من ألمَّ بشيء من الثروة.. فليستتر

وأنا أقرأ خبر حفل زفاف أسطوري أقيم للمدعو “أنانت أمباني” ابن الملياردير الهندي “موكيش أمباني” – أغنى رجل في آسيا – تذكرت الملياردير الأميركي وارن بافت.. لماذا؟
هذا ما سأعود إليه بعد وصف سريع للعرس الهندي والاحتفالات التي رافقته على مدى أربعة شهور.
يقال إن الحفل كان واحدا من أكثر حفلات الزفاف بذخا في التاريخ؛ الأرقام تتحدث عن 152 مليون دولار أميركي، في بلد وصلت نسبة الفقر بين سكانه إلى 37.2 في المئة.
كلفة الطعام المستهلك خلال الحفل، الذي حضره 1200 مدعو من مختلف البلاد، بينهم بيل غيتس ومارك زوغربرغ وإيفانكا ترامب ومشاهير من بوليوود وهوليوود، بلغت 25 مليون دولار .
الرابط الوحيد بين عائلة أمباني وعائلة بافت هو الثروة، كلاهما ملياردير، الأول بثروة تقدر بـ79 مليار دولار، والثاني بثروة بلغت 134 مليار دولار أميركي.
بافت، وهو الأكثر ثراء بينهما، بدأ مسيرته المهنية موظف مبيعات في شركة للسمسرة. وفي عام 1956، أسس شركة “بافت أسوسيتس” وبدأ في إدارة الاستثمارات. وفي عام 1965، استحوذ على شركة “بيركشاير هاثاواي”، وهي شركة نسيج، حولها إلى شركة قابضة متنوعة.
تحت قيادة بافت، نمت “بيركشاير هاثاواي” لتصبح واحدة من أكبر الشركات القابضة في العالم.
في عام 1958 اشترى بافت منزلا مقابل 31 ألف دولار، في أوماها، نبراسكا، يحتوي على خمس غرف نوم، وتقدر قيمته الحالية بـ1.3 مليون دولار. وهو مبلغ متواضع لا يكفي لشراء شقة صغيرة وسط لندن أو باريس حاليا.
خلال 66 عاما لم يغير وارن بافت منزله القديم، واختار أن ينفق ثروته بأمور ومقاصد أخرى. في عام 2006 أعلن عن خططه للتبرع بكامل ثروته للأعمال الخيرية، وفي عام 2010، أطلق مع بيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت، حملة أطلقا عليها “تعهد العطاء” لتشجيع أثرياء العالم على التبرع بنصف ثرواتهم، على الأقل، للأعمال الخيرية.
على النقيض من منزل بافت، منزل عائلة أمباني في الهند، ويُدعى “أنتيليا”، يُعتبر واحدًا من أغلى المنازل في العالم، إن لم يكن أغلاها على الإطلاق، وتُقدر قيمته بحوالي مليار دولار أميركي، وهو مبنى مكون من 27 طابقًا، ويحتوي على مجموعة متنوعة من المرافق الفاخرة مثل حمامات السباحة، وصالات الرياضة، وحدائق معلقة، وحتى مسرح خاص.
تخيلوا، 600 عامل يعملون في “أنتيليا” لتلبية احتياجات سكان المنزل وضيوفهم وفي صيانته اليومية.
اللهم لا حسد، أنا مقتنع بحياتي المتواضعة وسعيد بشقتي الصغيرة، التي لا أملكها. ما أردته من وراء هذه المقارنة، أن أقول إن الموروث الثقافي لأهل الشرق مبني على البذخ والتباهي وتحدي مشاعر الآخرين، باستعراض ما نملكه من ثروات.
هل صادف أن مرّ أحدكم يوما أمام 10 داونينغ ستريت، حيث يقيم رئيس وزراء بريطانيا، الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عنها.
لا بد أنكم لاحظتم أن البناء من الخارج عادي يشابه كل المنازل في المنطقة، إن لم يكن أقل بهرجة منها.
هذا ليس صدفة؛ أثرياء الإنجليز الذين حكموا الهند يوما لا يريدون أن يؤذوا مشاعر البسطاء والفقراء، ويعملون بالقول من ألمَّ بشيء من الثروة فليستتر.