مها المنصور لـ"العرب": اللون ليس مجرد عنصر جمالي بل هو لغة

فنانة تحمل ضمير مجتمعها وتدمج التلقائية مع الرمزية والقوة مع الشفافية.
الأحد 2025/02/09
أنا فنانة متصالحة جداً مع التناقضات في الحياة

تعمل الحواس الحاضرة في المنجز الفني الذي تقدمه الفنانة التشكيلية الكويتية مها المنصور على تحفيز التمعن العميق في العلامات، تلك التي تتجول فيها برفق متقن الحركة في اللوحة والفيديو وهي تتراءى بين الكثافة والفراغ، بينما اللون هو ما يحكم الحركة في اللوحة التي تسعى أن تكون مفرداتها كونية لا تتوقف في مساحة ثقافية واحدة. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الفنانة حول رؤاها وعملها واشتغالاتها الفنية.

لا يقف حضور المخيال في تجربة التشكيلية الكويتية مها المنصور عند التصورات والاعتبارات الحسية أوالانفعالية التي تقدّمها في أعمالها البصرية، ولكن تنعكس منه الصور كمرايا تتكاثف في تماس مع المعنى وتتراكم بين ذائقتها ومخزونها النابع من تكوينها المتكامل المنطلق من بيئتها وانتمائها.

تجوّلت بين الفنون واستساغتها تلوّنت معها ومنها انطلقت إلى الفن التشكيلي لتخوض مسارها بتفرّد. جعلت اللوحة مسرحها ومن الشخوص خلقت دراما انعكست على مفاهيمها، فكانت سيّدة القصة والسيناريو ومخرجة الرمز والعلامة ومؤثّثة الركح التفاعلي بين كل هذا في عمق اللوحة حتى تحكي مفاهيمها بحرية بانسياب عمّق محتوى أعمالها، عن كل هذا التكامل والنشأة.

الهوية الكونية

العرب: كثيرا ما يكون اللقاء الصحفي طرحا لتساؤلات المعرفة وإضاءة لمنفذ الهوية البصرية للفنان، غير أننا سنبدأ من حيث التجربة، حتى نرتحل معك بين البداية وبين الاحتراف، كيف ترى مها المنصور تجربتها الآن وهل الهوية ماتزال تعبيرا ضيقا يقف عند الانتماء أم أنها تراها وقد أصبحت شاملة أكثر؟

مها المنصور: بالنسبة إلي، اللقاء الصحفي هو فرصة لفتح نوافذ جديدة على التجربة الفنية وتسليط الضوء على الهوية البصرية التي أعمل على تطويرها باستمرار والتي يحتاج المتلقي أن يعرف عنها ليميّزها ويعبُر إليها.

 أرى أن هويتي التشكيلية أصبحت أكثر شمولية مع مرور الوقت، حيث لم تعد تنحصر في الانتماء إلى مكان أو سياق محدد، بل باتت تتجاوز ذلك لتعبّر عن القيم الإنسانية والوجدانية المشتركة المتماهية بين ما هو شعوري وما هو خيالي وما هو واقعي وما هو جماليّ.

الحديث عن نضالات المرأة ومعاناتها في المجتمعات محتوى ثري يستحق أن تسلط الأعمال الفنية الضوء عليه

لأن الفن، في نظري، هو لغة عالمية تعكس الروح بعمقها وتنوّعها، وهذا ما أسعى إلى تجسيده في أعمالي.

فكل لوحة تحمل بصمة ذاتية، لكنها تمتد لتصل إلى المتلقي أينما كان باختلاف الأسلوب المفاهيمي التجريدي السريالي، فبفضل رمزية الألوان والتكوينات التي أستخدمها أستطيع تمرير المحتوى وخلق ألفة بينه وبين المتلقي، لذا أعتبر الهوية اليوم مساحة مفتوحة على كل الاحتمالات وليست مجرد مفهوم ضيّق، من حق المتلقي أينما كان أن يتعرّف على التجربة ويتواصل معها في لغتها وفق القراءات الفنية والبصرية، وأيضاً تعتبر توثيق مُستحق لمجهود الفنانين والهويّة هي العلامة التي ننطلق منها وتعبّر عنّا وتميّزنا نطرحها حتى نتفوّق بها وحتى تكون البصمة التي تسلّط علينا ضوء الابداع في اختلاف التوظيف.

العرب: الهويّة والانتماء تطرح دوما مها المنصور في تفاصيل الدمج بينها وبين عائلتها منبتها الفني الثريّ كيف ترين هذا الدمج في مناحيه التجريبية وكيف انطلقت به أبعد؟

مها المنصور: أرى أن الجينات المعنوية والجرعات في نمط الحياة منذ الصغر لها أثر بالغ في غرس الثقافة بشكل عام، والتركيز على الفن خاصة بطريقة تلقائية جميلة جداً، وجود الدعم المعنوي وأشخاص يؤمنون بقدرتك شي مهم جدا، عائلتي مختلفة عن باقي الأسر أكيد، لهم دور أكيد ولهم أثر بالغ في أن تكون لي شخصية وفن ومسار يعبّر عنمها المنصور وهذا شيء أعتز به دائما وأسعى دوما للتفرّد به.

الحضور الأنثوي

اللون الأحمر طاقة الحياة
اللون الأحمر طاقة الحياة

العرب: التشكيلية كثيرا ما تُعامل كامرأة في التوظيف وتخضع للتصنيف، هل يزعجك هذا؟ وكيف تعبّرين عنه في تجريبك البصري في الابتكار والعلامة؟

مها المنصور: شخصياً وفي مفاهيمي الخاصة أؤمن بطاقة المرأة وإبداعها وقد تتفوق في بعض المهام، فدائماً أرى أن المرأة عنصر جذاب وخصب وثريّ كعلامات وكإبداع يمكن تناوله بكل تفاصيله، في أغلب مراحل وفترات الإنتاج الفني، في مسيرتي الفنية سواء في اللوحة أو الفيديو آرت، لابد وأن يكون العنصر الأنثوي حاضرا للتعبير عنه أو من خلاله، فالحديث عن نضالات المرأة ومعاناتها في المجتمعات محتوى ثري يستحق أن نبرزه في الأعمال الفنية وأن نسلّط الضوء عليه نحن كفنانات بعيدا عن التصنيف فالتعامل مع المرأة ككيان فاعل في الحركة الفنية والتشكيلية هو في حدّ ذاته اعتراف بدورها في المجتمع أيضا واعتراف بعلاقة التكافؤ والندية بينها وبين الرجل بعيدا عن التصنيف.

العرب: لمها المنصور علاماتها الأيقونية ذات الحضور الأنثوي الطاغي الناعم والعميق، كيف كوّنتها وطوّرتها حتى جعلت منها بصمة في المفهوم والتعبير؟

مها المنصور: أنا فنانة متصالحة جداً مع التناقضات في الحياة فربما الجانب النفسي له دور كبير في وجود هذه الرموز   غالباً ما أعبّر عن أفكاري السريالية وشعوري الحاد بكل شفافية في الأعمال الفنية بكل قوة وجرأة وأعتقد هذا ما خلق التميّز لأن الأنوثة قوّة وعلامة سواء بشكلها المادي الموظّف أو المعنوي المحسوس في الألوان “اللون الأحمر” وفي الرؤية مثل علامة الوقت والساعات الفراشات في انعكاس الحيرة الانتظار أو الترقّب اعتماد الألوان، توظيف الكولاج والوسائط المتعدّدة الفيديو عناصر من البيئة الكويتية والخليجية بشكل عام والعلاقات الاجتماعية.

العرب: ما هو دور الفنان في المجتمع وكيف يستطيع أن يحمل رسائله في منجزاته؟

مها المنصور: دور الفنان في المجتمع محوري ومؤثر، إذ يمتلك الفنان القدرة على أن يكون مرآة تعكس قضايا المجتمع وثقافته وتاريخه، وأداة للتغيير والإلهام. من خلال مواكبته للتعبير عن قضايا الفرد والمجتمع، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية التي تهمّ أيضا الفرد أو المجتمع ككل، باختصار الفنان هو ضمير مجتمعه هو انعكاسه وصوته، ودوره يتعاظم حين يوجّه جهوده لخدمة القيم الإنسانية والارتقاء بالوعي العام.

دمج الفنون

العرب: بين اللوحة والفيديو آرت مراحل بصرية تطوّرت فيها الفنون التشكيلية أبعد، كيف أثّرت هذه التطورات على تجربتك وأين تجدين نفسك أكثر في اللوحة أو في الفيديو آرت؟

مها المنصور: أجد أن اللوحة هي أساس العمل الفني الذي يحمل عناصر ومعايير فنيه مهمة والفيديو آرت هو امتداد لهذه التفاصيل وبحسب المضامين والتفاصيل المناسبة للعمل الفني، حيث يتحقق عنصر الدهشة للمتلقي، وقد يكون الفيديو مواكب لهذه الحقبة من الزمن في ظل هذه التطورات السريعة ويحاكي هذا الجيل بأسلوبه العصري اللوحة هي المحفّز الأولي للخيال الذي يشكّل المادة الأساسية للعمل الفني.

كل لوحة تحمل بصمة ذاتية، لكنها تمتد لتصل إلى المتلقي أينما كان باختلاف الأسلوب المفاهيمي التجريدي السريالي

 العرب: المواكبة التقنية والتطوير هل ترينه ضروريا في المرحلة المعاصرة للتشكيل؟

مها المنصور: كما ذكرت سلفاً أن مثل هذه الأعمال الفنية تواكب هذا العصر وتُحاكي مخرجات هذا الجيل من حيث طبيعة الحياة والنمط السريع للتطوّر الرقمي، وأيضا تساعد في الانتشار في هذا الفضاء الواسع والمفتوح على العالم، وقد يكون أيضاً هذا النوع من الفن أداة لجذب الجمهور والشباب لأصول الفنون التشكيلية والتعرف على المدارس الفنية والبحث في أساسيات الفن.

العرب: هل تعتقدين أن العمل على دمج الفنون قد يخلق جسر تواصل بين الفن التشكيلي ومنافذ التعبير؟

مها المنصور: نعم، العمل على دمج الفنون يمكن أن يُنشئ جسورًا قوية للتواصل بين الفن التشكيلي ومنافذ التعبير الأخرى، مثل الأدب، الموسيقى، المسرح، والسينما.

إثراء الإبداع المتبادل: التفاعل بين الفنون المختلفة يعزز الإبداع، حيث يمكن للفنان التشكيلي أن يستلهم من قصيدة أو مقطوعة موسيقية، ويُعبّر عنها بصريًا، على سبيل المثال، يمكن للوحة فنية أن تُجسّد مشاعر قصيدة أو أن تُترجم الموسيقى إلى ألوان وخطوط.

دمج الفنون يمكن أن يُنشئ جسورًا قوية للتواصل بين الفن التشكيلي ومنافذ التعبير الأخرى كالأدب والموسيقى والمسرح

توسيع الجمهور: دمج الفنون يساعد على جذب جماهير متنوعة، على سبيل المثال، معرض فني مصحوب بموسيقى مباشرة أو قراءة أدبية يجعل التجربة متعددة الأبعاد وأكثر جاذبية للزوار.

تعزيز الفهم الثقافي: من خلال الربط بين الفنون، يتم تسليط الضوء على القواسم المشتركة التي تربط بين الأشكال المختلفة من التعبير، مما يعزز الفهم الثقافي العميق ويخلق لغة عالمية مشتركة.

إمكانيات العرض الرقمي: التكنولوجيا اليوم تقدم منصات متعددة يمكن أن تجمع بين أشكال الفنون، مثل العروض التفاعلية التي تدمج الفن البصري مع الأداء الحي.

لغة الألوان

عندما يكون اللون اقتناص الوجدان تكون اللوحة استثنائية
عندما يكون اللون اقتناص الوجدان تكون اللوحة استثنائية

العرب: كيف بدأ شغف التشكيل يحمل مها المنصور إلى ثنايا الابداع البصري؟

مها المنصور: ولدتُ في بيئة مشبعة بالفن والإبداع، حيث كان والدي المخرج الراحل عبدالعزيز المنصور مصدر إلهام دائم لي.

ومن هنا، بدأ شغفي بالتشكيل ينمو ليصبح نافذتي إلى عوالم أعمق، لقد استلهمت من تجاربي الإنسانية ومن قضايا المرأة وتحوّلاتها المستمرة، حيث أصبح اللون والقماش “ركحي” أو لغتي الخاصة للتعبير.

في أعمالي، أدمج التلقائية مع الرمزية، وأمزج بين القوة والشفافية عبر الألوان، خصوصًا اللون الأحمر، الذي يُجسد طاقة الحياة والتحولات، أهدف من خلال لوحاتي إلى إحداث تفاعل وجداني بين المتلقي والعمل الفني، لتكون كل لوحة جسرًا نحو التأمل والفهم العميق، ولا يخفى ذلك بالتحول إلى الفلم أو الفيديو آرت.

العرب: هل تعمل مها المنصور على تكثيف لون على لون في العمل الفني ولماذا؟

مها المنصور: نعم، أعمل على تكثيف لون على لون في بعض أعمالي الفنية، لأنني أرى في هذه التقنية وسيلة للتعبير عن العمق والطبقات النفسية التي يعيشها الإنسان. اللون بالنسبة إلي ليس مجرد عنصر جمالي، بل هو لغة تحمل أبعادًا شعورية وفكرية. عندما أدمج لونًا فوق لون، أخلق حوارًا بين الحواس والمعاني، حيث يُمكن للمتلقي أن يكتشف طبقات جديدة من المشاعر والتفسيرات مع كل نظرة.

هذه التقنية تسمح لي بتجسيد الحركة، الصراع، والتحوّل، وهي تمثل جزءًا من فلسفتي التشكيلية في البحث عن جوهر الإنسان والوجود.

العرب: كلمة عن الفن وعن التجربة تضيفها مها المنصور؟

مها المنصور: عندما يبلغ الفن مرتبة النضج يمكن أن يحقّق الاستثناء الأصيل وهذا النضج لا يتأتى من فراغ بل من مواكبة وصبر اصغاء للرأي للنقد مهما كان أكاديمي أو بسيط عابر أو له أثر المهم أن تستمر في النبش والتحليق بين الانتماء للذات في خلق تفاصيل البحث وللعالم في إثبات جدارة الحكمة الفنية بجمالياتها.

10