من يعيرني ضحكة

من منكم يا جماعة الخير يعيرني ضحكة وأتعهد بإعادتها إليه.. ضحكة واحدة على سبيل التطعيم واحتضان العدوى.
الثلاثاء 2022/08/09
في غياب عدوى الضحك

اللهم لا حسد، ولكني أغبط أولئك الذين يضحكون لأبسط النكات وأتفهها بل ويقهقهون بمنتهى الجلجلة وبكل ما أوتوا من حبال صوتية و.. وقاحة.

نعم، وقاحة، لأن لا شيء يثير الضحك سوى الذين يضحكون.

نعم، وجدتها.. لا شك أنهم يضحكون من أنفسهم حين يضحكون.

سأحاول أن أقتدي بهم إذن: هيا حاول أن تضحك كي تضحك من نفسك وأنت تضحك.. ستصبح سعيدا لأنك تضحك وليس ضاحكا لأنك سعيد.

اللعنة.. إنني لا أستطيع مهما حاولت ـ قلت لنفسي ـ والذين يضحكون يثيرون غيظي دائما فما حيلتي في الأمر؟

لا شك أني مريض نفسي، ولا بد أن أتعالج عند اختصاصي.

انضممت إلى حلقة في جمعية تعالج بالضحك عن طريق الاستثارة والتحفيز عبر نقل عدوى الضحك، دون جدوى.

من منكم يا جماعة الخير يعيرني ضحكة وأتعهد بإعادتها إليه.. ضحكة واحدة على سبيل التطعيم واحتضان العدوى.

لن أستفيض في أسباب انعدام الضحك وأبحث في المنغصات ومظاهر الاكتئاب مع تراجع مباهج الحياة وسط منغصات اجتماعية ونفسية محلية ودولية.. إلخ إلخ.

حتى هذا الأمر لم يعد يعنيني لأني أعرفه سلفا، ولا أحتاج إلى من يشرحه لي بمنتهى الفذلكة والتفاصح.

كل ما في الأمر هو أني مصاب بمرض جيني على ما يبدو، ويتمثل في انعدام القدرة على الضحك، تماما مثل أولئك الذين تفتقد الغدد لديهم لإنتاج الدموع، لكن هذا لا يعني أنهم لا يبكون.

وفي المقابل، فإن العكس صحيح أيضا أي أن من الناس من له إفراط في إفراز الدموع دون أن يكون متأثرا بهول ما شاهدته عيناه وخاطب مشاعره.

المسألة إذن تتعلق باستعداد وراثي وحالة جينية لا دخل فيها للمؤثرات الخارجية والعوامل الاجتماعية مثل الفرق بين الخمول وفرط النشاط، فلا الأول كسول بطبيعته ولا الثاني نشيط بإرادته.

أما الجانب الموضوعي الذي تساءلت عنه بداية هذه السطور فيستحق المناقشة بترو وحذر شديدين، ذلك أن المصابين بفرط الضحك هم عادة من البسطاء والطيبين وعديمي الخبرة من أولئك الذين تثيرهم أي مفارقة لا يتوقعونها.. وهذا حجر الزاوية الذي ينبني عليه فن الضحك.

شخصيا ومن خلال تجربتي المتواضعة في الكتابة والإخراج المسرحي، كنت أفاجأ عند كل عرض أقدمه بكم هائل من الضحك لدى الجمهور، حتى أن الأمر أصابني بالإرباك وخشيت أن أتّهم بالتهريج والسعي لاستجداء الضحك.

طبعا كان يختبئ خلف كل ضحكة مجلجلة وجع إنساني ضارب في عمق الذات البشرية، لكني لم أسع لا إلى استدرار الدموع ولا إلى الاستدراج نحو الضحك.

أقول هذا وأنا أحاول الضحك ممن يطلقون على أنفسهم نجوم الكوميديا، فلا أقدر عليه بل خانتني مشاعري نحو الدموع.

20