منصة تيك توك تقلب صناعة النشر رأسا على عقب

لم تعد صناعة نشر الكتب مكتفية بالمسالك التقليدية لترويج الكتب من خلال المعارض أو محلات بيع الكتب أو المواقع الإعلامية المختلفة، بل انفتحت أكثر على عوالم الإنترنت والمنصات الرقمية مثل تيك توك، متخلية عن النقاد والناشرين والمختصين كمروجين للكتب، متجهة إلى الشباب المولعين بالقراءة، وهو ما لاقى نجاحا كبيرا، منبئا بتغيّر جذري في عالم نشر الكتب.
برلين - تشتهر منصة تيك توك بمقاطع الفيديو القصيرة والتي تتسم بالسرعة والحيوية، وبأنها تروق لجمهور الشباب، ومع ذلك فهي ليست بالضرورة موقعا إلكترونيا يمكن أن تتوقع وجود المثقفين وعشاق القراءة فيه، غير أنه يمكنك العثور تحت هاشتاغ بوكتوك، على مجموعة من الأشخاص الذين يحبون قراءة الكتب وقد ابتكروا لأنفسهم مكانة متميزة على منصة التواصل الاجتماعي هذه.
ويعرض بعض المستخدمين أرفف الكتب التي لديهم وفقا لنسق ترتيبها وألوانها، بينما يشارك آخرون بعضهم البعض في عرض الكتب المفضلة لديهم، أو يتناقشون حول ما قرأوه خلال الشهر السابق، أو يركزون على موضوع معين، أو يستعرضون أفضل ثلاثة كتب تتعلق بقضايا المرأة، أو يعرضون الكتاب الذي تجب قراءته بعد ذلك على أساس الأبراج الفلكية للمشاركين وغيرها من المقاربات المبتكرة لعالم الكتب. حيث يمكن العثور على الكثير من المعلومات تحت عنوان الهاشتاغ بوكتوك.
عرض الكتب
بعيدا عن عالم النقد الأدبي الجاف، نرى أن كثيرا من مستخدمي تيك توك هم فتيات ينبذن التحليلات المعقدة ويحبذن التعبيرات العاطفية، أو يستخدمن الموسيقى للتواصل في مقاطع الفيديو التي يبثثنها.
وتعد مقاطع الفيديو التي تبثها ساسكيا بابين مثالا واضحا على هذا الاتجاه. وهي تعرف على منصة تيك توك باسم باستل بيجز، وتعمل بائعة كتب بمدينة كليفي الألمانية، وتجد بابين على سبيل المثال طرقا جديدة كل يوم للمشاركة مع متابعيها بالكتب التي تقرأها، وعلى سبيل المثال بثت ذات يوم مقطع فيديو يبعث على البكاء، تقدم عن طريقه أكثر الكتب التي قرأتها إثارة للحزن، بينما شجعت في يوم آخر متابعيها على قراءة كتاب خلال يوم في إطار مبادرة تحدي “كتاب واحد، يوم واحد”.
ويختلف العمل عن بعد من خلال الإنترنت، عن العمل من داخل متجر لبيع الكتب وفقا لما تقوله بابين التي تبلغ من العمر 22 عاما، وتوضح أنه “على منصة تيك توك يكون كل شيء أكثر سرعة، كما أن الأمور تتعلق بدرجة أكبر بالمرئيات والبصريات، فإذا كان الغلاف جذابا أو إذا كانت للكتاب معالم خاصة مثل الخرائط أو نماذج ملونة، فسيكون ذلك عاملا مهما يدفع شخصا ما لشرائه”.
أما في المتجر فتتجه المشاورات بين البائع والزبون حول الكتاب المعروض، إلى التركيز بدرجة أكبر على المحتوى.
مجموعة محبي الكتب والقراءة على منصة تيك توك تسهم في ترويج الكتب متجاوزة عالم النقد الأدبي الجاف
وتوضح بابين قائلة “نادرا ما أستطيع أن أترك انطباعا إيجابيا لدى زبائني في المتجر، عن طريق عرض الكتب عليهم بشكل يستخدم المرئيات، وأثناء المناقشات أكون وجها لوجه مع الزبون، وهو أمر ليس متاحا بالطبع على تيك توك”.
وكلّ من النهجين يساعد على دفع المبيعات، ويتدافع الناشرون لعرض كتبهم على تيك توك، ففي ألمانيا كان لوفه فيرلاج وهو ناشر لأدب الأطفال والشباب من أوائل من تكيّفوا مع هذه المنصة الشبابية.
ويقول نيكولاي ليندنر رئيس قسم التسويق الرقمي والعلاقات العامة في دار نشر فيرلاج، إن “مقاطع الفيديو المبتكرة والمصممة خصيصا لمنصة تيك توك، وأيضا المشاركات مع مبدعي مقاطع الفيديو على المنصة أصبحت بالفعل جزءا من استراتيجيتنا في التسويق”.
وحيث أن فرص المشاركين في عرض الكتب على تيك توك، للوصول إلى الجمهور أقل مقارنة بالشخصيات المؤثرة التي تظهر بانتظام على المنصة، نجد أن التوصيات الفردية بشراء الكتب نادرا ما تؤدي إلى حدوث زيادة ملحوظة في المبيعات، وفقا لما يقوله ليندنر، ويضيف “غير أن التوصيات التي تأتي في نفس الوقت من مختلف متاجر بيع الكتب، يمكن بالتأكيد أن تولد الكثير من الانتباه ولفت الأنظار، خاصة بالنسبة للإصدارات الجديدة”.
وتقول بابين إن الناشرين يتصلون بها ويطلبون منها أن تعمل معهم، على الرغم من أن ذلك لا يحدث كثيرا.
ومع ذلك يتحرّك الناشرون في الولايات المتحدة في هذا الاتجاه بخطوات أكثر سرعة.
تغيّر عالم النشر

طرحت الكثير من المتاجر التابعة لدار نشر بارنز آند نوبل الأميركية، طاولات عرض للكتب على منصة تيك توك، حيث يقدمون الكتب التي انتشرت بسرعة البرق على هذه المنصة.
وأحد الأمثلة على ذلك كتاب تمتع بزيادة كبيرة في المبيعات بفضل هاشتاغ بوكتوك، برغم مرور سنوات على صدوره، وهو رواية “أغنية أخيل” للكاتبة الأميركية مادلين ميللر، ويتناول الكتاب أسطورة باتروكلوس وأخيل الإغريقية ويحولها إلى قصة حب.
وأوصت مجموعة القارئات المشاركات على المنصة بشراء هذا الكتاب، وانتشر هاشتاغ “أغنية أخيل” بسرعة فائقة، واجتذب أكثر من 26 مليون مشاهدة.
وزادت مبيعات الرواية الآن بمعدلات أعلى بكثير مما كانت عليه عندما نشرت للمرة الأولى عام 2012، وفقا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
ويلاحظ أن مجموعة المشاركين في بوكتوك على المنصة آخذة في التزايد في أوروبا.
دخول الناشرين إلى منصة تيك توك إلى جانب هواة استخدام هذه المنصة سيقلب عالم النشر رأسا على عقب
وتقول بابين إن متابعين جددا ينضمون إليها كل يوم، وتقوم من آن إلى آخر بإقناع آخرين بالانضمام إلى هذه المجموعة.
وانضمت دار نشر بنجوين إلى التطبيق، وتقول متحدثة باسم الدار إن شركة بنجوين ترى أن تطبيق تيك توك مناسب بشكل متزايد، لإطلاق حملة تسويقية عليه، كما أن هذا التطبيق يتمتع بكثير من الإمكانات في ما يتعلق بالوصول إلى سوق الشباب.
وتضيف المتحدثة أنها على الرغم من أن دار نشر بنجوين لم تشهد زيادة فورية في المبيعات حتى الآن، فإنها بشكل عام تلقت استجابة طيبة من المستخدمين.
ومن ناحية أخرى فمع دخول الناشرين إلى منصة تيك توك، تسهم مجموعة محبي الكتب والقراءة على المنصة الذين يطلق عليهم كلمة “بوكتوكرز”، إلى جانب غيرهم من هواة استخدام منصة تيك توك، في قلب عالم النشر رأسا على عقب.