منصات البث تفرض التحديث على أدوات إنتاج الدراما العربية

تقديم أجزاء من الأعمال الناجحة على المنصات دليل إفلاس فكري ونضوب فني.
الخميس 2023/01/26
منصات تعيد عرض أعمال ناجحة

صارت المنصات الرقمية المختصة في بث الأعمال الدرامية تمثل تحدّيا كبيرا لمنتجي الدراما بالأساليب التقليدية، حيث باتت تتحكم في توجه السوق ومواضيع الدراما وحتى ثيماتها العامة. ويلحظ ذلك من خلال توجه المنصات إلى إنتاج أعمال الجريمة الذي قد يقلل الإقبال على الدراما، لكنها في المقابل كسرت احتكار النجم الواحد للعمل ومنحت مساحة لممثلين آخرين لخوض البطولة.

القاهرة – تخطت المنصات الرقمية أهدافها الرئيسية التي تمثلت في جذب الإنتاج الدرامي إليها وانتقلت إلى مرحلة تالية تحاول فيها الحفاظ على ما حققته من جماهيرية تتطلب التحسين المستمر في جودة ما يقدم من أعمال تواكب المزاج العام، وسوف تصبح أمام اختبار حقيقي في موسم رمضان المقبل، والذي من المتوقع بث ما يقرب من 40 في المئة من الإنتاج المعروض حصريا عليها.

وضغطت المنصات على صناع الدراما كثيرا، لأن معايير الجودة التي تتبناها ظلت غائبة أحيانا عن الإنتاج التلفزيوني خلال السنوات الماضية، ووجد مؤلفون تعاقدوا على أعمال لإذاعتها على منصات عربية أنفسهم في مأزق، حيث لم ير بعضها النور حتى الآن، على الرغم من الانتهاء منها منذ ما يقرب من عام أو أكثر، وأضحى هؤلاء على قناعة بضرورة تطوير عناصر الإنتاج من كتابة وتأليف وإخراج لحجز مكان لائق وسط المنافسة المحتدمة في الأعمال المعروضة.

ويمكن النظر إلى الاتجاه نحو إنتاج أجزاء ثانية وثالثة ورابعة وأكثر من الأعمال الدرامية التي حققت نجاحاً عند عرضها لأول مرة على المنصات ضمن العوامل السلبية التي تبرهن على وجود مشكلات على مستوى التطور الإبداعي لكتابة النصوص والاعتماد على ما حققته المسلسلات من نجاحات سابقة والبناء عليه لاحقا، وهو أمر تشجعه المنصات التي تجد نفسها أمام مشكلة تكرار أعمال الجريمة والتشويق والإثارة التي طغت على مجمل ما تم تقديمه في الفترة الماضية.

سمير الجمل: المنصات كسّرت احتكار النجم الأوحد لكافة تفاصيل العمل
سمير الجمل: المنصات كسّرت احتكار النجم الأوحد لكافة تفاصيل العمل

وبدأ صناع مسلسل “الغرفة 207” المعروض على منصة شاهد في تصوير الجزء الثاني من العمل الذي قام ببطولته محمد فراج وريهام عبدالغفور وسلوى عثمان وناردين فرج ويوسف عثمان وكامل الباشا ومراد مكرم ونبيل عيسى، والمقتبسة أحداثه من مجموعة قصصية بعنوان “سر الغرفة 207” للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق وإخراج محمد بكير.

وأعلن الكاتب أحمد عبدالوهاب مؤلف مسلسل “البيت بيتي” بدء تصوير الجزء الثاني منه، مع أن المسلسل جرى عرضه منذ فترة طويلة، وهو من بطولة كريم محمود عبدالعزيز ومصطفى خاطر وسليمان عيد وميرنا جميل ومحمود حافظ، وإخراج خالد مرعي.

وبدأ صناع مسلسل “ريفو” الذي عرض على منصة شاهد في أكتوبر الماضي، في تصوير الجزء الثاني وهو من بطولة أمير عيد، تامر هاشم، حسن أبوالروس، ركين سعد، سارة عبدالرحمن، حسام حسني، وتأليف محمد ناير، وإخراج يحيى إسماعيل.

ومن المقرر أن يبدأ تصوير الجزء الثاني من مسلسل “الثمانية” وعرض في يونيو الماضي، بطولة آسر ياسين، خالد الصاوى، ريم مصطفى، محمد علاء، محمود البزاوي، حنان سليمان، لارا إسكندر، سارة عبدالرحمن، من تأليف وزير الترفيه في السعودية تركي آل الشيخ، في أول تجربة درامية له وإخراج أحمد مدحت.

كذلك الوضع بالنسبة إلى مسلسل “وعد إبليس” الذي بدأ صناعه في كتابة الجزء الثاني منه، بطولة عمرو يوسف، فتحي عبدالوهاب، السعودي يعقوب الفرحان، الأميركية بولا باتن، والتونسية عائشة بن أحمد، من تأليف توني جوردن، إنجي لومان فيلد، وإخراج كولين تيج.

وأحدثت المنصات حالة من الرواج جاء دون استعدادٍ كافٍ لصناع الدراما لمواكبته، لأن الأغلبية استسلمت إلى سوق دراما رمضان الذي ظل مهيمنا لسنوات في وقت عانى فيه الإنتاج المصري من الاحتكار، وبعض أسماء المؤلفين الذين برزوا من خلال مسلسلات دراما يجدون أنفسهم غير قادرين على مواكبة تطورات سوق المنصات، ما أسهم في انتشار الاعتماد على مسلسلات “الفورمات” المترجمة من أعمال أجنبية.

Thumbnail

ولم تستطع ورشات العمل التي تضاعف عددها أن تحقق طفرة درامية قادرة على سحب البساط من أعمال أجنبية تشكل اختيارا رئيسيا للعديد من جمهور المنصات، وأن الأعمال التي تعتمد على التشويق والإثارة، وإن كانت حققت جذبا للمنصات العربية، سرعان ما يمل منها الجمهور إذا استمرت على الوتيرة نفسها، لتظل مشكلات النصوص المتماسكة القوية غائبة حتى مع انتشار ورش العمل.

وقال السيناريست المصري سمير الجمل إن طبيعة الجمهور يميل إلى التنوع والاستمرار في تقديم أعمال بارزة تطغى عليها الجريمة والإثارة لن يكون في صالح المنصات على المدى البعيد، ما يجعلها تحاول التغلب على ذلك عبر تقسيماتها للأعمال المعروضة عليها، وتحاول جذب المشاهد إلى الأعمال الأكثر مشاهدة والأكثر انتشارا في العالم العربي، في حين أنها تعد تقسيمات غير منطقية لأن ما يعجب البعض ليس بالضرورة أن يعجب الآخرين، وقد يكون نتيجة ذلك أن يتعرض الجمهور لأعمال تفتقر للجودة التي تتماشى مع كون الجمهور أقدم على الاشتراك فيها.

زيادة عدد الأعمال التي تعرضها المنصات في موسم رمضان يجعلها تبحث عن أطر للاستفادة من تركة الإعلانات
زيادة عدد الأعمال التي تعرضها المنصات في موسم رمضان يجعلها تبحث عن أطر للاستفادة من تركة الإعلانات

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ورش الكتابة هدفها الأساسي المساهمة في إنجاز مسلسلات وأعمال طويلة يصل عدد حلقاتها إلى 30 أو 60 حلقة، وهو أمر يتنافى مع طبيعة المنصات التي تعتمد على عدد قليل من الحلقات وقد يكون الأمر مقبولا في مسلسلات “سيت كوم” تعتمد على كوميديا الموقف.

وذكر سمير الجمل أن غياب الموضوعية عن بعض الأعمال القصيرة المعروضة بالمنصات يعود إلى عدم وجود ترابط وتناسق فكري بين العاملين في ورش الكتابة، وأن الأعمال التي قدمها مؤلفون لديهم ثقل ثقافي ووعي سياسي وفكر مجتمعيا بشكل فردي تجاوزت ما حققته مسلسلات التأليف المشترك، ففي حالة المسلسلات القصيرة يتجه كل شخص إلى كتابة عدد قليل من المشاهد لا ترقى لتكوين رؤية متكاملة للعمل.

هناك عامل آخر يعد بمثابة مأزق أمام المنصات لأن القائمين عليها قد ينجذبون إلى أعمال ذات إنتاج ضخم ولا تتسم بالضخامة ذاتها على مستوى القيمة الفنية المقدمة، وأن وجود عوامل التشويق والإبهار لا تكفي للقول إننا أمام عمل درامي متكامل أو قادر على نقل الدراما العربية إلى آفاق أكبر لتظل، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي توفرت لها في موضع الاقتباس المستمر من الدراما الأجنبية.

وأشار سمير الجمل في حديثه لـ”العرب” إلى أن المنصات استطاعت أن تكسر احتكار النجم الأوحد لكافة تفاصيل العمل، ويشهد الإنتاج الدرامي تحولات مهمة تفتح المجال أمام أسماء صاعدة لها مواهب عديدة لم تنل فرصتها في التلفزيون، في وقت بدأ فيه نجم بعض النجوم البارزين ينضب مع توقف الفنان عادل إمام عن التمثيل ورحيل أسماء بارزة مثل نور الشريف ومحمود عبدالغزيز ومحمود ياسين، وقد يشكل غياب هيمنة النجم لتطوير منظومة الإنتاج الفني مع عودة تأثير المؤلف والمخرج في عناصر وحدة العمل.

وتضرب الفنانة المصرية ريهام عبدالغفور مثالا مهمّا على أن سوق الإنتاج الدرامي على التلفزيون خلال السنوات الأخيرة لم يسهم في بروز أسماء لها مواهب فنية، وأن تحقيق نجاحات متلاحقة في ثلاثة أعمال قدمتها على المنصات العام المنقضي هو دليل على التفوق، وهي: “وش وضهر” و”منعطف خطر” وأخيراً “الغرفة 207”.

ويشير نقاد إلى أن الأبعاد التجارية تظل حاضرة في سوق المنصات وزيادة عدد الأعمال التي تعرضها المنصات في موسم رمضان يجعلها تبحث عن أطر يمكن من خلالها الاستفادة من تركة الإعلانات التي يستحوذ عليها التلفزيون والبحث عن أساليب مناسبة تظهر فيها الإعلانات على المنصات دون أن تحصل على الميزة التي تحققها نتيجة عرض الأعمال بلا فواصل إعلانية، كما أن أهداف منافسة المنصات العالمية تظل غائبة عن رؤية القائمين عليها وتنحصر المنافسة على الجمهور العربي.

أمير رمسيس: المنصات لا تشكل ضغطا مباشرا على صناع المحتوى
أمير رمسيس: المنصات لا تشكل ضغطا مباشرا على صناع المحتوى

وأوضح المخرج أمير رمسيس أن المنصات لا تشكل ضغطا مباشرا على صناع المحتوى من حيث سرعة الإنتاج، لكن الضغط الرئيسي في كيفية تقديم محتوى متطور بعيدا عن عوامل الزمن، عكس دراما رمضان، وأن التجارب العربية أثبتت حتى الآن أنها قادرة على تقديم أعمال متطورة وبأشكال درامية وسينمائية حديثة.

وشدّد في تصريح لـ”العرب” على أن حاجة المنصات بشكل مستمر لجذب مشتركين جدد والتميز عن غيرها من المنافسين يسهم في تطوير الأعمال المعروضة عليها بشكل تلقائي، وأن الحكم هنا يكون حسب جودة المحتوى ومدى إقبال الجمهور على الاشتراك، ما يجعلنا أمام تطور لكنه يسير بصورة بطيئة.

واعتبر أن ملل الجمهور من أعمال الجريمة والعنف ربما يحدث في المستقبل، غير أن غياب هذا النوع من الألوان الدرامية والفنية لسنوات طويلة يجعلها تحقق نجاحا شعبيا مستمرا، وهو أحد الألوان التي يفضلها الجمهور، إلى جانب أن الأعمال الروائية التي تعتمد على التشويق وظهرت بكثافة في دول اسكندنافيا خلال السنوات الماضية وانتشارها في العديد من الدول الأوروبية التي تهيمن على الدراما العالمية بما فيها التي تقدمها منصة نتفليكس، وهذه الراويات تترجم للعربية لتقديم بعضها.

ولفت إلى أن الاعتماد على صناعة “الفورمات” لا تتسم بها الدراما العربية فقط، وأن الدراما التركية والهندية وغيرهما تعتمد على هذا النوع من الأعمال، وتلك الصناعة تأخذ في التصاعد في العالم أجمع مع تراجع فكرة عرض الأفلام أو المسلسلات المترجمة على الشاشة الصغيرة.

وقدم المخرج أمير رمسيس مسلسل “النزوة” بطولة خالد النبوي والتونسية عائشة بن أحمد ورمزي العدل وسلوى محمد علي، سيناريو وحوار محمد الحاج ويمنى خطاب وياسمين زهدي، وأشرف على تطوير المحتوى محمود دسوقي، ويتناول جريمة قتل تتوجه أصابع الاتهام فيها إلى أكثر من جهة، تتداخل فيها قصص الحب والانتقام، ورصدت الآثار النفسية للخيانة بين الزوجين.

14