مهدئات عاطفية للسمنة

اليوم تجمع الدراسات على أن سبب السمنة ليس الطعام وحده، بل يعزى إلى التوتر المزمن أو النقمة على الحياة واعتبار كل ما مرتبط بها سلبيا.
الاثنين 2022/09/12
الفهم العام لمسببات السمنة عفى عليه الزمن

عندما يرى يوفال نوح هراري عالم الاجتماع الأكثر قراءة، أن البشرية تعيش أفضل مراحلها في التاريخ، لأن الإنسان لم يعد يموت من الجوع، بل من السمنة المفرطة! لا يخفي تهكمه المتسائل، من دون أن يتراجع عن جديته في الوصول إلى هذا الاستنتاج.

هناك حديث طويل ومكرر ومستمر عن البدانة، لكن الأسباب المفيدة لإنقاذ أجسادنا منها، قليلة الفاعلية، إن لم تعتمد على خيارنا الشخصي وإحساسنا اللازم للمحافظة على أجسادنا بكبح رغباتنا وليس عدها مجرد رفاهية وترف وتسلية.

ليس صحيحا، أن كل مشاكل سكان دول الخليج العربي الصحية متعلقة بالسمنة، ذلك أشبه بحال مدرب لكرة القدم يعزو خسارة فريقه بشكل دائم لأن الفريق الخصم سجل أهدافا أكثر. ماذا عن فريقنا، وماذا عن أنفسنا؟

أتذكر هنا الاستغراب المستمر الذي يبديه البريطانيون إزاء بدانة قطط بلادهم. استسخف أحد الأطباء البيطريين الدهشة المرافقة لهذا السؤال المستمر في تحقيق لصحيفة الغارديان بقوله “ببساطة لأننا نقلنا للقطط سلوكنا السيء وليس فقط طبيعة طعامنا”.

سبق وأن فشلت حكومة بوريس جونسون في سياسة محاربة السمنة لأنها خاطبت البريطانيين بنبرة انتقاد، وليس بتحسين جودة حياتهم وبيئتهم للمساعدة في تهيئة أجواء حياتية رشيقة. كان على الحكومة أن تغير الظروف وليس الناس.

أما أنا فكنت أشعر بوطأة سؤال اللياقة مع كل صديق أراه بعد أشهر طويلة من التباعد منذ أن كسر الوباء طقوس حياتنا الاجتماعية السابقة “كيف حافظت على وزنك كل هذا الوقت ولم تصب مثلنا بالسمنة”.

مثل هذه النظرة المتشائمة للحياة والسمنة جزء منها، أصابت لغة الروائية الإيطالية فرانشيسكا ميلاندري، في نص مشبع بالدهون، وهي تقرأ المشهد الذي ينتظرنا بعد أسابيع من انتشار كورونا، قالت إن ما نترقبه ليس الخوف فقط، بل السمنة والسمنة أكثر!

ويبدو لي أن السبب وراء ذلك، في الأغلب، هو أن الفهم العام لمسببات السمنة قد عفى عليه الزمن، ما يعني أن معظم العلاجات المقترحة، وفق الكاتب في صحيفة فايننشيال تايمز جون بورن مردوخ، مضللة مثل وضع ملصقات على المواد الغذائية.

ويتساءل “من الصحيح أن نقول إن الذين يستهلكون سعرات حرارية أكثر أو ذات جودة أقل يزيدون خطر اكتسابهم الوزن. السؤال هو لماذا يستهلك الناس السعرات بشكل مختلف؟”.

لقد توصلتُ إلى نتائج رائعة تأسيسا على هذا السؤال، في رحلة عمل إلى تركيا، عندما دعاني أصدقاء بشكل يومي على مدار أسبوع كامل للإفراط في تناول الطعام التركي، لكنني قابلت مجاملتهم الكريمة بالمزيد من النشاط البدني، في اليوم نفسه، ولم أشعر خلال أسبوع أن فقدان الوزن أصعب بكثير من الحفاظ على الوزن.

اليوم تجمع الدراسات على أن سبب السمنة ليس الطعام وحده، بل يعزى إلى التوتر المزمن أو النقمة على الحياة واعتبار كل ما مرتبط بها سلبيا.

بل وجدت دراسة جديدة أن بين الأشخاص الأكثر قابلية لاكتساب الوزن، كان الافتقار إلى التحكم في المهام التي يؤدونها في وظائفهم، وكيفية أدائهم لها، مرتبطا بقوة بزيادة الوزن.

قبل الحجر المنزلي كان انتظام العادات الغذائية لا يتوافق ببساطة مع عدم انتظام العمل، لذلك حافظت على لياقتي على مدار أكثر من عامين من العمل المستمر من المنزل، بتمارين صباحية غير شاقة وقناعة شخصية بمهدئات عاطفية، تبدأ بطعام بسيط ومشي كلما تسنى لي ذلك، لأحصل على أرقام رائعة على شاشة هاتفي مساء كل يوم وهو يعد نيابة عني الخطوات التي مشيتها حتى في حديقة منزلي الصغيرة.

20