منظومة الأحزاب في تونس تحتاج لمراجعات بعد نجاح الاستفتاء

الرئيس التونسي يحقق نجاحا لافتا في اختبار الاستفتاء.
الأحد 2022/07/31
الاستفتاء يفرض واقعا جديدا على الأحزاب

تونس - طرحت المصادقة على الدستور الجديد في تونس تساؤلات بشأن جدية الأحزاب في القيام بمراجعات هيكلية وإعادة النظر في توجهاتها وأساليب عملها، بعد أن تكبدت خسائر سياسية عجّلت بتراجع مكانتها في المشهد وفسحت المجال أمام مرحلة جديدة لا تعترف بمنظومة الأحزاب.

وتبدو مسألة القيام بمراجعات مطروحة بقوّة حتّى تسعف تلك الأحزاب ما تبقى في خزانها الشعبي والانتخابي، خصوصا وأن البلاد ستشهد تنظيم انتخابات تشريعية، حسب الخارطة السياسية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، نهاية العام الجاري.

وحقق الرئيس التونسي نجاحا لافتا في اختبار الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من المشاركين فيه على مشروع الدستور الجديد الذي يمنحه صلاحيات واسعة.

حياة العمري: لا بدّ أن تكون الأحزاب صريحة وواقعية في برنامجها الانتخابي

وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر مساء الثلاثاء قبول الهيئة مشروع نص الدستور الجديد للجمهورية التونسية المعروض على الاستفتاء بعد أن أيده 94.6 في المئة.

وقال خلال ندوة صحافية إن “العدد الاجمالي للمشاركين في الاستفتاء بلغ2.756.607 ناخبا من أصل 9.3 مليون يحق لهم التصويت، وقد صوّت 2.607.848 بـ”نعم” على الدستور الجديد.

وكان سعيد قد تحدث عن “مرحلة جديدة” في خطاب ألقاه ليلا أمام مؤيديه في وسط تونس العاصمة، قائلا إن “ما قام به الشعب درس، أبدع التونسيون في توجيهه للعالم”، مضيفا “اليوم عبرنا من ضفة إلى أخرى، من ضفة اليأس والإحباط إلى ضفة الأمل والعمل وسنحقق هذا بفضل إرادة الشعب والتشريعات التي ستوضع لخدمته”.

ويرى مراقبون سياسيون، أن نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، حملت معها دعوات صريحة للأحزاب من أجل القيام بمراجعات وإعادة النظر في توجّهاتها وطرق عملها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سياسيا وتجنّب خطر الاندثار أو الخروج من المشهد نهائيا.

وقالت حياة العمري، النائب بحركة النهضة في البرلمان المنحل، ” كل الأحزاب السياسية بما فيها حركة النهضة، مطالبة بالقيام بمراجعات، وكل من مرّ بتجربة له نقاط إيجابية وأخرى سلبية، ومن المؤكد أن المراجعات تتعلق بالسلبيات”.

وأضافت لـ”العرب”، “النهضة تحالفت مع عدة أطراف سياسية وذهبت في سياسة التوافقات، ولكن شخصيا لا أتفق مع الأحزاب التي تحالفت معها الحركة”.

وبخصوص المراجعات المطروحة، أفادت حياة العمري أن “أهمّ شيء هو أخلقة الحياة السياسية بميثاق أخلاقي، ولا بدّ أن تكون الأحزاب صريحة وواقعية في برنامجها الانتخابي”.

واستطردت “النهضة لما كانت تمسك بمقاليد الحكم ومشاركة في حكومات أخرى، لم تكن صارمة بأتم معنى الكلمة في تطبيق القانون”.

أمال الورتتاني: على الأحزاب القيام بمراجعة نقدية تعترف فيها بالفشل

وتقول أوساط سياسية إن عملية المراجعة وإن تبدو متأخرة من حيث التوقيت، فإنها تأكدت الآن بعد أن فقدت تلك الوسائط التقليدية ثقة المواطنين وتآكل خزانها الانتخابي، داعية إلى الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها في العشرية الماضية.

وأفادت أمال الورتتاني، النائب السابق عن قلب تونس في البرلمان المنحلّ، “كان من المفروض على الأحزاب أن تقوم بمراجعات منذ انتخابات 2019، وعملية المراجعة تأكدت اليوم”.

وقالت في تصريح لـ”العرب”، “الأحزاب فقدت ثقة المواطنين بعد الفشل السياسي النسبي في إدارة الشأن الاجتماعي والاقتصادي، وعليها القيام بمراجعة نقدية وإصدار بيانات تعترف فيها بالفشل والثغرات التي تركتها”.

وأردفت الورتتاني “سيصدر قانون انتخابي جديد وسيحدد طريقة نشاط الأحزاب، كما نريد إصلاح إدارة العملية السياسية لتجنب التشتّت البرلماني السابق”، لافتة “اليوم المعارضة مكونة من مجموعة أحزاب تنتقد بعضها، ومن الضروري إعلاء مصلحة البلاد وتحديد مشترك وطني”.

ويتزايد منسوب التساؤلات حول مستقبل تلك الأحزاب التي باتت تعيش عزلة في ظل فقدان طيف واسع من الرأي العام للثقة فيها وتجاهل دورها السياسي، علاوة عن تراجع دورها في المشهد العام بالبلاد.

ويتمسّك الرئيس سعيّد منذ توليه السلطة برفضه التعامل مع الأحزاب، وكثيرا ما أكدت تصريحاته على نفس الموقف بأن “لا تعامل مع الأحزاب، ولا عودة إلى الوراء”.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي، مراد علالة “لاحظنا حركية حزبية في الفترة الأخيرة، سواء من الأحزاب التي أيدت الاستفتاء أو تلك التي قاطعته، وهذا ما يؤكد على ضرورة عودة الحياة إلى الأحزاب بعد القيام بإصلاحات جوهرية”.

مراد علاّلة: كل حزب مطالب بتطوير برامجه وأطروحاته

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “على الأحزاب أن تذهب في القيام بنقد ذاتي لأنها لم تكن في مستوى الشعارات التي رفعتها في السابق، ولا بدّ على كل حزب أن يطوّر برامجه وأطروحاته، فضلا عن تجديد الحضور الميداني والارتقاء بمستوى العمل الحزبي”.

وتابع مراد علاّلة “الأحزاب مطالبة بأن ترتقي بالممارسة الديمقراطية داخلها لأننا مازلنا نحتاج إلى هذه الأحزاب، وعليها ألاّ تقع مجدّدا في نفس الأخطاء، علاوة عن تنقية المناخ داخل هياكلها”.

ويمنح الدستور الجديد صلاحيات واسعة لرئيس الدولة، ممّا يخالف النظام البرلماني المعمول به منذ العام 2014.

ويملك الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية “أولوية النظر” من قبل نواب البرلمان.

وكان الرئيس سعيد، الذي انتخب في أواخر عام 2019، تولّى كامل السلطات التنفيذية والتشريعية في الخامس والعشرين من يوليو 2021، وأقال رئيس الحكومة وعلّق نشاط البرلمان قبل أن يحلّه في مارس الماضي.

وقرّر سعيّد إجراء استفتاء على الدستور الجديد في الخامس والعشرين من يوليو، وذلك قبل إجراء انتخابات تشريعيّة في ديسمبر المقبل.

7