من سماك أغناك

عالم السياسة ليس بمنأى عن قاعدة "من سمّاك أغناك"، إذ تفردت عبر التاريخ القديم والحديث، عائلات دون غيرها بالحكم وقيادة الدول والمجتمعات، حتى في أعتى النظم الديمقراطية.
الثلاثاء 2024/01/16
ضربة حظ جادت بها الصدف

“اللي سمّاك أغناك”: مثل تونسي يُقال في بعض الأسماء التجارية التي ورثت الشهرة بالتقادم، وبفضل تهافت الزبائن على محلاتها بحكم نوع من العدوى التي تسري بين الناس الذين يتسابقون للاقتناء من هذه الأسماء دون غيرها.

ومهما حاول أصحاب محلات تجارية مستحدثة منافسة هذه الأسماء المكرسة، فإنهم لا يفلحون، وغالبا ما يتحولون إلى “كشاشي ذباب” أمام بضاعتهم، وينتهي بهم الأمر إلى إعلان إفلاسهم وتغيير تجارتهم على الرغم من جودة خدماتهم وعروضهم التنافسية.

إنها ضربة حظ جادت بها الصدف، وشهرة صنعتها عوامل معروفة أو مجهولة، وعادة ما تكون بفضل إتقان تميز به الأب المؤسس فأورثه لأحفاد كسالى يقتاتون من اسم دون جهد أو تطوير.. وقديما جاء في القول المأثور “إن سألتم الله فاسألوه البخت”.

وتنطبق حالة الشهرة التي تكتسح الأسواق وتكسر كل منطق معني بجودة البضاعة وتفاضلية الأسعار والخدمات، على جميع المجالات، بما في ذلك عالم الأدب والفن، وحتى السحر والشعوذة والتداوي عند العرافين.

أما عالم السياسة فليس بمنأى عن قاعدة “من سمّاك أغناك”، إذ تفردت عبر التاريخ القديم والحديث، عائلات دون غيرها بالحكم وقيادة الدول والمجتمعات، حتى في أعتى النظم الديمقراطية.

هذه الحالة يكرسها ويشرّعها عالم الاقتصاد فيما يعرف بـ”الأصل التجاري” الذي يعنى بالأموال المنقولة والسمعة التجارية المتعلقة بالزبائن والعملاء، ولكن، كيف تنتقل هذه “السمعة” إلى مجال كالكتابة، وهل بات من البديهي أن ننتظر من نسل نجيب محفوظ وطه حسين وغارسيا ماركيز أدبا في مستوى وجودة ما أنتجه الآباء؟

قد تلعب التربية والرعاية العائلية والمحيط الفني والأدبي دورا في تنمية وإبراز الاهتمامات والمهارات، لكنها لن تنتج مواهب يتفق جمهور القراء على فرادتها كما يتفق عامة البسطاء من الزبائن على جودة مذاق “شاورما أبوأحمد” و”كنافة أبوعلي” و”عصير أبوشاكر”.

قد تساهم التقنيات الحديثة في توليد واستنساخ نكهات مماثلة لطبق أو منتج غذائي بعينه، لكن الناس يبقون مصرين على الذهاب إلى الاسم التجاري وإن شابه الكثير من التضليل والتزييف والإيهام، كما أن ملكة الكتابة لا تُورّث ولا تُقلد بل إنها لا تُكرّر لدى الكاتب الواحد، فلكل نص نكهته ومزاجيته، رغم كثرة القول هذه الأيام، عن إنجازات وفتوحات الذكاء الاصطناعي.

وتبقى المقاربة جائزة بين عالم صناعة الأطباق والوجبات والحلويات من جهة، وعالم صناعة

الروايات والقصائد والمسرحيات من جهة ثانية، مع فارق جوهري وهو أن العبقرية الأدبية ليس لها أصل تجاري، ولا تورّث فلا يُكتب مثلا، على غلاف الكتاب “تأليف فلان الفلاني وأبنائه”.

وحتى اسم الفرنسي ألكسندر دوما، لم يكن على نفس السوية الأدبية بين الأب والابن، لذلك لا توريث في الموهبة ولا المهارة، سواء كانت تتعلق بالأطباق الغذائية أو الأدبية.. ومع ذلك يستمر التسويق لها عن مكر أو غباء.

18