منصات التواصل سوق جديدة للعصابات المنظمة لتجارة المخدرات

شباب يبحثون عن أجود أنواع "الكيف" عبر الإنترنت من خلال من مواقع الويب المظلمة التي تسمح لهم بتقييم جودة المواد قبل اقتنائها.
الخميس 2019/03/21
تقييم الجودة قبل الشراء

بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطا واتصالا بشكل غير مسبوق، بات من السهل على عصابات الجريمة المنظمة إيجاد وسائل مختلفة لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج المواد المخدرة بين الأطفال والشباب.

عبّر باحثون بريطانيون عن مخاوفهم من تنامي تجارة المخدرات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسهولة حصول الشباب على هذه المواد المحظورة قانونيا عبر بعض المواقع والتطبيقات الشهيرة.

وشدّد الباحثون في دراسة أجرتها رويال هولواي في جامعة لندن على أن “ترويج المخدرات اجتماعيا” (عن طريق الأصدقاء والمعارف) يعد من أكثر الطرق انتشارا، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تحولت وبسرعة إلى خيار بدليل لشراء وتوزيع المخدرات في صفوف الشباب.

خيار رقمي

أشارت الدراسة البريطانية الحديثة، التي نشرت نتائجها مؤخرا في المجلة الدولية لسياسة المخدرات، إلى الاتجاه المتصاعد نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في شراء وترويج المخدرات بطرق غير قانونية.

وكشف المسح، الذي أجرته الدراسة عبر الإنترنت وشمل 358 شخصا، معظمهم من المملكة المتحدة وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، عن أن 76 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع استخدموا موقع سناب شات للحصول على المخدرات المحظورة قانونيا، في حين استخدم 22 بالمئة إنستغرام لأجل نفس الغرض، فيما استخدم 11 بالمئة واتساب، و10 بالمئة استخدموا فيسبوك أو تطبيق مسنجر.

كما قام الباحثون بمقابلات مباشرة مع 20 شابا، وأخرى متعمقة مع 27 آخرين، فوجدوا أن سهولة تنظيم التوزيع والنقل كانت الميزة الرئيسية لدى جميع من قاموا باستخدام هذه التطبيقات.

تجارة نشيطة في مناطق عدة من العالم
تجارة نشيطة في مناطق عدة من العالم

وأكد شاب يدعى زاك (22 عاما) أن الأمر بسيط، والطريقة لشراء ما يريده تبدو أسهل بالنسبة إليه قائلا “لطالما كنت أعاني من عدم وجود علاقة مع الشبكة المظلمة (شبكة العلاقات مع مروجي المخدرات)، لذلك اضطررت دائما إلى الاحتفاظ بصديق يمكنه مساعدتي”. وأضاف “يتواجد الكثير من بائعي المخدرات على سناب شات، ودونه أضطر للتعامل مع أشخاص في الشوارع أو أقـابل أشخـاصا بشكـل عشوائي في الأندية”.

ورغم أن 59 بالمئة من المستخدمين أثنوا على سرعة شراء المخدرات، فإن 53 بالمئة أبدوا إعجابهم بتلك التطبيقات التي وفرت لهم مواد مخدرة بسهولة، كان من الصعب الحصول عليها سابقا.

وتعود بعض أسباب لجوء الكثيرين إلى مواقع التواصل من أجل شراء المواد المخدرة  بدلا من “مواقع الويب المظلمة”، (سوق عالمي لبيع وشراء البضائع غير القانونية عبر الإنترنت)، إلى الخوف من الأنظمة والقوانين النافذة على هذه المواقع، وأيضا لأن عملية الوصول إلى هذه الأسواق معقدة وتفترض إخفاء الهوية واستخدام العملات المشفرة، بالإضافة إلى الرغبة في تجنب المواجهات التي تنطوي على مخاطر محتملة مع الأشخاص الذين يلتقون بهم في الشارع.

ويمكن أن يسمح استخدام المنصات الاجتماعية للمشترين بفهم أفضل للمادة التي يريدون الحصول عليها عن طريق رؤية بعض الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل وأحيانا بشكل مباشر.

ونظرا لأن الأشخاص الذين يشترون العقاقير المخدرة يمكن أن يتعرفوا على تركيبتها، فإن رؤية صور فورية للعقاقير مسبقا قد تكون دليلا كافيا لإتمام عملية الشراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة عند مقارنتها مع ما يشترونه بسرعة من الشارع ولا يتمكنون حتى من فحصه مسبقا.

مخاطر رغم النجاعة

المنصات الاجتماعية تسمح للمشترين بفهم أفضل للمادة التي يريدون الحصول عليها
المنصات الاجتماعية تسمح للمشترين بفهم أفضل للمادة التي يريدون الحصول عليها 

غير أن تلك التطبيقات بالرغم من أنها قد أتاحت للمشترين فرصة لتقييم جودة وسلامة المواد المخدرة قبل اقتنائها، إلا أنها لا تخلو من مخاطر جدية حسب رأي الباحثين، الذين أعربوا عن مخاوفهم من آثار تلك المواد المخدرة على صحة الشباب والأطفال ممن يقدمون على شرائها عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى أن العديد من الشبان يصدقون أن تلك المواد آمنة، بالإضافة إلى أنهم يعتقدون أن مثل هذه الطريقة ستجنبهم الملاحقة القانونية، وهذه مجرد افتراضات خاطئة ومن الضروري تقديم التوعية للشباب بالمخاطر الصحية وأيضا الأمنية لاستخدام مثل هذه التطبيقات في اقتناء مواد غير مرخصة قانونيا.

وقالت الباحثة ليا مويل، المحاضرة في علم الإجرام في جامعة لندن وأحد مؤلفي الدراسة، “أظهرت نتائج الدراسة أن الشراء من شخص معروف وموثوق به لا يزال الطريقة المفضلة لمعظم متعاطي المخدرات، لكن من المتوقع أن استخدام التطبيقات سيواصل النمو في هذه السوق، خصوصا بين فئة الشباب”.

وشبّه خبراء في وقت سابق شبكة الإنترنت ومواقع التواصل بجبل الجليد الذي لا يظهر منه سوى جزء بسيط في حين يكون جزؤه الأكبر مطمورا تحت سطح مياه المحيط أو البحر، فهي (شبكة الإنترنت) تحمل في طياتها جوانب مظلمة يستخدمها أشخاص مجهولون، تقترن أنشطتهم في الغالب بالأنشطة المشبوهة مثل تجارة المخدرات.

وتؤكد الإحصائيات أن ما يظهر من مواقع على الإنترنت لا يُشكل سوى 16 بالمئة فقط من الجزء في حين تصل نسبة المواقع الخفية إلى 84 بالمئة في شبكة الإنترنت والتي يطلق عليها اسم “الشبكة المظلمة” أو“الويب المظلم”.

وتتم أغلب عمليات تجارة المخدرات اليوم عبر “الشبكة المظلمة”، وأشهر هذه المواقع “سيلك رود” أو “طريق الحرير” لتجارة المخدرات وغيرها من المواد المحظورة على الإنترنت، والذي أداره ويليام أولبريشت قبل أن يتم اعتقاله من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف.بي.أي” في عام 2013.

ويهدف موقع “طريق الحرير” الخفي إلى تسهيل التجارة غير المشروعة من خلال منح أسماء مستعارة لمستخدميه الذين كانوا يصلون إليه عبر ما يطلق عليه “أونيون راوتر”، ودفع جميع المعاملات بعملة بيتكوين.

أغلب عمليات تجارة المخدرات تتم اليوم عبر "الشبكة المظلمة" من الإنترنت، وأشهر هذه المواقع سيلك رود
أغلب عمليات تجارة المخدرات تتم اليوم عبر "الشبكة المظلمة" من الإنترنت، وأشهر هذه المواقع سيلك رود

وحقق ويليام أولبريشت مبيعات تجاوزت قيمتها 1.2 مليار دولار عبر موقع “طريق الحرير”، في ظرف سنتين، قبل أن يتم القبض عليه من قبل الشرطة.

كما تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتعاون مع الشرطة الأوروبية في عام 2017 من إغلاق اثنين من أكبر المتاجر للبضائع غير القانونية على “الشبكة المظلمة” وهما “ألفاباي” و”هانسا”.

وأشار المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات وإدمانها في أحدث تقاريره إلى أن نسبة 1 بالمئة من البالغين في دول الاتحاد الأوروبي يستخدمون حشيش القنب يوميا في الغالب.

وأوضح المركز أن 38 بالمئة من مبيعات تجارة المخدرات هي لحشيش القنب، وتحقق التجارة السنوية له نحو 10.6 مليار دولار.

بوابة للتطرف

يأتي الهيروين في المرتبة الثانية بعد حشيش القنب محققا ما قيمته 7.7 مليار دولار سنويا.

وقال تقرير المركز إن “تأثيرات أسواق المخدرات على المجتمع كبيرة جدا وتفوق تأثير تعاطي المخدرات، لتشمل أنواعا أخرى من النشاطات الإجرامية والإرهاب أيضا”.

وشدّد التقرير على أنه قد ينظر إلى تجارة المخدرات بوصفها “بوابة للتطرف”، حيث يستخدم المتطرفون السجون للتأثير على المسجونين بتهم تناول المخدرات وجذبهم لتبني وجهات نظر متطرفة.

وحذر من أن أسواق المخدرات غير الشرعية تظل أحد التهديدات الأساسية للأمن في الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن سوق المخدرات تتحرك ببساطة بحافزين هما الربح والسلطة، وهي من بين “أكثر المناطق ربحا بالنسبة لعصابات الجريمة المنظمة”.

اقرأ أيضا:

العلاج الإلكتروني سبيل الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات الاصطناعية

Thumbnail
20