منصات إخبارية على مواقع التواصل في مصر تلفت الأنظار وتحرج السلطة

لفتت منصات إخبارية على مواقع التواصل أنظار المصريين بالنظر إلى المحتوى الذي تقدمه، والذي يأتي في الغالب بما يخالف الروايات الرسمية، ويرى خبراء أن انتشار مثل هذه المنصات يمثل تحديا للسلطة في مصر، حيث يصعب ضبطها كما هو الحال مع وسائل الإعلام التقليدية.
القاهرة - أثارت تقارير نشرتها صفحات إخبارية على منصات التواصل الاجتماعي جدلاً إعلاميًا في مصر مؤخراً، ونشطت لتقديم معلومات لا يتم تداولها في وسائل الإعلام التقليدية، وشككت في الكثير من الروايات الرسمية لأحداث وتطورات مصرية، ما طرح تساؤلات لدى البعض حول أهدافها والجهات التي تقف خلفها.
وسلطت صفحات “صحيح مصر” و”متصدقش” و”الموقف المصري” الضوء على حادثة توقيف الطائرة القادمة من مطار الملكة علياء في عمّان بالأردن وتوقفت ترانزيت في مطار القاهرة قبل وصولها إلى عاصمة زامبيا لوساكا بواسطة السلطات الأمنية هناك التي أعلنت عن ضبطها ملايين الدولارات وقطعا من النحاس والقصدير، مؤكدة احتجازها عشرة أشخاص كانوا على متن الطائرة من بينهم ستة مصريين.
ووجدت هذه الصفحات في حالة عدم الإفصاح المصري عن طبيعة الحادثة ومن كانوا على متنها مساحة لنشر معلومات حول الطائرة والمحتجزين، وعلى مدار ما يقرب من أسبوع لم تتوقف هذه الصفحات عن نشر تطورات، تماشت مع نفس توجهات إعلام تنظيم الإخوان الذي منح الواقعة تركيزا واستخدمها كأداة للهجوم على القاهرة.
وما أثار الشكوك حول دورها أنها قدمت معلومات مهمة للغاية بشأن أسماء ضباط وأشخاص في أجهزة أمنية مصرية، وبدا الجانب الاستخباراتي متقدما على الإعلامي فيما ظهر من معلومات، خاصة ما جاء في صفحة “متصدقش” التي تحولت أخيراً إلى موقع إلكتروني ينشر ما يجري بثه على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلنت “متصدقش” اعتقال أحد أعضاء فريق تحريرها (كريم أسعد) الأحد، وأرجعت ذلك إلى ما نشرته من تفاصيل حول الطائرة المضبوطة في زامبيا، وطالبت لجنة الحريات بنقابة الصحافيين المصرية الإفراج عنه.
وكشفت المنصة لأول مرة عن معلومات بشأن فريق عملها بعد أن اتسم عملها بالسرية خلال خمس سنوات منذ تأسيسها، وأشارت إلى أنها “منصة صحافية مستقلة أسسها الصحافي الراحل محمد أبوالغيط عام 2018 في أثناء إقامته في لندن، وتضم مجموعة من شباب الصحافيين المصريين غير المنتمين إلى أحزاب أو جماعات سياسية، ولم تحصل على تمويل أجنبي من أي حكومات منذ بدء عملها”.
ويتفق خبراء الإعلام على أن مثل هذه الصفحات يمكن أن تلعب دورا في “شيطنة” الدولة المصرية، لأنها لا تتسم بالمعايير المعروفة والمتفق عليها عالميًا بشأن وسائل الإعلام وطبيعة عملها، وأن تخفّيها وتعمدها نشر معلومات تضرب مصداقية الجهات الرسمية في مصر يثيران شكوكا في أدوارها، إذ لا تركز على أخطاء الإعلام المعادي وتضع نصب عينيها ما يصدر عن إعلاميين أو مسؤولين محسوبين على القاهرة.
غير أن هؤلاء الخبراء يرون أيضا أن هذه الصفحات تجد في غياب المعلومات الموثقة منفذاً مهمًا لتحقيق أهدافها، وتحاول أن تظهر أنها تعمل وفقًا لآليات مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تضع حداً لانتشار المعلومات، لكنها تصل إلى قطاعات تبحث عن هذا النوع من المعلومات وليست لديها الثقة في الإعلام الرسمي وتتأثر بحملات تشويه عديدة ضمن معارك إعلامية خاضها معارضون للدولة المصرية من الخارج.
وقالت أستاذة الإعلام الرقمي بجامعة القاهرة سهير عثمان إن وجود هذه النوعية من الصفحات وعملها بهذه الآلية يؤكدان أنها تخدم أجندات خاصة بعيدة عن العمل المهني، وإن المضامين الموجودة فيها يغلب عليها الجانب المعارض، ما يشي بأنها ناتجة عن تداخل حسابات سياسية متنوعة، وهو ما يبرر أحيًانا عدم الرد الرسمي المصري على ما تقدمه من معلومات، الأمر الذي يفتح الباب للمزيد من الشائعات.
الجانب الاستخباراتي بدا متقدما على الإعلامي، خاصة ما جاء في صفحة "متصدقش" التي تحولت أخيراً إلى موقع إلكتروني
وأوضحت عثمان في تصريح لـ”العرب” أن “تجاهل ما يتم نشره على هذه الصفحات قد يكون أمراً إيجابيًا ويبعث رسائل يفيد مضمونها بعدم أهمية ما تقدمه، وإشارة إلى أن جهات حكومية لا تولي اهتماماً بما تنشره من معلومات لا تشكل أولوية بالنسبة إليها، وذلك لا يبرر عدم الرد على شائعات باتت تشكل تهديداً للأمن القومي وتؤثر على مواقف المواطنين”.
ولفتت إلى أن عدم تحقيق المنصات والقنوات التابعة لتنظيم الإخوان أهدافها يدفع نحو تأسيس صفحات غير معروفة الهوية وتقديم معلومات تظهر بأن وراءها جهات مستقلة وليست مسيّسة، وبالتالي تكون أكثر سهولة في التأثير على المواطنين، وتصل إلى الجمهور بشكل أسرع، ويعد ذلك إحدى أدوات لفت الأنظار إلى منصات التواصل.
واستطاعت هذه الصفحات أن تجذب إليها ملايين المتابعين في مصر، ما يشكل خطورة يستوجب التعامل معها بآليات تتماشى مع الإعلام البديل.
ومع أن البعض يشكك في صحة أرقام المتابعين مع إمكانية تزييف أعداد رواد الصفحات، إلا أنه من المؤكد أن محتوياتها مادة دسمة لقنوات معارضة توظفها في التأكيد على وجهة نظرها التي تسوقها ضد النظام المصري.
وما يجعل هذه الصفحات قادرة على الوصول إلى المتابعين أن دوافع الفضول نحو المعلومات التي تغيب عن الإعلام المصري كثيرة، وقد تمثل الحقيقة الممنوعة عنهم خاصة أن هذه النوعية من الصفحات تستخدم أسلوبًا يتضمن عناصر إثبات صدق ما تتحدث عنه، لكنها تغفل تسليط الضوء نفسه على الكثير مما يروج له الإعلام المعادي، ما يخدم في النهاية مخططات التشكيك الذي يستخدمه تنظيم الإخوان.
وقال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم إن ركون الإعلام المصري إلى الدعاية يقابله على الجانب الآخر استخدام أساليب تدحض هذه الدعاية، التي تأتي في سياق صراع مستمر بين وسائل إعلام مؤيدة للنظام المصري وأخرى معارضة له.
وأشار العالم في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الصفحات التي انتشرت مؤخرا تلعب دوراً في جذب أنظار المسؤولين بمصر إلى أشكال الدعاية المضادة وضرب مصداقية أصحابها، بما يشكل إحدى أدوات الضغط لإتاحة المعلومات، وهو أمر تكرر كثيراً في الفترة الماضية عبر توظيف وقائع وتصريحات بعينها”.
ومن المتوقع أن يتزايد عدد هذه الصفحات بعد أن وجدت رواجا لها، ومع استمرار الإعلام الدعائي في مواصلة طريقه بعيداً عن الغوص في المعلومات الحقيقية.
وذكر العالم أن الفراغ وتحجيم قدرة وسائل الإعلام على الوصول إلى المعلومات يدعمان انتشار المنصات التي قد يصعب التعامل معها بالأساليب التقليدية، وعلى الجهات المسؤولة عن ملف الإعلام في مصر أن تدرك أن المضمون الذي تقدمه له طبيعة دعائية مضادة وبحاجة إلى استخدام أدوات الإقناع في مخاطبة الجمهور.
وتقوم حسابات مؤيدة للنظام المصري بالرد على ما تقدمه هذه الصفحات والمواقع التي تدور في فلكها، لكن يبقى ذلك غير كاف، ويجعل الكفة غير متكافئة، لأن من ينشرون الردود هم أشخاص بعينهم في مواجهة كيانات إعلامية غير ظاهرة للعيان، وفي النهاية تستطيع هذه الصفحات تقديم الحجج التي تدعم وجهة نظرها.