منع بث جلسات البرلمان المصري يضاعف من نشاط النواب على منصات التواصل

القاهرة- لجأ أعضاء البرلمان المصري إلى مواقع التواصل الاجتماعي لبث مقاطع فيديو للترويج لما يقومون به من أدوار سياسية محجوبة عن الجمهور داخل البرلمان، في محاولة لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة إليهم، ومن نتائجها تعرض بعضهم لمضايقات في أثناء تجولهم في دوائرهم الانتخابية، ولم يجدوا سوى اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحفاظ على حظوظهم أمام الناخبين والإيحاء بأن لهم أنشطة ملموسة في البرلمان.
وفقد النواب الأمل في إمكانية إعادة بث الجلسات تلفزيونيًا منذ أن جرى وقفها مع بدء أعمال البرلمان المنقضي، في مطلع العام 2016، ودشنوا وسائل خاصة بهم على بعض منصات التواصل الاجتماعي.
وتقدمت النائبة أميرة صابر عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي (معارض) باقتراح إلى رئيس البرلمان حنفي الجبالي بشأن إتاحة البث المباشر للجلسات العامة لمجلس النواب، وإعادة تنظيم إجراءات النشر لمضابط المجلس وتفعيل أحكام الدستور ومواد اللائحة الداخلية للبرلمان، ولم يجد اقتراحها تجاوبا.
وتعد مسألة بث الجلسات تقديرية بالنسبة إلى العديد من برلمانات العالم، لكن هناك81 دولة تلتزم بالبث التلفزيوني المباشر، بحسب أرقام الاتحاد البرلماني الدولي.
◄ من المتوقع أن يستمر البرلمان في تنفيذ قراره بمنع بث الجلسات حتى مع غياب أصوات المعارضة بشكل شبه كلي
وتنص المادة (68) والمادة (120) من الدستور المصري الحالي على أن “المعلومات ملك للشعب والإفصاح عنها حق تكفله الدولة لكل مواطن، وأن جلسات البرلمان علنية والاستثناء هو عقد الجلسات السرية بناء على إجراءات محددة”.
وقال الخبير في الإعلام الرقمي محمد حجازي إن الأهداف التي تحققها مواقع التواصل الاجتماعي تختلف بشكل كلي عن التي يحققها بث الجلسات تلفزيونياً، فالأولى عمل فردي يحقق مصلحة النائب عبر أعداد المتابعين والترويج لما يقوم به من أنشطة، بينما البث التلفزيوني عمل منظم تشرف عليه جهات مسؤولة عن إدارة البرلمان ويحقق أهدافا على مستوى مد جسور الثقة بين السلطة التشريعية والمواطنين.
وذكر لـ”العرب” أن فيسبوك قد يتعامل مع أيّ توجيه سياسي وفقًا لاشتراطاته وفي تلك الحالة يجد النائب نفسه دون وسيلته الإعلامية الأصلية التي يتواصل بها مع الجمهور، وهو ما سوف تكون له انعكاسات سياسية مباشرة لأن خطابات النواب الموجهة إلى جمهور المنصات لا تراعي طبيعة اهتماماته وتصبح محل انتقاد من المتابعين.
وتشكل الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي حلاً مناسبًا للنواب والحكومة، إذ أن ما يجري نشره على صفحات النواب يتم اختياره بعناية لتوصيل صورة محددة عن طبيعة الأداء، وثمة فرصة لأن تحقق انتشاراً أكبر من ذلك الذي يحققه البث التلفزيوني مع تراجع معدلات المشاهدة على نحو كبير في مصر.
وترى الجهات المشرفة على أداء البرلمان أن بث الجلسات مباشرة أو حتى إعادة تسجيلها وعرضها يكشفان بعض عورات النواب وأخطائهم، لأن قطاعا منهم يفتقر إلى الخبرات السياسية والمهارات الخطابية، وبالتالي فإن البرلمان سيكون عرضة للمزيد من الانتقادات، في حين أن هناك محاولات حثيثة لتحسين صورته.
ومن المتوقع أن يستمر البرلمان في تنفيذ قراره بمنع بث الجلسات حتى مع غياب أصوات المعارضة بشكل شبه كلي، ومع انتهاء الحالة السياسية التي قادت لوقف البث حيث تعرض قبل خمس سنوات إلى انتقادات لاذعة من تنظيم الإخوان الذي وظف أخطاء النواب لصالح تأليب المواطنين على النظام الحاكم، وذلك في وقت كانت فيه البلاد تواجه عمليات إرهابية وحالة أمنية غير مستقرة دفعت للتضييق على الحريات.
وأشار متابعون إلى أن المسؤولية العامة لأعضاء البرلمان تقتضي إعادة بث الجلسات ومحاسبتهم على تحركاتهم من جانب الناخبين الذين هم بحاجة إلى التعرف على ماذا يقول هذا العضو أو ذاك.

محمد حجازي: فيسبوك قد يتعامل مع أيّ توجيه سياسي وفقًا لاشتراطاته وفي تلك الحالة يجد النائب نفسه دون وسيلته الإعلامية الأصلية
وأوضحوا أن المشكلة تكمن في أن عددا كبيرا من النواب الذين نجحوا عبر القائمة النسبية المغلقة لا يملكون خبرات سياسية وليست لديهم إدراكات كافية بأدوات النائب ولا تفاصيل قوانين المجلس ويقعون في أخطاء تقود إلى مشكلات أكبر حال بثها.
ولدى العديد من الدوائر الحكومية في الدولة قناعة بأن النواب الحاليين لا يملكون القدرة على اختيار الكلمات المناسبة أثناء انعقاد الجلسات وتنتابهم مخاوف من اهتزاز الصورة العامة للدولة، إلا أن منعها يتسبب أيضا في اهتزاز صورتها في الداخل والخارج.
ويبدو أن الدورات التدريبية التي حصل عليها بعض النواب مع بدء عمل البرلمان لم تأت بمردودها الإيجابي، وبات الأمر في حاجة إلى المزيد من التدريب والممارسة.
ويواجه البرلمان الحالي انتقادات لعدم قدرة نوابه على التعبير عن مصالح المواطنين والضغط على الحكومة لتحسين أوضاعهم المعيشية والخدمية، واللجوء إلى تصعيد نبرة المعارضة لتحسين صورة النواب قد لا يخدم هذا الهدف.
وما يحتاجه المواطنون يرتبط بوجود نواب قادرين على تحقيق مصالحهم من دون ارتباط الوضع بمعارضة الحكومة أو تأييدها، ومهما كان حجم الدعاية على المنصات ونوعها فلن تكفي لتحسين صورة النواب ما لم يكن هؤلاء على دراية بطبيعة عملهم.
ويؤكد المراقبون أن الأزمة تتجاوز فكرة الإعلام ونوعه، وتكمن في ضعف القدرات التنظيمية التي تصحح بشكل مباشر أخطاء النواب، علاوة على عدم وجود أغلبية تملك مهارات سياسية تستطيع أن توجه الدفة باتجاه ما تسعى لتوصيله إلى الجمهور كما الحال بالنسبة إلى البرلمانات التي سبقت ثورة يناير 2011 في مصر، فكل نائب يعمل منفردا ويحاول التسويق لجهوده على المنصات باعتباره الطريقة الأفضل له.
واستطاع عدد من نواب البرلمان السابق أن يحققوا شعبية عبر تسريب فيديوهات لنقاشاتهم في البرلمان بشأن قضايا أثارت جدلاً واسعًا في ذلك الحين، مثل التعديلات الدستورية الأخيرة وقضية جزيرتي تيران وصنافير.
لكن الأمر تراجع حاليًا على مستوى سخونة القضايا المطروحة للنقاش، كذلك على مستوى نواب المعارضة الذين تقلّص عددهم ولا يتخطى عددهم أصابع اليد الواحدة.