من المبكر جدا الإعلان عن سقوط حلب

كل الرسائل الصادرة عن الجهات ذات العلاقة بما يجري داخل سوريا، سواء صدرت عن أطراف قريبة من سوريا أو بعيدة عنها، تؤكد قناعة تترسخ يوميا، مختصرها: لا يقبل انتصار طرف على طرف آخر في الصراع الدائر داخل سوريا.
الحديث عن سقوط مدينة حلب بشكل كامل وانتصارات حققتها هيئة تحرير الشام، ساذج أو هو سابق لأوانه. بل، على العكس، ما بدا أنه انتصار للوهلة الأولى، سرعان ما تبدل ليثير المخاوف. هذا ما أثبتته التصريحات التي بدأت تتكشف بخجل أو بوضوح.
السهولة التي تم فيها دخول الفصائل الإرهابية إلى مدينة حلب يجب أن تثير العديد من التساؤلات، إن لم تثرها بعد. لكن، فشل القوات السورية في الدفاع عن المدينة لن يكون واحدا منها. في الواقع، دخول عناصر من هيئة تحرير الشام دون أن تواجه أيّ مقاومة، كان يجب أن يثير الخوف لأنه بدا أشبه بالفخ، وهو كذلك. وقد يقال قريبا إن الحكومة السورية تصرفت بحكمة حتى لا تعرّض المدينة للدمار وتعرض أهلها للقتل.
◄ أوروبا لن تقبل بوجود نسخة جديدة من داعش على بعد مرمى حجر من حدودها. حتى لو صدقت أنقرة والدوحة الكذبة التي اخترعاها عن حماية المعارضة، لن يجدا من يصدقهما بين الأصدقاء
لا يخفى على أحد أن الهجوم اختير لتنفيذه في الوقت المناسب، على الأقل هذه قناعة من خطط له؛ روسيا بدت غارقة بمتاعبها في أوكرانيا، وإيران تعرضت لفقدان أهم أذرعها في المنطقة، ودونالد ترامب لم يستلم بعد مهام منصبه.. إلخ.
لقد تسرّعت أنقرة، ومن خلفها الدوحة، وكشفت عن أوراقها دون أن تفكر بالعواقب. أيّ مبتدئ في التحليل السياسي، سيشير إلى الحجم الكبير لأعداد المقاتلين في فصائل ما سمّي بالمعارضة، وتسليحها وجاهزيتها، ويتساءل عن دور تركيا وقطر في تمويلها وتدريبها والإشراف عليها. لا شك أنه دور خبيث، لا يمكن حتى لأقرب أصدقاء الدولتين التغاضي عنه.
حلب لم تسقط، بل قد تصبح الفخ الأخير والشاهد على نهاية الدور التركي – القطري. وهذا ما بدأ يستشعره المسؤولون في كلا البلدين.
يبدو أن أردوغان كان يراهن على عنصر المفاجأة لبث الرعب في قلوب المسؤولين في دمشق. تخيل أنهم سيهرعون لتلبية مطالبه ما أن يعلن عن سقوط مدينة حلب الممسرح. بالطبع، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعروف عنه القدرة على التلون وتغيير المواقف، لم يحتج إلى وقت كبير ليدرك أن الخدعة التي قام بها انكشفت وقد تنقلب عليه، ليبدأ ومعه حكومة الدوحة بإطلاق تصريحات تحمل رسائل تهدئة.
لا شك أن تركيا ومن خلفها قطر فوجئتا بردات الفعل الغاضبة الصادرة عن الحكومات الأوروبية، التي لم تخدع بما قاله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من أن الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام وحلفاؤها ليس “تدخلا أجنبيا”. مدعيا أن غياب الحوار بين النظام السوري ومعارضيه هو السبب الرئيسي للتصعيد الحالي.
الحكومات الأوروبية تعرف المعارضة السورية جيدا، وتعلم أن لا علاقة لهذه المعارضة بالفصائل الإرهابية المسلحة، وأن هذه الفصائل لا تعرف لغة الحوار أصلا.
◄ الرسالة واضحة، طهران لن تتخلى عن نفوذها في سوريا وهي مستعدة للتدخل المباشر من أجل الدفاع عنه
ما حدث ويحدث في غزة وفي لبنان، ما زال ماثلا أمام الجميع، ولا يريد أحد أن يراه يتكرر على نطاق أوسع بكثير في سوريا في حال خرجت الأمور عن السيطرة، بما في ذلك إسرائيل التي كانت قطر تراهن على أنها ستستعيد ثقتها بها وتخفف غضبها تجاهها بسبب دعمها حركة حماس. ولهذا السبب تحاول الدوحة النأي بنفسها عن هيئة تحرير الشام والفصائل المرتبطة بها.
لا بد أن تركيا وقطر قرأتا الرسائل التي تضمنتها التصريحات الصادرة عن موسكو وطهران، وهما في طريقهما الآن للبحث عن طريقة لتغطية انسحاب العناصر الإرهابية التي زج بها في مدينة حلب، قبل أن تخرج الأمور عن سيطرة الجميع.
لقد تسرّعت تركيا بالاستنتاج بأن إيران وروسيا مشغولتان بمتاعبهما وأنهما لن تقفا إلى جانب الحكومة السورية، ولن تورطا نفسيهما بمتاعب إضافية عن تلك التي تواجهها.
لم تخف طهران استعدادها للوقوف إلى جانب دمشق، جاء ذلك على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي الذي أكد أن طهران ستدرس إرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك.
تعلم أنقرة والدوحة أن رسالة طهران ليست موجهة إلى المسلحين بل إلى من وقفوا خلفهم على مدار عشرة أعوام وأكثر ولم يبخلوا عليهم بالمليارات من الدولارات، وأولهم الدوحة.
◄ الحديث عن سقوط مدينة حلب بشكل كامل وانتصارات حققتها هيئة تحرير الشام، ساذج أو هو سابق لأوانه. بل، على العكس، ما بدا أنه انتصار للوهلة الأولى، سرعان ما تبدل ليثير المخاوف
الرسالة واضحة، طهران لن تتخلى عن نفوذها في سوريا وهي مستعدة للتدخل المباشر من أجل الدفاع عنه.
رسالة موسكو كانت هي الأخرى واضحة، لا تقبل التأويل، وجاءت على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال محادثة هاتفية مع أردوغان، طالبه فيها بنهاية “سريعة” للهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها في سوريا.
وشدد بوتين خلال المكالمة “على ضرورة إنهاء العدوان الإرهابي لجماعات متطرفة على الدولة السورية بسرعة، وتقديم الدعم الكامل لجهود السلطات الشرعية لاستعادة الاستقرار والنظام الدستوري.”
قد لا يكون الموقف الروسي والموقف الإيراني وحده كافيا لحسم الموقف داخل سوريا، إلا أن الموقف الدولي، خصوصا الموقف الأوروبي، قادر على حسم الموقف وإجبار تركيا وقطر على وقف دعمهما للفصائل المسلحة التي يزجان بها داخل سوريا.
لن تقبل أوروبا بوجود نسخة جديدة من داعش على بعد مرمى حجر من حدودها. حتى لو صدقت أنقرة والدوحة الكذبة التي اخترعاها عن حماية المعارضة، لن يجدا من يصدقهما بين الأصدقاء، وبالتأكيد لن يصدق كذبتهما أحد بين الأعداء.
لهذا، من المبكر جدا الإعلان عن نصر وعن سقوط حلب.