منح الشباب ثروات العائلة مبكرا مسؤولية لا امتياز

يحمل قرار تسليم الآباء المؤسسين إدارة الثروات والشركات العائلية للأبناء في سن الشباب، العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية. وبينما يعتبره البعض مجازفة بتحميلهم مسؤولية كبيرة تدفعهم إلى مغامرات غير محسوبة، يرى خبراء إدارة الشركات أن جيل الألفية يحظى بكفاءات هائلة ويفهم التكنولوجيا بشكل أفضل من الجيل السابق.
لندن – يؤكد الأستاذ في الكلية العليا للتجارة بباريس ميشيل ريمي أن المؤسسات العائلية تمثل أغلبية المؤسسات في العالم، حيث تتراوح نسبتها بين 60 و95 في المئة. وهذا النموذج يمتلك مفاتيح النجاح، لكن العائق الوحيد هو انتقالها من الآباء إلى الورثة، حيث تشهد هذه العملية العديد من المشاكل.
ويختار العديد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الاستعداد مبكرا لهذه المعضلة والخروج منها بتسليم إدارة شركاتهم إلى أبنائهم، أي الجيل الثاني. وبغضّ النظر عن أسباب هذا الاختيار، إلا أن النتيجة هي مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الشباب وعليهم أن يضطلعوا بها.
وقرار تسليم الأبناء الإدارة ليس ظاهرة حديثة في العالم العربي، فقد شهدت مصر والخليج العربي الكثير منها ولعدة أسباب. ففي مصر ارتبط بعض كبار رجال الأعمال بعلاقات مع رموز النظام المصري السابق، أو بسبب أزمات صحية، أو حتى تخفيف الضغط الذي رافقهم سنوات طويلة، والبعض منهم لم يختف من المشهد تماما وظل بجوار الجيل الثاني، فيما سلّم آخرون القيادة تماما إلى أبنائهم.
كفاءات هائلة
يقول خبراء إدارة الشركات إن الجبل القادم من جيل الألفية هم من ذوي التعليم العالي والكفاءات الهائلة نظرا للتكنولوجيا التي بين أيديهم ويفهمونها بشكل أفضل من الجيل السابق.
لذلك بمقدورهم تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد لنشاط العائلة والتعرّف عليها، وسيكونون أسرع في إجراء تعديلات في حالة اضطرارهم إلى تغيير مسار العمل. وسيكونون مساهمين أكثر في النمو من جيلهم السابق.
لكن رغم ذلك هناك الكثير من التحديات بدءا من عدم استعداد الأبناء لهذه المسؤولية بسبب خططهم الأخرى وأهدافهم وطموحاتهم المختلفة عن أبائهم، وصولا إلى غياب الحوكمة المدروسة للشركات وللعائلة التي تساعدهم على الأقل في الحفاظ على الشركة العائلية في الاتجاه الصحيح.
ويتمثل التحدي الآخر في إدارة الطموحات الحماسية السريعة للشباب مع طموحات الجيل القديم الذي لا يستطيع التخلي عنها.
ولا يخلو الأمر من صعوبات حتى بالنسبة إلى أولئك الذين عملوا لفترة طويلة في الشركات العائلية، فالتحدي الأكبر بالنسبة إليهم هو ترك بصمة في الشركة، وتوسيعها والقيام بالمبادرة ودمج شركات جديدة وجعلها عالمية.
كما أن اللافت بين الشباب هو تذمّرهم من بعضهم البعض، ومحاولة البعض منهم تحطيم طموح وأعمال شباب آخرين في نفس أعمارهم، لذلك تتسبب المنافسة بمغامرات ومخاطر مالية غير محسوبة.
استعداد مسبق

حث ألبرت جان توماسن، المدير التنفيذي لشبكة الشركات العائلية في هولندا، أصحاب الشركات على البدء في التخطيط لتسليم الإدارة أو الملكية قبل خمس إلى عشر سنوات من الموعد المفترض. وقال إن “التحدّي الأكبر لعملية التسليم هو منحها الأولوية الكافية. فتعاقب الإدارة أو الملكية هو أهم استثمار في مستقبل شركتك العائلية”.
وأظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة معلومات السوق العالمية سافانتا لصالح بنك باركليز الخاص بعنوان “التعاقب الأذكى: تحديات وفرص نقل الثروة بين الأجيال”، أن 49 في المئة من الشباب في الشركات العائلية من دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر استعدادا لإدارة الشركة العائلية بفضل نشأتهم في بيئة مواتية.
وأشارت الدراسة إلى أن المشاركين من الإمارات والسعودية يتوقعون تولي زمام الأمور في شركة العائلة.
وفي ظل الظروف الحالية، يشعر 45 في المئة فقط من أفراد جيل الألفية في مختلف أنحاء العالم بالاستعداد لتولي شركة العائلة، فيما يشعر 23 في المئة غيرهم بالتوتر بشأن الإرث العائلي.
وأظهرت الدراسة أن 25 ألف شخص تقريبا من أصحاب الشركات المالية العالية يتوزعون في أوروبا وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يقوموا بنقل 15 تريليون دولار أميركي إلى الجيل القادم بحلول عام 2030، إذ يأتي نقل الثروات على رأس أولويات العديد من العائلات الثرية.
جيل الألفية من ذوي التعليم العالي والكفاءات الهائلة يفهمون التكنولوجيا بشكل أفضل من الجيل السابق
وذكرت الدراسة أن بناء الثقة والتفاهم بين الأجيال سيكونان عاملين جوهريين لضمان انتقال الثروة بين أجيال العائلات ذات الملاءة المالية العالية في السنوات القادمة، خاصة في ظل الضغوط التي تشهدها الشركات والاستثمارات مع انتشار وباء كورونا حول العالم.
ولدى كبار أفراد العائلات مخاوف بشأن نقل إدارة أعمالهم واستثماراتهم وقدرة الجيل التالي والتزامه بإدارة أصول العائلة.
ومن جهة أخرى، تؤدي هذه المخاوف بالنسبة إلى جيل الشباب إلى شعور بعضهم بأنهم أقل استعدادا لتولي المسؤولية رغم شعورهم بالمسؤولية للحفاظ على إرث الأسرة.
ويشعر الجيل الجديد من أصحاب الملايين في السعودية بالتزام كبير تجاه الإرث العائلي، كما هو الحال في الإمارات أيضا، حيث كشفت إحصائيات للكثير من الذين استطلعت آراؤهم في منطقة الشرق الأوسط، أنهم يُولون قيمة كبيرة لترك إرث إيجابي، ما يعكس طبيعة الثقافة المجتمعية في المنطقة وأهمية حماية وتعزيز اسم العائلة.
وأظهرت سلسلة الأبحاث، أن 57 في المئة من منشئي الثروة بين العائلات ذات الملاءة المالية العالية في مختلف أنحاء العالم يعتقدون أن جيل الشباب من تراوحت أعمارهم بين 24 و39 عاما، ليسوا مؤهلين لتولي المسؤولية في الوقت الراهن.
وكشفت أن 40 في المئة منهم في منطقة الشرق الأوسط، و63 في المئة في سائر أنحاء العالم يعتقدون بأن جيل الألفية غير ملتزم بالحفاظ على الثروة.
تغيير الوجهة
يشعر أفراد الجيل الأكبر سنّا بأن هويتهم الشخصية مرتبطة بنجاحات شركاتهم، حيث غالبا ما تكون لديهم سلطة فردية على توجيه الأعمال والاستثمارات، لذا يلتزم معظمهم الحذر مخافة التراجع، ويشعرون بالقلق حول مدى ميل الجيل التالي للمجازفة بشكل أكبر.
وتعتبر المسارات التعليمية العالمية التي اتبعها القسم الأكبر من جيل الشباب، عاملا رئيسيا لتباين مستويات الميل نحو المخاطرة بين الأجيال، حيث يحمل 51 في المئة من جيل الألفية درجة الماجستير أو أعلى منها مقارنة بـ23 في المئة فقط من أفراد الجيل الأكبر سنا.
وتؤثر حصيلتهم من التجارب التعليمية والثقافية المتنوعة في دفعهم لطرح وجهات نظر جديدة في المناقشات العائلية، وبالتالي من المرجح أن يرغبوا في تغيير توجه الشركة العائلية.
وأفاد 58 في المئة من المشاركين من أفراد العائلة من جميع الأجيال، بأن هذه النظرة المختلفة للحياة قد سببت بعض التوتر بينهم.
وأوردت الدراسة أن انتشار وباء كورونا عزز التحديات التي تواجهها الشركات، وبالتالي الضغط المترتب على العائلات بشأن تنظيم عملية انتقال الثروة بنجاح.
وكشف استطلاع للرأي عن شعور عام بالاستعداد لدى الشباب، حيث أفاد 78 في المئة من الأفراد الأصغر سنا بأنهم تلقوا تدريبا أثناء العمل، فيما حصل 71 في المئة على تعليم أكاديمي، وأشار 45 في المئة إلى الحصول على دعم عاطفي من أفراد العائلة.
وتحدث أبناء جيل الألفية في الخليج عن مشاركتهم بشكل كبير في مناقشة أعمال العائلة. وبالتالي يحملون شعورا قويا بالالتزام والواجب تجاه هذا الإرث والشركة العائلية.
وتتوقع الغالبية العظمى من جيل الألفية على مستوى العالم تولي هذه المسؤولية في المستقبل، ويعتبرون أنهم يحملون إحساسا بالواجب لتطوير إرث العائلة، ما يدل على رغبتهم في تحمل مسؤولية أكبر وتطوير تجربتهم ومهاراتهم وعلاقاتهم الاستشارية للارتقاء بالعائلة ومصالحها التجارية نحو مستوى جديد من التطوير.
ويرى دانيال فليمينغ، استشاري إدارة الثروات في بنك “جي.بي مورغان” الخاص لمنطقة الشرق الأوسط، أن ما “نشهده هو أن قادة الأعمال من الجيل الثاني يتطلعون إلى تجنب ارتكاب أخطاء مماثلة لأولئك الذين سبقوهم من الجيل الأول عندما كانوا يسلمون أبناءهم زمام الأمور”.
معايير للجيل القادم
تقوم العديد من الشركات العائلية الآن بوضع معايير للجيل القادم. وعلى سبيل المثال، فقد تفرض التعليم ومتطلبات خبرة عمل خارجية قبل الانضمام إلى العمل بشكل رسمي.
وتسير بعض العائلات في الاتجاه الصحيح للتأكد من أن أفراد عائلة الجيل القادم هم مناسبون للعمل من اختيار الموهبة المناسبة. بل إن البعض قد وضع حوكمة سليمة عند تسليم المنصب للجيل التالي من أفراد الأسرة الذين لا يستطيعون العمل في نفس القسم مثل والدهم على سبيل المثال.
ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بجعل التعويضات مثل المكافأة والأسهم، يتم تحديدها من قبل لجنة من كبار أفراد العائلة الآخرين.
وتوجد في الشرق الأوسط 14 من أكبر 500 شركة عائلية عالمية توظف 500 ألف شخص وتشكل 3.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة. وغالبا ما يكون لدى أصحاب الشركات العائلية العديد من الأبناء.
ولذلك فإن اختيار خلفهم يعتبر بمثابة تحدٍّ حساس وواضح، بحسب فليمينغ الذي أضاف أن الجيل الثالث من الأبناء أصبحوا يشاركون أكثر فأكثر في الأعمال التجارية، ويؤدي كل منهم أدوارا مختلفة. مما يمكن أن يؤدي إلى عدم وضوح في تخطيط عملية توارث الأجيال.
وتعتبر الشفافية والتأكد من أن كل شيء واضح من اليوم الأول هو أفضل وسيلة لتحقيق انتقال سلس. والطريقة الوحيدة لتعليم الجيل التالي هي بجعله يقع في حب الشركة وأن يصبح أكثر ارتباطا بها حتى لا تكون مجرد وظيفة أو وسيلة لكسب المال.