منصات نفي الشائعات المصرية تزيدها انتشارا بغياب المعلومة

انعدام الثقة بوسائل الإعلام يشرّع الأبواب لتدفق الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي. 
الخميس 2019/02/21
الصحف المصرية انضمت أيضا لدحض الشائعات

تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تدفقا غير محدود للأخبار الكاذبة، والسبب الأساسي لذلك حالة التضييق على عمل وسائل الإعلام والصحافيين، فجاء الحل مواربا بانتشار المنصات والمواقع لدحض الشائعات، مما ساهم في زيادتها وتسليط الضوء عليها أكثر.

القاهرة - تأسست العشرات من المنصات والمواقع المتخصصة لدحض الأخبار الكاذبة والرد عليها في مصر بعد سيل الشائعات والمعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتراهن الحكومة على هذه المنصات، للتقليل من آثارها والحد من انتشارها، رغم الشكوك بقدرتها على التصدي لهذه المهمة.

ويرى مراقبون أن الاستراتيجية التي تبنتها وسائل إعلام حكومية وتبعتها مواقع وفضائيات خاصة، تعد سلاحا ذا حدين، فمع أنها تعتمد على السرعة في مواجهة الأنباء الكاذبة، إلا أنها تعطي فرصة لانتشارها، وقد يكون تداولها على نطاق ضيق قبل أن تصبح مثار جدل عام ويلجأ العديد من المواطنين للبحث عنها، وربما تصديقها نتيجة فقدان الثقة بينهم وبين بعض الجهات الحكومية، أو وسائل الإعلام التي تعرض من خلالها.

ودشنت بعض وسائل الإعلام المحلية مؤخرا حملات بهدف إذاعة الإشاعة ونفيها ونشر حقيقة ما جرى بشأنها، وعرضت على نطاق واسع وفي توقيت معروف فيها بزيادة نسب المشاهدة للوصول إلى أكبر فئة من الجمهور، ووصل الأمر إلى إذاعة فيديوهات لإعلاميين يهاجمون الحكومة المصرية ببيانات مفبركة عبر قنوات الإخوان في تركيا وقطر والرد عليها.

واتبعت صحف حكومية وخاصة الأسلوب ذاته وخصصت أبوابا ثابتة في أعدادها اليومية والأسبوعية، وهدفت إلى عرض ما تنشره بعض وسائل الإعلام الغربية من معلومات مغلوطة تجاه الدولة المصرية والرد عليها، والتشكيك في تمويل هذه الوسائل، بما يعزز في النهاية تصدير نظرية المؤامرة لدعم وجهة نظرها. وجاء الجهد الأكبر لمواجهة الشائعات التي تبث من خلال بعض المواقع الإلكترونية، ودشنت غالبية الوزارات والهيئات الحكومية منصات لرصد الأخبار الكاذبة والرد عليها، وكان آخرها ما أقدمت عليه وزارة التربية والتعليم، حيث أسست منصة صوتية للرد على استفسارات المواطنين ونفي الشائعات التي توالت مع بدء الوزارة تطبيق خطة تطوير التعليم.

التجاهل مطلوب في القضايا غير المؤثرة في اتجاهات الرأي العام

وتعد التجربة الأبرز والتي حققت انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي، ما ذهبت إليه جامعة النهضة (خاصة) مطلع العام الجاري بعد أن أسست، موقع “فالصو”، وهو موقع متخصص في رصد الشائعات والرد عليها عبر التواصل مع مصادر الأخبار الأساسية للتأكد من صحة الأنباء، ورصد الأخبار غير الدقيقة، بالإضافة إلى إصدار تقرير يومي رصدي عبر الفيديو للتعرف على مصدر الشائعة ومدى انتشارها.

وقالت سهير عثمان، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، إن الاستراتيجيات التي تتبعها وسائل الإعلام في المواجهة قد تحقق النتائج المرجوة منها، في حال كانت هناك ثقة متبادلة بين المواطنين ووسائل الإعلام التي يتلقون منها المعلومات، وهو أمر لا يتوفر حاليا في ظل غياب مناقشة الإعلام للمشكلات الحقيقية التي يعاني منها المواطنون والتركيز على الترفيه.

وأضافت لـ“العرب”، أن أحد علوم مواجهة الشائعات يرتبط بتجاهلها وعدم الحديث عنها، إن لم تكن ذات أهمية كبرى بالنسبة للمواطنين، لأن بعضها قد يكون أساسا فقاعة اختبار لقياس اتجاهات الرأي العام قبل اتخاذ قرار بعينه، وبالتالي فإن تحقق الشائعة بعد فترة وجيزة يجعل من نفي الشائعة أسلوبا لتأكيدها.

ما يبرهن على ذلك أن العديد من الأخبار غير الصحيحة ارتبطت بتوقيتات وأرقام معينة، ما يؤكد أن هناك أطرافا عمدت على تسريبها قبل أن يقوم المكتب الإعلامي الرسمي للوزارة أو الهيئة بنفي الخبر، وقد ظل عالقا في الأذهان أن العديد من الأنباء التي صاحبت رفع الدعم عن الوقود مثلا تحققت، بالرغم من نفيها في حينها.

ويرتبط انتشار الشائعات المكثف في مصر بعدم وجود قانون يتيح حرية تداول المعلومات، وقامت بعض الهيئات الحكومية بتضييق الخناق على عمل مندوبي الصحف لديها بعد أن عملت على تعيين مستشارين إعلاميين أضحى دورهم نفي الشائعات بدلا من تسهيل مهمة الحصول على المعلومات.

Thumbnail

ويرى العديد من خبراء الإعلام، أن ما تشهده البلاد من تدفق غير محدود للأخبار غير الصحيحة يرجع بالأساس إلى حالة التضييق على عمل وسائل الإعلام، ما يدفع البعض إلى استغلال تلك الحالة لنشر الأخبار غير الدقيقة، وما يساعد على ذلك ارتباط مجال عمل غالبية الصحف والمواقع الإلكترونية بنشر أكبر كم من الأخبار دون اهتمام بدقتها وجودتها في أحيان كثيرة، وهذا الأسلوب يساعدها على الانتشار ولا يتعارض مع التوجه غير المرحب بالنقاش والجدل حول قضايا سياسية ومجتمعية مختلفة.

في المقابل، تعتقد الحكومة أن الزيادة المضطربة في نسب الشائعات، والتي وصل معدلها بحسب مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، إلى 118 شائعة في اليوم يبرهن على أن هناك حربا معلوماتية تخوضها، والتعامل معها ينبغي أن يكون بقدر قوة انتشارها، لأنها تستهدف العديد من المشروعات الناجحة وتعمل على زيادة الفجوة بين النظام السياسي والمواطنين.

وتتفق نرمين خضر، أستاذة الإعلام الدولي بجامعة القاهرة، مع تلك الرؤية، وتشير إلى أن التجاهل يكون مطلوبا في القضايا غير المؤثرة في اتجاهات الرأي العام، غير أن هناك شائعات تستهدف العلاقة مع مؤسسات الدولة وتبث مغالطات للرأي العام تجاه إحدى القضايا المهمة، وفي تلك الحالة فإن التدخل بالنفي السريع مطلوب، وإن لم يحظ بقناعة المواطنين.

وأوضحت لـ“العرب”، أن المشكلة التي تواجه الإعلام تكمن في نفي الشائعات من دون أسانيد علمية سليمة وفي حالات كثيرة يتم الاكتفاء بالنفي من دون أن يكون ذلك مصحوبا بالبراهين التي تؤكد عليه، وفي بعض الحالات لا تراعي سيكولوجية المتلقين للشائعات، ولا تحترم عقولهم، ما يؤدي إلى نتائج عكسية.

وأشارت إلى أن استراتيجيات مواجهة الشائعات يجب أن تبنى أساسا على التركيبة النوعية للمجتمع كي تصيب أكبر قدر من الجمهور، والأمر كذلك يكون بحاجة إلى تحديد الوسائل الملائمة للتأثير على الفئات المرتبطة بها.

18