من أسقط حكم عصابة الكبتاغون

في أبريل 1980، تفتق خيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو عن حل لا يمكن أن يصدر إلّا عن شخص واسع الخيال للتخفيف من أزمة البطالة والتخلص من المعارضين لحكمه، وفي الوقت نفسه الانتقام من الإدارة الأميركية لدعمها المعارضة في بلاده. قام كاسترو بفتح الحدود، معلنا أن أي كوبي يرغب في مغادرة البلاد يمكنه فعل ذلك من مرفأ مارييل على بعد 40 كيلومترا من العاصمة هافانا ويتجه إلى سواحل فلوريدا بالولايات المتحدة، في حادث عُرف باسم “أزمة مرفأ مارييل”.
ظلت الحدود مفتوحة لمدة خمسة أشهر، من أبريل إلى سبتمبر 1980، غادر خلالها 125 ألف كوبي البلاد.
في سوريا، لم تفتح الحدود، على العكس ظلت القوانين مشددة خاصة أمام الشباب الراغبين بالسفر. لكن، رغم القيود، استطاع حوالي 5.5 مليون سوري وسورية بينهم أطفال التسلل إلى دول الجوار مثل تركيا والأردن ولبنان، ونزح 6.9 مليون داخليا تاركين بيوتهم وراءهم، وتوجه 1.3 مليون منهم إلى أوروبا بعد دفع مبالغ ضخمة لمهربين يعملون بالتواطؤ مع مسؤولين محليين يقتسمون الأموال معهم.
في المجمل، غادر 13 مليون سوري وسورية (أكثر من نصف عدد سكان سوريا البالغ حسب آخر إحصائيات 24 مليونا) بيوتهم وأعمالهم هربا من جنة الأسد.
في هذا يبدو واضحا تفوق بشار الأسد على فيدل كاسترو، خاصة إذا علمنا أن أكثر من نصف مليون من السوريين قتلوا خلال نفس الفترة، ونصف مليون آخر أُقفل عليهم داخل السجون.
ويمكن القول إن نصف عدد من تبقى من السوريين داخل البلاد كانوا راغبين بالسفر، لكنهم لم يتمكنوا من فعل ذلك، إما لأنهم لا يمتلكون القدرة الجسدية، أو لا يمتلكون القدرة المادية للقيام بتلك المغامرة وتمويلها.
لقد سقط النظام السوري قبل دخول هيئة تحرير الشام إلى حلب وحماة وحمص ودمشق بزمن طويل، من كان يحكم سوريا عصابات عاشت على الابتزاز وتجارة المخدرات، في ظل حماية إيرانية – روسية.
النظام السوري سقط بفعل 13 مليون لاجئ ونازح ومليون آخر فقدوا حياتهم أو رُمي بهم داخل السجون.
عندما سُئل قائد الإدارة الانتقالية للحكومة السورية أحمد الشرع إن كان يعتبر نفسه بطلا حرر السوريين، رد بتواضع ودون تردد بأن من حرر سوريا هم السوريون الذين أُجبروا على النزوح من بيوتهم، ومن هاجر منهم إلى دول الجوار وإلى أوروبا.
لم يكن الشرع يتحدث بشكل مجازي، بل كان يتحدث عن واقع حقيقي. سقط النظام السوري لأن الاقتصاد السوري انهار كليا بسبب مغادرة أكثر من نصف السوريين سوريا أو النزوح إلى مناطق خارج سيطرة عصابات الكبتاغون، معظمهم من الشباب وأصحاب المهن والأكاديميين.
هناك رقم مذهل أعلنت عنه أنقرة مؤخرا وهو أن عدد المواليد السوريين الذين ولدوا على أراضي تركيا خلال 13 عاما بلغ مليون مولود.
استطاع بشار الأسد أن يفعل خلال 13 عاما ما عجز عن فعله فيدل كاسترو خلال سنين حكمه الـ49. الفرق أن فيدل كاسترو توفي عام 2008 في كوبا بعد أن استقال وخلفه شقيقه راؤول، بينما فر بشار وأخوه ماهر وباقي رؤساء عصابة الكبتاغون خارج سوريا.