منغصات سياسية وطائفية تعيق حصول المرأة اللبنانية على حقوقها

الحريري يدعم منح الأم اللبنانية الجنسية لأبنائها دون استثناء، ويؤكد أن تعديل القوانين مسؤولية البرلمان.
الأربعاء 2019/07/31
المعركة لا تزال طويلة

 بيروت - تشهد الساحة السياسية في لبنان عودة الجدل بشأن حقوق المرأة اللبنانية، وضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات القانونية لتعزيزها وفرض الشراكة والمساواة التامة مع الرجل، بيد أن هذه المطالب الجديدة القديمة لا تخلو من تعقيدات سياسية وطائفية تضعها بعض القوى وعلى رأسها التيار الوطني الحر، ما يعني أن المعركة لا تزال طويلة إلى حين بلوغ الأهداف المنشودة.

تتركز المطالب اليوم على ضرورة منع زواج الأطفال وإدخال تعديلات على قانون الجنسية بما يمنح المرأة اللبنانية المتزوجة بأجنبي الحق في إعطاء جنسيتها لزوجها وأبنائها، ذلك أن القانون الحالي الذي يعود لعام 1925 والمعدل في العام 1960 ينص على أنه “يعد لبنانيا من وُلد من أب لبناني”، وهو ما ينطوي على نفس تمييزي ضد المرأة، يتعارض والدستور اللبناني كما المواثيق الدولية.

وهناك عدة مقترحات طرحت لمعالجة إشكالية الجنسية من بينها تلك التي قدمتها النائب رولا الطبش في 14 أبريل الماضي، وقبلها النائب عن اللقاء الديمقراطي هادي أبوالحسن في العام 2018.

وقد وافق رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقائه الثلاثاء وزيرة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب فيوليت خيرالله الصفدي أنه مع المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، سيتم عقد جلسة تشرعية خاصة لمناقشة اقتراحات مشاريع القوانين التي تعنى بالمرأة اللبنانية حصرا في يوم المرأة العالمي في 17 مارس 2020 على أمل إقرارها وأن يوقع عليها رئيس الجمهورية ميشال عون.

فيوليت الصفدي: بري وافق على عقد جلسة خاصة بمشاريع قوانين تعنى بالمرأة
فيوليت الصفدي: بري وافق على عقد جلسة خاصة بمشاريع قوانين تعنى بالمرأة

وتخوض الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق المرأة منذ سنوات صراعا لفرض المساواة بين المرأة والرجل وخاصة في القضايا الملحة من قبيل منح الأم اللبنانية جنسيتها لأطفالها، وقد نجحت تلك التحركات في تحقيق اختراق على هذا المستوى بانضمام قوى سياسية فاعلة يتصدرها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، إليها.

وقال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الثلاثاء خلال إطلاق “مسار قانوني لأول مرة يخص المرأة في لبنان” إنه “لا يمكننا أن نترك المرأة اللبنانية المتزوجة لأجنبي بلا جنسية فهذا حق لأولادها”، مشددا على أنه “كما يحق للرجل المتزوج من أجنبية أن يعطيها الجنسية اللبنانية بعد عدة أشهر، كذلك من حق المرأة أن تعطي زوجها وأولادها الجنسية.. فإما أن نمنع الأمرين وإما أن نوافق على الأمرين!”.

واعتبر الحريري “أن هناك قوانين لبنانية يجب تعديلها وهذه مسؤولية البرلمان”.

ويتم التعامل في لبنان مع المرأة المتزوجة بأجنبي كـ”مواطنة من درجة ثانية”، حيث أنها لا تستفيد من النفقة ومن الضمان الاجتماعي ويحرم أبناؤها من حقوقهم الأساسية كالحق في التعليم والرعاية الصحية والإقامة، فضلا عن كون الزوج بإمكانه في حال أراد إعادة الأبناء إلى بلده أن يفعل ذلك دون أي معيقات.

وجدير بالذكر أن لبنان موقع على الاتفاقية الدولية لمواجهة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، بيد أنه لم يقدم على خطوات جذرية لتفعيل ذلك، ولا تزال العقلية الذكورية هي المهيمنة، فضلا عن الحسابات الطائفية والسياسية التي تحول دون ذلك.

ويقول محللون إن قوى سياسية في لبنان مثل تيار المستقبل تدفع باتجاه إنهاء مظاهر التمييز ضد المرأة، وقد بدا هذا التمشي واضحا حينما رشح المستقبل امرأة هي ريا الحسن لتكون أول وزيرة للداخلية ليس فقط على المستوى اللبناني بل وحتى العربي.

وتوجد اليوم إلى جانب الحسن 3 وزيرات في الحكومة الحالية وست في البرلمان، بيد أن ذلك يبقى وفق كثيرين غير كاف لإشراك المرأة في الحياة العامة، وفرض المساواة التامة مع الرجل والتي ينص عليها بشكل واضح الفصل السابع من الدستور اللبناني الذي يقول “كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم”.ولفت الحريري في مداخلته الثلاثاء إلى أن “هناك مقاومة لإدخال المرأة إلى العمل السياسي في لبنان”، مشددا على أن “المرأة قادرة على التحكم بوزاراتها بشكل جيد من خلال متابعتها لعملها وأكبر دليل على هذا الأمر الوزيرات الحاليات في الحكومة اللبنانية”.

وتابع رئيس الوزراء اللبناني أنه “لا يجب أن نخاف من استلام المرأة للمراكز المهمة في الدولة اللبنانية”، متمنيا أن “تتولى امرأة رئاسة مجلس الوزراء”.

ويقول متابعون إن التعاطي مع حقوق المرأة اللبنانية لا يخلو من حسابات ضيقة لدى جل القوى السياسية، وفي كثير من الأحيان يكون مبالغا فيها كمسألة منحها الأحقية في إعطاء جنسيتها لأبنائها، التي تلاقي تحفظات واضحة من رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره الوطني الحر المسكونين بهاجس التوطين.

لبنان

وكان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قد وضع استثناءات في مسألة منح الأم اللبنانية لجنسيتها، من قبل استثناء المتزوجات من سوريين وفلسطينيين بداعي أن ذلك يفتح الباب أمام التوطين.

وقال باسيل في أحد المؤتمرات الشهر الماضي “سنتقدم بمشروع قانون لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل وإعطاء المرأة الحق بمنح الجنسية لأبنائها إذا كانت متزوجة من غير لبناني باستثناء دول الجوار”، مؤكدا على أن الدستور يحظر التوطين، وبالتالي الدولة اللبنانية متمسكة بحق العودة للفلسطينيين وإعادة النازحين السوريين.

ويقول منتقدو باسيل إن هذه الرؤية التي يطرحها لا تقود فقط إلى تمييز بين المرأة والرجل بل أيضا إلى تمييز آخر بين الجنس ذاته، حيث أن المرأة المتزوجة بسوري أو فلسطيني ليس لديها الحق في منح جنسيتها لأبنائها على خلاف المتزوجة بجنسية أخرى.

ويتساءل هؤلاء لماذا لا يثير باسيل هذه الإشكالية الديموغرافية في ما يتعلق بمنح الرجل اللبناني المتزوج بأجنبية، حق إعطاء جنسيته لزوجته وأبنائه.

ويلفت المنتقدون إلى أن الازدواجية التي يمارسها باسيل وأيضا الرئيس عون لا تقف عند ذلك، حيث أن الأخير وقّع العام الماضي على مرسوم يمنح بموجبه نحو 300 شخص الجنسية وبينهم سوريون مقربون من الرئيس بشار الأسد.

ويستبعد مراقبون أن يقبل التيار الوطني الحر الذي يملك ثقلا في الحكومة ومجلس النواب، فضلا عن رئاسة الجمهورية، تمرير قانون منح الأم اللبنانية الجنسية لأبنائها دون استثناءات.

2