"من قلب الجحيم" مختارات لأيقونات ثقافية عالمية

الكتاب يقترح مختارات لأفكار وقصائد وترجمات في ماهية الشعر لأيقونات ثقافية، كانت شاهدا على زمن الشعراء الكبار.
الاثنين 2020/12/14
نظرة من عمق جحيم الشعر (لوحة للفنان غسان العويس)

ميلانو (إيطاليا)- كتاب “من قلب الجحيم – في ماهية الشعر”، إعداد وترجمة الكاتبة والمترجمة العراقية خالدة حامد، كتاب يتخذَ عنوانه من ماهية الشعر الحقيقي، والذي بحسب رأي هيدغر، هو الذي يكشف ماهية الوجود وماهية اللغة؛ والشاعر الحقيقي هو القادر على تحمل أعباء المزاوجة بين الفلسفة والشعر في قلب الجحيم. ومن جهته فإن الشاعر الأميركي جيمس رايت، وحينما تلقى رسالة من ابنه فرانز، فيها قصيدة كتَبَها له، رد عليه “أنت شاعر؟! مرحبا بكَ في الجحيم”.

هذه المختارات يجمع بينها قاسم مشترك هو الشعر وإن فرّق بينها الزمن والاتجاه، فقد صنف النقاد شعراءَها ضمن مدارس أو حركات أدبية مختلفة، سيلفيا بلاث وفرخزاد، مثلا، في خانة “الشعر الاعترافي”، جيمس رايت وروبرت بلاي، في خانة “الصورة العميقة”.

العثور على ذاته في نص آخر
العثور على ذاته في نص آخر

ويمكن أن ننظر إلى هذه المختارات من زاوية كونها محاولات في ترجمة الشعر أو شعرية الترجمة، حينما ينجح مترجم مثل إليوت، أو بلاي، في الإمساك بالقصيدة في محاولة منه للعثور على ذاته في نص آخر، عبر اختراق حجابات شاعر آخر، وانتزاع قشرة النص والدخول إلى لبه، أو لفتح نافذة أخرى نطل منها على مهارة الشاعر المترجم وبراعته وهو يفك أختام نص محكم الغلق وصولا إلى الحقيقة الساطعة وهي أن “ما يبقى، يؤسسه الشعراء”، لأن الشعر تأسيس بالكلمة وعبر الكلمة.

وتتساءل المترجمة في مقدمة الكتاب الصادر عن منشورات المتوسط -إيطاليا: كيف يمكن الوصول إلى ترجمة نابضة بالشعر؟ وما هي عدتها؟ أيمكن القول إن الموهبة الشعرية هي الشرط الوحيد لإتقان ترجمة الشعر، إلى جانب امتلاك ناصية اللغة؟ ربما تتضافر عوامل عدة لإتقان ترجمة الشعر، منها مثلا الرغبة بالترجمة والشغف بها، المثابرة والدأب، غزارة المعرفة، الموهبة، وقد تكون اللذة التي لا يشعر بها إلا مَنْ يخوض هذه المغامرة.

والكتاب يقترح مختارات لأفكار وقصائد وترجمات في ماهية الشعر لأيقونات ثقافية، كانت شاهدا على زمن الشعراء الكبار، من أمثال إليوت وهولدرلين وروبرت بلاي وتوماس ترانسترومر. ونقرأ مقالاتهم وما كتب عنهم وعن اشتغالاتهم الشعرية والفلسفية وترجماتهم بأقلام أسماء من أمثال هيدغر، وروكسانا برسانو ووليام فريدمان وغيرهم.

هيدغر مثلا، المنشغل بالبحث عن حقيقة الوجود وجد في ماهية الشعر ضالته. ولأنه يؤمن بضرورة اللغة لوجود الإنسان، فهو يرى أن الشعر الحقيقي هو الشعر الذي يفكر عبر اللغة، ويكشف ماهية الوجود. فأي شاعر يمكن أن يحمل أعباء المزاوجة بين الفلسفة والشعر، والتي تفتح الباب واسعا أمام قضايا كبرى تخص ماهية الوجود وماهية اللغة؟ ولم يجد هيدغر مَنْ يبرع في هذه المهمة الشاقة أفضل من هولدرلين.

اهتم هيدغر بالشعر في وقت مبكر من حياته، ولم يتعرف على شعر هولدرلين إلا عام 1934، فأطلق عليه تسمية “شاعر الشاعر”  أو شاعر الشعر والشعراء، وهو يحتفظ لنفسه بمنزلة “مفكر الفكر”. اهتم بهولدرلين دون سواه، لأنه وجد فيه الصانع الماهر الذي يبرع في إقامة علاقة وشيجة ومميزة بين الشعر والفلسفة وليدها الفكر، حتى أحال الشعر إلى حوار يجريه مع العالم والوجود واللغة لتحقيق الكشف.

نتعرف من خلال الكتاب كذلك على إليوت بصفته الشاعر المترجم، إذ يبدو انشغاله بالترجمة واضحا إذا ما تتبعنا نشاطه الثقافي، وتأسيسه لصحيفة كرايتيرين (المعيار) عام 1923، والتي كان من أهدافها تحقيق التواصل الثقافي بين القراء، فكان لزاما ترجمة إسهامات من مختلف أصقاع أوروبا إلى اللغة الإنجليزية. وهكذا تم الاعتراف بالترجمة بأنها وسيلة مفيدة لضمان رواج الأفكار.

ويقول شيللي في مقاله الشهر “دفاعا عن الشعر”: “إن الشعراء هم الذين يشكلون العالم من دون أن يلحظهم أحد”. ويبرع شعراء هذا الكتاب، في شحن قصائدهم بعوالم شاسعة بكلمات صغيرة إلى أقصى معانيها.

15