مهرجان الدوحة المسرحي يقدم عروضا تشتبك مع قضايا الواقع العربي

مسرحيات من قطر واليمن تقرأ الواقع بأساليب مختلفة.
الاثنين 2023/05/29
مسرحيات تحقق متعة المشاهدة

قدم مهرجان الدوحة المسرحي في نسخته الجديدة عددا من العروض المسرحية التي تتنوع في أساليب طرحها، ولكنها تتفق على محاولتها مقاربة الواقع العربي وسبر أغوار المجتمعات العربية لتفكيك ما تواجهه اليوم من تحديات ومآزق، وهو ما يعتبر استعادة للدور الاجتماعي للمسرح.

تحت شعار “خمسون عاما وأكثر” انتظمت فعاليات النسخة الـ35 من مهرجان الدوحة المسرحي، والتي انطلقت في السادس عشر من مايو وتتواصل إلى التاسع والعشرين من مايو على مسرح الدراما في المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا”.

وشهد المهرجان مشاركة واسعة وصلت إلى 13 عرضا مسرحيا متنوعا، ليكون نسيجا فنيا بين كل عناصر الإبداع المسرحي سواء الفرق أو المؤسسات أو الهواة والجامعات والجاليات. وقد شهدت الليلة الافتتاحية بث فيلم وثائقي عن تاريخ الحركة المسرحية القطرية وبداياتها في فترة السبعينات، حيث أظهرت شاشة العرض التي تم من خلالها تقديم الفيلم مجموعة من الصور والفيديوهات التي استعرضت إبداعات الفنانين الأوائل. أعقب ذلك عرض فني ظهرت فيه كوكبة من رموز المسرح القطري الذين قدموا مسيرتهم الفنية بكلمات تفاعل معها الجمهور.

وشهد الحفل تكريم مجموعة من رواد الحركة المسرحية في قطر، وفنانين من الفرق الأهلية تم ترشيحهم من الفرق. حيث تم في البداية تكريم الفنان محمد أبوجسوم، والفنان غازي حسين، والفنان حمد عبدالرضا. ومن فرقة قطر المسرحية تم تكريم حسن رشيد، والفنان سعد بخيت، كما تم تكريم الفنان راشد الشيب والفنان علي الخلف من فرقة الدوحة المسرحية، وكل من الفنانين يوسف سلطان وسعدي الشمري من فرقة الوطن المسرحية، فيما قدم الحفل الفنان خالد عبدالكريم الحمادي، وهو الفنان الذي حقق رصيداً فنياً رائعاً من خلال الأعمال المسرحية التي شارك فيها.

ومن العروض التي قدمها المهرجان “المغيسل” إخراج محمد الملا، “ماسح الأحذية” إخراج أحمد المفتاح، “جزء من النص مسروق” تأليف عائشة أحمد البوعينين وإخراج علي ميرزا محمود، “وادي المجادير” إخراج عبدالرحمن المناعي، “هروب” إخراج فالح فايز، “جيل رابع” إخراج فيصل رشيد، “عود الحنا” إخراج سعد البورشيد، “نزيف العمر” إخراج علي الشرشني.

الرمزية والواقعية

◙ أعمال جديدة فكرة وإخراجا تجسد ثنائية الموت والحياة
◙ أعمال جديدة فكرة وإخراجا تجسد ثنائية الموت والحياة

ضمن فعاليات المهرجان قدم عرض “المغيسل” فريق شركة “تذكار” بشكل مسرحي احترافي، وهو من تأليف تميم البورشيد، وإخراج محمد الملا، تمثيل منذر ثاني، وعبداالله علي الملا، ومحمد المطاوعة، وجاسم عاشير، ومنذر ثاني، ولولوه النصر، وسهام العيرج، وسعود العبداالله إلى جانب كوكبة من المواهب الصاعدة.

العرض من الأعمال الجديدة فكرة وإخراجا من خلال ثنائية الموت والحياة، التي تجسدت في محورين أساسيين قام عليهما العرض المسرحي وهما: المغيسل والداية، وما بينهما تدور أحداث كثيرة تنضوي في صلب هذين المحورين وتقدم مجموعة من القيم الإنسانية.

قدم موضوع المغيسل في طرح درامي فيه الكثير من الصراعات التي أحدثت ما يسمى “صدمة اللعبة المسرحية” من خلال عناصر عديدة منها الإضاءة والموسيقى التأثيرية وتقنيات الصورة الرقمية. ربط المؤلف المغيسل بشخصية قاتل عاش ظروفاً أسرية واجتماعية أوصلته كي يرتكب جرائم قتل انتقاماً وتشفياً. وعندما يكتشف ابنه الحقيقة يبدأ الصراع بينهما.

المهرجان نسيج فني بين كل عناصر الإبداع المسرحي سواء الفرق أو المؤسسات أو الهواة والجامعات والجاليات
◙ المهرجان نسيج فني بين كل عناصر الإبداع المسرحي سواء الفرق أو المؤسسات أو الهواة والجامعات والجاليات

يقوم العمل على الصراع بين الشخصيات، ويبدأ مع اختفاء والدة حبيبة ابن المغيسل، ويكتشف أهل القرية جثتها بعد عملية بحث ليتضح أنها مقتولة، فيحاول المغيسل التشكيك في أخلاقها من أجل غايات في نفسه يكشف عنها النص في نهايته.

وقد تألق الممثلون في أدائهم على خشبة المسرح، وأبهروا الجمهور بتجسيد شخصيات العمل، كما تم توظيف الإضاءة والديكور والأزياء لخدمة العرض، وهو ما كشفت عنه الرؤية الفنية للمخرج محمد الملا الذي ساهم في إبراز مكونات النص والشخصيات، بشكل فني مميز في تجربة هي الثانية التي جمعته بالمؤلف تميم البورشيد، والأولى على مستوى مسرح المحترفين.

وقدمت فرقة الوطن المسرحية عرض “جزء من النص مسروق”، تأليف الكاتبة عائشة أحمد البوعينين، وإخراج الفنان علي ميرزا محمود، بطولة علي ميرزا محمود، وعبدالواحد محمد، بمشاركة الفنانين خالد حسين، عبدالرحمن خالد، سهام وليد، أحمد عبدالعزيز.

يتناول العرض في قالب اجتماعي مغلف بالكوميديا قضية السرقات الأدبية، ويحكي قصة صحافي يعاني من تسلط مسؤوله المباشر الذي يعمل على سرقة كتاباته وإهدار حقه الأدبي، حيث يحاول الصحافي إرضاء مسؤوله الذي يطلب منه مشهداً يتم تجسيده على خشبة المسرح، لكنه لا يروقه، فيطلب مشهداً آخر، وآخر لتوحي بأنها نصوص داخل النص الأصلي، تتجسد جميعاً على الخشبة ويؤدي الشخصيات أبطال العمل أنفسهم. ويقدم العمل العديد من القيم والرسائل تلتقي جميعها في إطار الحدث الدرامي الأساسي في العرض وهو السرقة الأدبية، والبحث عن فرصة للشهرة الزائفة من خلال سرقة أعمال الآخرين.

وتألق الفنان علي ميرزا محمود والفنان عبدالواحد محمد في أداء الشخصية الرئيسية والشخصيات المضمنة في المشاهد، كما استطاعا أن يقدما ثنائياً جميلا في العرض بحرفية عالية تفاعل معها الجمهور الذي كان حاضراً بأعداد كبيرة، أما الحوار في العمل فكان سلساً مع قدرة كبيرة على الارتجال الذي كان موظفا بشكل لافت.

ومن جانب آخر قام المخرج باستخدام ديكور متغير تم توظيفه بشكل جيد خدم موضوع المسرحية، بالإضافة إلى الإضاءة التي كانت في مجملها داعماً للتصاعد الدرامي في العمل، وفي الصراع بين الشخصيات، إلى جانب الموسيقى التي لم تخرج عن السياق العام للعرض المسرحي.

وهو ما يؤكد حرفية المخرج وخبرته في التعاطي مع هذه النوعية من الأعمال وإن كانت الفكرة جديدة، وهي التي أجادت صياغتها الكاتبة الشابة عائشة أحمد البوعينين. وهو ما يؤكد التقاء الأجيال في مهرجان الدوحة المسرحي.

وقد لفتت عائشة أحمد البوعينين مؤلفة العرض إلى أنها تقدم من خلال العرض قضية واقعية تحمل رسالة فنية مهمة، موضحة أن المسرح من أهم فنون الأداء التي تعتمد على تجسيد القصة، والنص هو العمود الفقري التي ترتكز عليه المسرحية، والتي تؤدى بمنتهى الحرفية التعبيرية بواسطة مجموعة من الموهوبين. لقد اختار قلمي أن يجسّد الواقع، ويحاول أن يصل إلى بعض الحلول لمشاكله في إطار مبسط على هيئة مشاهد متعددة.

◙ أغلب العروض التي قدمها المهرجان واقعية تقودها الصراعات إلى دراما تكشف أعماق الشخصيات وتخلق حالة فرجة مثيرة

وأشار الفنان عبدالواحد محمد الذي قدم في العرض شخصية “الصحافي” الذي يعاني من تسلط مسؤوله المباشر الذي يعمل على سرقة وإهدار حقه المعنوي والأدبي، إلى أنه سعيد بالعودة إلى خشبة المسرح مرة أخرى بعد انقطاع دام لعدة سنوات. وقال “ما دفعني للعودة بكل حماس إلى المسرح هو الفنان علي ميرزا محمود الذي عملت معه قبل أكثر من 25 عاماً في بداياتي الفنية، ومن خلال هذا النص وقفت بجانبه على خشبة المسرح في مشهد ’الأستاذ والتلميذ’ وهو شرف كبير جداً لي أن أتواجد في عمل مسرحي بصحبة الفنان علي ميرزا محمود”.

أما مسرحية “وادي المجادير” لفرقة الدوحة المسرحية، تأليف وإخراج الفنان عبدالرحمن المناعي، فتتحدث عن فترة انتشار مرض الجدري في قطر تقريبا في عام 1963 وقد توفي بسببه الكثير من الأشخاص. وقام بتجسيد الشخصيات أحمد عفيف “في دور المداوي”، وزينب العلي “في دور أم سعد”، وجاسم السعدي “في دور المؤذن”.

يقوم العمل على الرمزية من خلال ثنائية الحياة والموت وتحوّلات الإنسان في ظل الكوارث التي تحل به وكيف يتغلب عليها بالحب والإيمان، وأن يبقى أمله بعودة الحياة وكفاحه من أجل ذلك. وقد وظف مخرج العمل ديكورا واقعيا ثابتا “القبور” بهدف الإحالة إلى واقعية الحدث الدرامي. كما تم توظيف مسرح خيال الظل في مشهد دفن الموتى. كذلك ساعدت عناصر العرض على إبراز مكامن الشخصيات المتأرجحة بين الضعف والقوة، وبين الحزن والفرح، من خلال ثنائية الموت “القبور” والحياة “الأمطار”.

وتعد المسرحية من الأعمال التراثية إلا أن لها أبعادا وجودية، لكن المخرج ابتعد عن التجريد وظل وفيا لواقعية العمل بصفتها جزءا أساسيا في إكمال الحالة التراثية المراد تحقيقها عن طريق استحضار الماضي، وبث شحنات عاطفية تولدت باقتراب الشخصيات من القبور.

من جانب آخر عززت الأشعار والأهازيج التي وردت على ألسنة الشخصيات الصراع الدرامي في العرض، كما عبرت بشكل مؤثر عن لواعج الشخصية “أم سعد” التي فقدت ابنها بسبب الوباء. وكان بناء الحالة الدرامية في العمل على قدر كبير من الأهمية. أما الإضاءة فكانت داعمة لعناصر العرض الأخرى، وساعدت على وضوح الرؤية لدى الجمهور الذي كان حاضراً بأعداد كبيرة.

كوميديا وتراث

◙ طرح درامي فيه الكثير من الصراعات
◙ طرح درامي فيه الكثير من الصراعات

قدمت شركة السعيد للإنتاج الفني العرض المسرحي “هروب” تأليف طالب الدوس، وإخراج فالح فايز، وتمثيل فالح فايز، طالب الدوس، فاطمة الشروقي، حسن صقر، سماح، موري. المثير للانتباه في هذا العرض هو التركيز على الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصيات، واستنطاق أغوارها، إلى جانب التركيز طوال العرض على ثيمة الهروب والتي تشكلت في مفردات باللهجة المحلية (يشرد – شرد.. الخ).

ويتناول العمل حكاية رجل يريد أن يتخلص من ضغوط الحياة بما في ذلك ضغوط الزوجة والعمل وهي ضغوط تجعله يشعر دائما بالممل فيضطر للهروب ويلجأ الى بيت على أطراف المدينة، وتلعب الصدفة دورها حيث يتزامن هروب الرجل من بيته مع انتشار إشاعة بأن هناك سفاحا هاربا من السجن، ويتصاعد الحدث الدرامي حتى يبلغ ذروته، ويظهر ذلك من خلال الصراع بين الشخصيات.

◙ طرح درامي فيه الكثير من الصراعات التي أحدثت ما يسمى "صدمة اللعبة المسرحية"
◙ طرح درامي فيه الكثير من الصراعات التي أحدثت ما يسمى "صدمة اللعبة المسرحية"

المسرحية تقوم على الكوميديا التي يصنعها الموقف “الخوف من السفاح، وتعبير الزوج عن خوفه، المتناقضات التي تحصل في العمل”، ونجح المخرج في إبراز قدرات الممثلين على خشبة المسرح، مما أوحى بأن هناك اشتغالا على عنصر الممثل، وتركيزاً واضحاً على لعبة التمثيل مما جعل الأداء متقنا والحوار سلساً بين الشخصيات.

كما تم استخدام ديكور بسيط ومعبر، في مشهدين مختلفين وهو ديكور ثابت لكن المخرج وظفه في عدة مشاهد، إلى جانب استخدام سينوغرافيا بسيطة من خلال وجود الشباك كخلفية للدلالة على القيود. بالإضافة الى استخدام الظل لإظهار الصوت الآخر للزوج أو ضميره المستتر الذي يدعوه للهروب.

كما تم توظيف مفردات تخدم العمل من الناحية الإخراجية. وهو ما عودنا عليه المخرج فالح فايز في مختلف الأعمال المسرحية التي قدمها. من ناحية أخرى تم استخدام مؤثرات موسيقية بسيطة في مسرحية “هروب”، هذه المؤثرات رافقت تفاصيل من العمل بالقدر الذي يجعلها موظفة توظيفا يخدم العرض. وقدمت فرقة الجالية اليمنية عرضها المسرحي “الطاهش” تأليف عبدالغفار مكاوي (1930-2012)، وإخراج صفوت الغشم، وتمثيل علي سيف، أحمد علي، مشعل عبدالعزيز، حمد عبدالصمد، أمينة إدريس، مريم سعيد، أميرة ياسر، فردوس يعقوب، وآخرين.

يتناول العمل حكاية من التراث العربي تحكي قصة امرأة زوّجها والدها من ابن عمها “الأبله”، وفي خضم الأحداث يعلن مناد أن وحشاً يسمى الطاهش يتربص بالمدينة، ويهدد حياة الأهالي، ويخبر المنادي الناس أن الوالي رصد جائزة لمن يخلص المدينة من هذا الشر، بأن يزوّجه ابنته، ويعرض على الأبله الذي يصطاد الذباب ويدعي أنه أسر ألفاً وقتل ألفاً والألف الباقية هربت، أن يقوم بهذه المهمة.

وخلال مواجهة مع الوحش يهرب البطل لشدة خوفه، ويعود الى بيته. تكتشف الزوجة أن الوحش قد وصل الى بيتها فتبلغ زوجها، وتحاول أن تنشر بين الناس أن زوجها هو من خلص المدينة من الوحش، فتزغرد النسوة فرحا، ويهتف الجمع باسمه، ويتحول إلى بطل شعبي بمساعدة زوجته.

استخدم المخرج ديكورا بسيطا معبرا عن الانتقالات المكانية والزمانية، وكذلك الإضاءة البسيطة التي وظفت في مواقع معينة من المسرحية، وكانت مساندة للحدث. كما استخدم مؤثرات موسيقية مسجلة وأخرى حية، جاءت المؤثرات الحية رغم طولها في صلب موضوع المسرحية.

◙ المخرج نجح في إبراز قدرات الممثلين على خشبة المسرح، مما أوحى بأن هناك اشتغالا على عنصر الممثل

أما الممثلون فكان هناك تفاوت في أدائهم، عدا أبطال المسرحية الذين أدوا بجدارة أدوارهم. كما وظف مخرج العمل الحكاية التراثية التي كتبها الدكتور عبدالغفار مكاوي، في إطار إسقاطات سياسية على الوضع الراهن الذي يعيشه اليمن، والذي ظهر في شكل صور ثابتة من خلال الشاشة الخلفية التي استخدمها أيضاً لتقريب صورة الوحش من الجمهور، كما تم توظيفها لإبراز جماليات المعمار اليمني وآثار الحرب على اليمنيين، خاصة الأطفال منهم.

اللهجة اليمنية كانت حاضرة في المسرحية وكان استخدامها بشكل مكثف بطريقة تفاعل معها الجمهور. في المقابل، كانت الفصحى طاغية على العمل مما يؤكد التزام المخرج بالحكاية التراثية العربية. وقام العمل أيضا على توظيف الفلكلور اليمني في مشهد العرس، ومشهد النهاية، كما كانت الأزياء اليمنية حاضرة ممّا يعطي دلالة على محلية العمل.

وجميع هذه المفردات (اللهجة، والأزياء والفلكلور) استطاعت أن تقرب المشاهد من البيئة المحلية اليمنية. ومما يلاحظ أن المشهد الأخير في المسرحية كان مباشرا وذا دلالة، إذ ربط الحكاية بالحالة الإنسانية في اليمن، والانقسامات التي خلفتها التكتلات السياسية. وكانت العبارة الصريحة في الختام هي الدعوة الى وحدة الشعب اليمني "الحب في صنعاء والعشق في عدن".

13