من قال إن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي تتطلب تعلم حيل جديدة

تعلم حيل جديدة يزداد صعوبة مع التقدم في العمر، هذا ما يؤكده المثل الإنجليزي، وهو أمر أتفق معه بشدة. لن أستطيع، وقد بلغت من العمر سبعين عاما، أن أبدأ مشوارا جديدا أتعلم فيه حيلا جديدة. لكن، من قال إن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى تعلم حيل جديدة؟
في الحقيقة لا نحتاج أن نكون عباقرة بالتكنولوجيا وضليعين بلغات الترجمة لنستفيد من الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للجميع. نحن لم نكن بحاجة لفهم التكنولوجيا التي تقف خلف إقلاع الطائرة وتحليقها في الجو وثباتها أثناء الطيران ثم هبوطها بسلام على الأرض، لنستخدمها.
شخصيا لست ضليعا بالخوارزميات أو الرياضيات أو لغات البرمجة، ويكاد أن يكون كل ما أعرفه عن القادم الجديد لا يتجاوز الصفر. خاصة أن الذكاء الاصطناعي انتشر على مستوى كبير وأنا في السبعين، وهو عمر لا يتعلم فيه الإنسان حيلا جديدة.
في حياتي المهنية قدم لي الذكاء الاصطناعي خدمات كبيرة، واحدة منها أنني مازلت أمارس مهنة الصحافة حتى يومنا هذا، ولا أقصد هنا الصحافة الميدانية، ولكن التحرير والكتابة. ولولا الذكاء الاصطناعي وما قدمه ويقدمه لي من خدمات كنت أجبرت على التقاعد.
◄ الجميع يعيش في تناغم مع التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي يعمل بكد دون أن يشكو تعبا أو مللا، وفي كل يوم يطل علينا، تظهر تطبيقات جديدة تجعل الحياة أسهل
قبل أن أقول لماذا أريد أن أرجع بذاكرتي ربع قرن إلى الوراء، عندما اكتشفت لأول مرة الإنترنت، يومها ظننت أنها كنز هبط عليّ من السماء، ولم أتخيل الحياة من دونه، وكنت أخشى أن يكون الأمر مجرد مزحة، ورحت احتفظ بالصور والمعلومات لأنني خشيت أن أعود يوما إلى الإنترنت فلا أجدها.. نعم كنت بهذا القدر من السذاجة.
اليوم على الأقل لا أتعامل بنفس القدر من السذاجة مع الذكاء الاصطناعي، فأنا أعلم أنه هنا ليبقى، وأن ما قدمه للبشرية من خدمات حتى هذه اللحظة ليس سوى النذر القليل. في جعبة الذكاء الاصطناعي الكثير من المفاجآت والأخبار السارة. في الحقيقة كل يوم نصحو على خبر جديد ومفاجأة جديدة. لم أعد أخشى أن أستفيق يوما لأجد أن الذكاء الاصطناعي مجرد حلم أو مزحة.
الانقلاب الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي في الحياة المهنية أحدثه أيضا في حياتنا اليومية وداخل منازلنا..
في مدينة المستقبل – الذي أصبح حاضرا – المنزل الذي نعيش فيه ليس كأي منزل..
الساعة تشير إلى السابعة صباحًا (يمكنك اختيار أي وقت آخر مناسب)، عندما تفتح الستائر تلقائيًا لتسمح بدخول الضوء وأشعة الشمس. التحكم الآلي في المنزل يعمل بكفاءة، حيث تم ضبط درجة الحرارة لتكون مثالية وتم تشغيل جهاز إعداد القهوة في المطبخ.
الكاميرات الذكية تراقب كل زاوية، والأقفال الذكية تؤمن الأبواب والنوافذ. لم يكن هناك مجال للقلق من أي تهديد خارجي.
في المطبخ، الأجهزة تعمل بتناغم.. الثلاجة الذكية تراقب المخزون وتضع قائمة التسوق تلقائيًا، أجهزة مراقبة الصيانة تنبه العائلة إلى أي صيانة مطلوبة قبل حدوث أي عطل.
◄ لا نحتاج أن نكون عباقرة بالتكنولوجيا وضليعين بلغات الترجمة لنستفيد من الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للجميع
المساعدة الصوتية “أمينة” (يمكنك أن تطلق عليها أي اسم آخر تفضله) تلعب دور السكرتيرة في الحياة اليومية.. تجيب على الأسئلة، تشغل الموسيقى، وتدير المهام اليومية بسلاسة.
وفي الزوايا، روبوتات منزلية تقوم بعملها بصمت. الروبوت “نظيف” ينظف الأرضيات بدقة، متجنبًا العقبات ومتعلمًا من كل جولة تنظيف يقوم بها.
الحياة في المنزل تسير كالساعة، كل شيء في مكانه، وكل مهمة تُنجز في وقتها. ولكن الأمر الأكثر إثارة كان في الحديقة الخلفية، حيث تعمل محطة تنقية مياه المطر الصغيرة على توفير المياه العذب للنباتات والزهور، بإشراف الروبوت “جنايني”.
الجميع يعيش في تناغم مع التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي يعمل بكد دون أن يشكو تعبا أو مللا، وفي كل يوم يطل علينا، تظهر تطبيقات جديدة تجعل الحياة أسهل وأكثر استدامة.
الجميع يشعر بالامتنان لهذه التقنيات التي أتاحت لهم قضاء وقت أكثر قيمة، بدلاً من القلق حول المهام المنزلية. الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة للراحة، بل هو جزء من الأسرة، يعمل في صمت ليضمن لنا حياة أفضل.
هذه المرة، عندما فتحت عيني، كنت متأكدا أنني لا أحلم، وأن الذكاء الاصطناعي هنا ليبقى.. والأهم من ذلك كله لا داعيَ للقلق، لن أحتاج لتعلم حيل جديدة للاستفادة منه.