من يريد توريط الولايات المتحدة في حرب الشرق الأوسط

روسيا وإسرائيل تتوافقان في فكرة توسيع الحرب عبر إشراك الجيش الأميركي فيها، إذ لكل واحدة منهما مصالحها الخاصة.
الخميس 2024/08/15
واشنطن مرغمة وليست مخيّرة في الدفاع عن إسرائيل

قال مسؤولون أميركيون لوكالة رويترز إن ما لا يقل عن خمسة جنود أميركيين أصيبوا في هجوم على قاعدة عين الأسد في العراق مساء الإثنين 5 أغسطس الجاري. ويأتي هذا وسط حالة من التأهب في الشرق الأوسط لموجة جديدة محتملة من هجمات إيران وحلفائها بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.

هذا الهجوم يعتبر تطورًا نوعيًا بعدما أرسيت التفاهمات غير المعلنة بين إيران والولايات المتحدة لتجنيب المنطقة حربا كبرى، لاسيما بعد الهجوم الذي نفذته جماعات عراقية موالية لطهران في ديسمبر الماضي على قاعدة أميركية قرب الحدود الأردنية وأدى إلى مقتل 3 جنود وإصابة 35 بجروح مختلفة. وحافظت التفاهمات الأميركية – الإيرانية على كينونتها في المنطقة، حتى بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في سوريا والتي اغتالت فيها تل أبيب مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين، فبرز ذلك من خلال حجم الرد الإيراني الذي أتى مدروسًا، لا بل أُبلغت به الإدارة الأميركية مسبقًا.

ويعتبر البعض أنّ الضربة الأخيرة على قاعدة عين الأسد الأميركية خرق واضح لقواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران. هذا ما يؤكّد أن الأمر لم يكن من باب الصدفة، ولا هو تصرف فردي لإحدى الجماعات الإيرانية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: هل هو عمل منسّق ومتّفق عليه بأمر من القيادة الإيرانية مباشرة، التي رفعت فوق أحد مساجد مدينة قم العلم الأحمر استعدادًا لحرب أكبر؟

أتت ضربة كسر قواعد الاشتباك بعد الزيارة التي قام بها أمين مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو،الذي اجتمع مؤخرا مع المرشد الأعلى في إيران. وفي ربط واضح بين الحدث العسكري واللقاء الأمني السياسي، يتساءل المتابع إن كانت الزيارة حملت معها ضوءا أخضر لطهران وحلفائها لتصعيد وتيرة الحرب مع القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة.

تحتاج روسيا إلى تصعيد إضافي في المنطقة، فهي الغارقة في حربها مع أوكرانيا والتي تشتكي دعم الغرب لكييف، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي إلى إطلاق المعادلة التالية “تسليح أميركا لأعداء روسيا، سيقابله تسليح روسي لأعداء أميركا، تحديدًا في المنطقة”.

البعض يعتبر أنّ الضربة الأخيرة على قاعدة عين الأسد الأميركية خرق واضح لقواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران

وانطلاقًا من هذه المعادلة نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن طهران طلبت من روسيا أنظمة دفاع جوي متطورة استعدادا لحرب محتملة مع إسرائيل.

وقال المسؤولون إن روسيا بدأت فعلًا تسليم إيران أجهزة رادار متقدمة ومعدات دفاع جوي. كما تتخوّف الاستخبارات الأميركية عبر تقاريرها من إقدام روسيا على مدّ الحوثيين بصواريخ بالستية متطورة ستشكل خطرا أمنيًا جديدا على الوجود الأميركي في المنطقة، وعلى أمن إسرائيل أيضًا.

ليست روسيا الوحيدة التي تهتم بتوريط الولايات المتحدة في الحرب بالشرق الأوسط، خصوصًا وأنها ترى في ذلك أمرًا يساعدها على إلهاء أميركا عن تقديم الدعم للجيش الأوكراني، ما سيسمح لقواتها بتحقيق الانتصارات الميدانية.

وهناك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعمل منذ 7 أكتوبر الماضي على إشراك الجيش الأميركي، بهدف كسر الطوق الذي يفرضه محور الممانعة على إسرائيل بدءا من إيران ووصولًا إلى حركة حماس في قطاع غزة.

ويستغل نتنياهو الفرصة تلو الأخرى ليستفز إيران وحلفاءها، فهو يعمل على توسيع دائرة الحرب من خلال أمر جيشه بتجاوز كافة الخطوط الحمر. فكانت الضربة التي نفذها في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تعتبر المعقل الرئيسي لحزب الله، والتي استهدف من خلالها القائد العسكري بحزب الله فؤاد شكر، الأمر الذي دفع الحزب إلى رفع الصوت عاليًا مهددًا بالتصعيد والانتقام.

نتنياهو يستغل الفرصة تلو الأخرى ليستفز إيران وحلفاءها، فهو يعمل على توسيع دائرة الحرب من خلال أمر جيشه بتجاوز كافة الخطوط الحمر

التصعيد والانتقام لم يكنا فقط عند الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، بل أيضًا من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران الذي طلب من الحرس الثوري تنفيذ الانتقام، بعد إن اغتالت إسرائيل في قلب طهران رئيس السلطة التنفيذية لحركة حماس إسماعيل هنية.

إن المنطقة تتراقص على حافة الانهيار نحو حرب كبرى، وإن إسرائيل اليوم تعيش حالة من الانتظار على الردّ من قبل محور الممانعة الذي من المحتمل أن يكون رده على قدر الاستفزازات الإسرائيلية. لهذا تلعب الولايات المتحدة دور الضابط لمنع توسع الحرب قبل أن تجد نفسها شريكًا حتميا لإسرائيل فيها.

وقد أعلن البنتاغون يوم الإثنين 5 أغسطس الجاري أن وزيري الدفاع الأميركي لويد أوستن والإسرائيلي يوآف غالانت تحدثا في اتصال عن التطورات في منطقة الشرق الأوسط، وأفاد في بيان بأن “أوستن تحدث مع غالانت لتأكيد التزام الولايات المتحدة الثابت مع إسرائيل في مواجهة التهديدات من إيران وحزب الله اللبناني والميليشيات الأخرى المتحالفة مع طهران”.

ولا يتردد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في ترداد ان بلاده لا تريد حربًا كبرى، ولكنها ستثأر حتمًا لهنية، وفي الوقت نفسه هناك تحشيد عسكري أميركي ينذر بأن الحرب قادمة لا محالة، وأن أيادي خفية تعمل على توسيع دائرتها على حساب الرغبة الأميركية – الإيرانية المشتركة في عدم توسيعها.

ولا يرغب الإيراني في الانزلاق في حرب لاسيما وأنه يدرك تمامًا أنه سيكون خاسرًا رئيسيًا فيها، لهذا برّر الأمين العام لحزب الله في كلمة متلفزة له الثلاثاء 9 أغسطس الجاري بأنه ليس مطلوبا من إيران وسوريا الدخول في قتال دائم لكن المطلوب الدعم المعنوي والسياسي والمادي والعسكري والتسهيلات.

ويتوافق الروسي والإسرائيلي في فكرة توسيع الحرب عبر إشراك الجيش الأميركي فيها، إذ لكل منهما قراءته بحسب ما تقتضيه مصالح بلاده، وهو يعمل على تحقيقها. لكن مهما كان السعي لإدخال الأميركي يبدو هناك تقاطع إيراني – أميركي من ناحية عدم الرغبة في توسيع دائرة الحرب، ما يعني أنّ الأمر سينتهي على قاعدة التسويات، وأن الجماعات الإيرانية المنتشرة في المنطقة لن تقدم على استهداف التموضعات الأميركية، وما حصل مؤخرًا من قصف قاعدة عين الأسد ليس سوى رسالة إيرانية لإعادة ضبط الأمور وعدم السماح للإسرائيلي باستجرار الحرب إلى المنطقة.

6