحباط المخرجين والكتاب والممثلين الشباب السوريين، وإنما لدفعهم للتعلم أكثر والتطوّر وتوسيع معارفهم لكي يرتقوا بفن السينما السورية لتنافس الإنتاجات العربية والعالمية”.
أما وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوّح فقد بيّنت أهمية تعلم الشباب وتلقيهم المزيد من المعارف السينمائية لما يحقّقه ذلك من تفوّق مهني، فقالت “نحتفل كل عام بمهرجان القلعة السينمائي لأفلام الشباب نظرا لاهتمام وزارة الثقافة باكتمال التأهيل بثقافة الطلاب السينمائية والفنية لتصبح زادا معرفيا وفنيا وتقنيا، يمكّنهم من بناء مستقبلهم الفني السينمائي بحيث يكونون مصدرا للفخر بوجودهم وإنتاجهم الوطني الأصيل. أتمنى أن يكون المهرجان قد حقّق غايته في أن يكون ملتقى مناسبا للاطلاع على تجارب عديدة عربية ودولية والاغتناء بها والتعلّم منها”. كما عبّرت وزيرة الثقافة عن أملها في أن تظهر لدى الشباب السوري عقول جديدة شابة تتمتّع بالموهبة والمعرفة العلمية، لأن السينما السورية تستحقّ أن ترقى إلى مصاف السينما العالمية.
وعن المهرجان قالت الفنانة روبين عيسى عضو لجنة التحكيم “إنه يحمل فرصة حقيقية للأجيال الشابة حتى يطلعوا على السينما العالمية وهي تساعدهم بالتقدّم معرفيا إلى الأمام، وللمهرجان فائدة كبرى للشباب السوري كي يعرفوا مواصفات الأفلام العالمية التي تحقّق جوائز ويعملوا على شاكلتها”.
وتضيف عن سوية الأفلام السورية التي قدّمت ومقارنتها بالأفلام العالمية المرافقة “المستوى الفني ما بين الأفلام السورية والعالمية كان كبيرا، فالأفلام العالمية تضمنت مواضيع مختلفة وذات أهمية كبيرة وتحقّق لقطات نادرة، وهذا ما جعلها متميزة”.
الأفلام العالمية تضمنت مواضيع مختلفة وذات أهمية كبيرة وحقّقت لقطات نادرة، وهو ما جعلها متميزة عن نظيرتها السورية
وحقق فيلم “مصيدة الفئران” الجائزة الذهبية في نهاية أعمال المهرجان. وهو من إخراج ناتالي فيرغار أدريانزين التي قدّمت فيه بلغة سينمائية هادئة وعميقة عالما متداخلا بين الحقيقة والخيال محملة بروح شفافة جمعت بين بطليه، شاب وشابة، يجمع بينهما مكان واحد، لكنهما بسبب المرض الذي يصيب الفتاة يكونان بعيدين نفسيا.
الفتاة مريضة في حيّز مكاني معزول طبيا، بحيث لا يمكن التواصل معها، والشاب يقوم على اختبار عقار طبي سيكون في حال نجاحه المنقذ لها وللآخرين، حيث يقوم الشاب بتجربة العقار الجديد على فأر في صندوق زجاجي قريب، وتلجأ المخرجة إلى رسم ملامح حياة الشاب والفتاة بالعمق والحب الذي يجمعهما من خلال اختيار تفاصيل كادرها السينمائي بعناية.
فهما قريبان فيزيائيا لدرجة التلامس، إنما من خلال الزجاج، وعندما يقعدان على الأرض يسند كل منهما ظهره إلى الآخر وينظر في اتجاه مناقض كدلالة على افتراق الطريق والمستقبل.
حياة الفأر هي الرهان الأخير على نجاح تجربة العقار الطبي وموته يعني أن الأمر انتهى وستموت بعده بسبب المرض. يموت الفأر، ويكتب الباحث في مذكرة صغيرة عبارة تحمل معنى اليأس: إلى اللذين في الخارج عن عقار لم يكتمل. ثم يدخل إلى الفتاة التي تكون في نزعها الأخير ليحتضنها ويواجها معا النهاية الأليمة.
لغة سينمائية عميقة
رغم خروج السينما الطلابية السورية خالية الوفاض من جوائز المهرجان، إلاّ أن وجود بعض الأفلام السورية المحترفة حقّق حضورا متميزا في أروقة المهرجان. فقد تمّ عرض فيلم “جواد” للمخرج أيهم عرسان، وهو فيلم موجه إلى الاطفال يقدّم في ثيمته الأساسية علاقة طفل بوالده وكيف يراه في الحياة العادية مصدر قوته والمسؤول عنه وعن أسرته. كما يبيّن شعور الطفل بأن والده ليس قويا كما كان يظنه.
كما عرض فيلم “عنها” وهو فيلم تجريبي من تأليف وإخراج رباب مرهج يتحدّث عن ذكريات امرأة عاشت حالات حب وكره وخوف وسلام وفرح وحزن وغيرها من المشاعر التي ملأت رصيدا من مواجع ممثلة عاشت ذكريات طويلة في مكان بقلب مدينة دمشق، حيث يمكن أن تتلاقى تلك المواجع مع حياة المدينة.
أما الفيلم الثالث فكان “نوم عميق” من تأليف وإخراج خالد عثمان، ويتناول فيه حياة مخرج سينمائي تقاعد عن عمله ويواجه من خلال يومياته الكسولة روتينا حياتيا يجعله في حالة صدام مع أقرب الناس إليه وهي زوجته. يعيش المخرج حالة من الخواء الفني والروحي خاصة بعد سفر ابنه الوحيد إلى الخارج ويحاول أن يترجم هذا الموت النفسي إلى موت حقيقي. وجميع هذه الأفلام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
ومن الإنتاج الخاص قُدّم فيلم “أبناء المستحيل” تأليف وإخراج حسام حمود يسرد فيه حياة طفل وطفلة يعانيان من أمراض نفسية وعصبية تجعلهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويسلّط الفيلم الضوء على طريقة التعامل الخاطئة التي يقوم بها البعض تجاه هؤلاء. كما يُبرز الطاقة الذهنية والفنية التي يمكن أن يحقّقها هؤلاء لو أتيحت لهم الفرصة المناسبة لذلك.